هل تنقرض العربية يوما ما؟

584

حمزة العبد الله – مدّون وصانع أفلام
بينما أنا جالس في مقعدي منهمكًا في قراءة رواية اصطحبتها لتخفف وقت الانتظار والسفر في الرحلة من اسطنبول إلى عمان مر بجانبي مناديا: “كوفي أور تي؟”.. رفعت عيني لألمح دبوسًا مكتوب عليه اسمه، حسن.. شاب ثلاثيني تبدو عليه ملامح عربية يعمل مضيفا على متن خطوط عربية.

– رأيت في الدبوس المعلق على قميصك أن اسمك “حسن”، حضرتك عربي؟
– Yes, but I live in New York
– بس حضرتك عم تفهم علي عربي، يعني تعرف تحكي عربي؟
– My father is Jordanian and my mother from U.S.A
– جيد، من الجميل لو تكلمت بلغتك الأم
– Yes my mother language is English

الكثير من حوارات الشباب لا يخلو من كلمات أجنبية يرمون بها بين كلمتين عربيتين ليظهر المتحدث بمظهر الشاب “الكول”

ابتسمت وأوضحت له أنني أقصد لغته الأم وليس لغة أمه، فابتسم ومضى، وبقيت تساؤلات كبيرة في داخلي، كم نحن زاهدون في لغتنا وثقافتنا وحضارتنا..

اللغة ليست مفردات وكلمات وحروفا فحسب، ولكنها المكون الرئيسي في الثقافة والحضارة والتفكير والإبداع، وهي التي تشكل أول حواراتنا مع والدينا حين نفتح أعيننا للحياة.. لذلك قالوا قديما “إذا أردت أن تقتل شعبا فاقتل لغته”، فلا توجد حضارة بدون لغة تحفظ كيانها وتماسكها.

وواقع العرب مع لغتهم يعكس تفريطهم الشديد في لغة لا يقدرون قيمتها، فتجد أن الأسرة إذا قررت أن تعلم طفلها فستبحث عن مدرسة “إنترناشونال” ليدرس ابنهم باللغة الإنجليزية لأن ذلك سيؤمن مستقبله الوظيفي، فينتج جيل لا يعرف من اللغة العربية سوى حروفها، يقرأ أدبا مستوردا، ويتلقى ثقافة مستوردة.

ولو نظرنا إلى الشباب فسنجد أن “عقدة الأجنبي” هي ما يسيطر على كثير منهم، فترى حواراتهم لا تخلو من كلمات أجنبية يرمون بها بين كلمتين عربيتين ليظهر المتحدث بمظهر الشاب “الكول” المتحضر، وينفي عنه تهمة التخلف والرجعية التي سيلصقها به من حوله إن تكلم بمفردات عربية فقط.

وبات من الطبيعي جدا أن تسمع أهل بلد قد أمالوا ألسنتهم وصاروا يتحدثون لغة مزيجة بين العربية والهندية أو الباكستانية أو البنغالية أو لغة العمالة المنتشرة في البلد، ولن تستغرب إن ناداك أحدهم “سديك” أو “رفيك”، وتلك مصيبة أهون من أن ترى من ولدوا وترعرعوا ونشؤوا في بلد عربي ومن أبوين عربيين وتعلموا في مدارس عربية ثم تجدهم يخلطون بين العربية والإنجليزية أو الفرنسية ليظهروا بمظهر متحضر عصري، يأتيك مرحبا قائلا لك “هاي”، فما تجد إلا أن ترد عليه “وعليك الهاي”!

الواقع يظهر أن هناك عزوفا عن استخدام اللغة العربية بالرغم من أنها لغة تلبي جميع الاحتياجات اليومية وليست لغة جامدة، وهي كذلك الأكثر فصاحة وبلاغة وجمالاً، فجملة تتكون من كلمتين بالعربية تتطلب ترجمتها أربع كلمات من لغة أخرى أو يزيد، كما أن اللغة العربية هي مصدر رئيسي لمفردات لغات عدة مثل الأمازيغية والكردية والفارسية والتركية والإسبانية والبرتغالية والهندية والصومالية والسواحلية والأندونسية وغيرها من اللغات.

فمثلاً كلمة سكر هي بالإنجليزية (sugar) وبالإسبانية (azúcar) والبرتغالية (açúcar) والإيطالية (zucchero) والتركية (şeker) والفارسية (شکر) وكلها مشتقة من الأصل العربي، وغيرها كثير من الكلمات من أصل عربي كذلك.

يقدر ما يَصْدر في الوطن العربي من كتب جديدة بخمسة آلاف كتاب، بينما يَصْدر في أميركا ما يزيد على 290 ألف كتاب جديد سنويا

واللغة العربية التي تعتبر اللغة الرابعة من حيث عدد المتحدثين بها حول العالم -480 مليون نسمة- من أغزر اللغات من حيث المادة اللغوية، فعلى سبيل المثال يحوي معجم لسان العرب لابن منظور من القرن الثالث عشر أكثر من 80 ألف مادة، بينما في اللغة الإنجليزية فإن قاموس صموئيل جونسون وهو من أوائل من وضع قاموسا إنجليزيا من القرن الثامن عشر يحتوي على 42 ألف كلمة.

ويتجسد العزوف عن اللغة العربية في مظاهر رئيسية:
– انتشار اللغات الدارجة والمحلية واللغات العامية على حساب اللغة العربية الفصحى، وهو ما يروج له من خلال وسائل الإعلام، والإنتاجات الثقافية وحتى الأدبية أحيانا.

– الخلط بين لغتين، أو ما يعرف بـ”العربيزي” فتنتج لغة مشوهة بلا هوية، تفقد فيها الكلمات جمالية اللغة ورونقها، وتساهم في ضياع المفردات.

– ضعف المحتوى الإلكتروني العربي على شبكة الإنترنت حيث أظهر تقرير صادر عن الاتحاد الدولي للاتصالات أن حجم المحتوى العربي على الإنترنت لا يتجاوز 3%، كذلك الحال بالنسبة لإنتاج الكتب العربية؛ حيث تنتج الدول العربية 1.1% فقط من معدل الإنتاج العالمي للكتاب، ويقدر ما يَصْدر في الوطن العربي من كتب جديدة بخمسة آلاف كتاب، بينما يَصْدر في أميركا ما يزيد على 290 ألف كتاب جديد سنويا. ويصدر الناشرون العرب سنويا كتابا لكل ربع مليون شخص في العالم العربي، في مقابل كتاب لكل خمسة آلاف شخص في الغرب.

في ظل هذه الحقائق؛ فهل تنقرض لغتنا العربية الجميلة يومًا مّا؟

قد يعجبك ايضا المزيد عن المؤلف

تعليقات