كلمة الائتلاف في افتتاح المؤتمر الوطني الخامس للغة العربية

1٬193

كلمة الائتلاف في افتتاح المؤتمر الوطني الخامس للغة العربية

بسم الله الرحمان الرحيم

معالي الدكتور سعد الدين العثماني، رئيس الحكومة،

معالي الدكتور محمد الأعرج وزير الثقافة والاتصال،

السيد ممثل المدير العام للإيسيسكو

السيد ممثل المدير العام للألكسو مدير مكتب تنسيق التعريب الدكتور عبد الفتاح الجحمري

السيد الأمين العام للمجلس الوطني لحقوق الإنسان الدكتور محمد الصبار،

السيد عمدة مدينة الرباط، الدكتور أحمد الصديقي

السيد ممثل مؤسسة علال الفاسي الدكتور مبارك ربيع

السيد رئيس منظمة المجتمع المدني الدولية لقيم المواطنة والتنمية والحوار: الدكتور مصطفى الزباخ،

السادة العلماء والأكاديميون والمفكرون والباحثون

السادة رؤساء المجالس العلمية

السادة رؤساء وممثلو الأحزاب الوطنية

السادة رؤساء وممثلو الجمعيات والهيئات المدنية

السادة رجال الإعلام والصحافة

حضرات السادة والسيدات،              

سلام الله عليكم ورحمته وبركاته،

سعيد أن أرحب بكم، باسم الائتلاف الوطني من أجل اللغة العربية، مؤسسات وجمعيات وشخصيات، في هذه المائدة المعرفية الترافعية التي تطفئ شمعتها الخامسة، معلنة عن مسار نضالي وعلمي مختلف من حيث الوجهة، ومختلف من حيث البناء، لنناقش جميعا موضوع العلاقة بين الخيارات اللغوية والنموذج التنموي المنشود، في قراءة استئنافية للواقع الاقتصادي والاجتماعي، لا تلغي المنجزات، لكنها تسائل أسباب الإخفاقات، مع أمل بتقديم البدائل الحقيقية والابتعاد عن الشعارات، يساهم فيها الائتلاف بقدراته الذاتية ورؤيته للمسألة الاجتماعية والثقافية في المملكة كفاعل مجتمعي رئيس في النقاش اللغوي العمومي.

السادة والسيدات المحترمون ،،،

نستشعر أهمية اللحظة إذ نفتتح اليوم معاً أعمال هذه المحطة الخامسة في مسار النقاش اللغوي بالمغرب وفي مسار الترافع من أجل اللغة الرسمية للوطن. وأهميتها في جمعها بين إرادة الاستمرار في بث فكرة الائتلاف والتوافق وإشاعتِها بين نخب المجتمع وقواعده، وإرادة الانتقال نحو نقاش هوياتي بَنَاء يقوم على الاعتراف بالذات وعناصرها، دون إقصاء أو رؤية أحادية، للماضي أو المستقبل. بين الإرادتين (الاستمرار والانتقال) نختزل سنواتنا الخمسة بإشعاعاتها وجدالاتها.

لقد أتى الائتلاف والساحة الوطنية تعُج بخطابات التشظي الهوياتي، ومازالت مع الأسف، أتى الائتلاف والمنافحة عن اللغة الرسمية للدولة متأرجحة بين تشتت الفاعلين وضعف التنسيق وغياب الرؤية، أتى الائتلاف والقضية اللغوية تعيش أتون الصراعات السياسية والإيديولوجية، أتى الائتلاف وكل منافح عن عنصر من عناصر الهوية يعيش حالته الخاصة داخل “جيتو” خاص ويرى العالم بمنظاره الخاص، وحين جاء الائتلاف راهن على تقديم بدائل هوياتية حقيقية مؤسسة على البحث في عناصر المشترك الوطني بدل التنقيب عن الاختلاف ونعوت الماضي، يعترف بالواقع ولا يقفز عليه، يستعيد قيم الانتماء الجميلة التي راكمها المغاربة طيلة حياتهم الجماعية، بعيدا عن الشمولية التي تقدس الصراع وتبني عليه وجودها، مستعدية الشريك في الوطنية والدين من أجل الآخر البعيد جغرافيا وحضاريا، خطاب مستحضر لقيم المشترك الجمعي التي ناضل من أجلها أبناء هذا الشعب قبل الاستقلال وبعده، ووضع لبناتها رموزه، فأسس لنفسه رسالة وحدوية تواصلية مع كل الأطياف والكيانات دون رقابة قبلية، تحترم التعددية في الانتماءات والقناعات، لكنها تؤكد على قدسية الثوابت الوطنية، فإن كان في الوطن متسع للجميع، فسيادته ووحدته هي سقف الجميع.

أيها السادة

إن اختيار النموذج التنموي المغربي موضوعا للتفكير والتداول ينبع أولا من قناعتنا بضرورة تقديم تصورنا بشأن النقاش الجاري حول الصيغة التنموية المنشودة لمغربنا، تنزيلا للخطاب الملكي الذي أكد على ضرورة إشراك “كل الكفاءات الوطنية، والفعاليات الجادة، وجميع القوى الحية للأمة ” في بناء هذا النموذج،  ولأن جل الحوارات والمنتديات واللقاءات التي تعقد حول الموضوع تنحو منحى تقنيا، مع العلم أن الاعتراف بفشل السابق يفترض في البديل الواجب طرحه أن يكون شاملا ومتعدد المستويات والقطاعات، والإنسان جوهره. وهنا تطرح قضية اللغة باعتبارها عنصرا رئيسا في صياغة الرؤية التنموية. فجل التقارير المتناولة للتنمية البشريةتؤكّد أن أساس التنمية القائم على تعميم الثقافة العلمية والتقنية بين شرائح المجتمع كافة لا يتم إلا باللغة الوطنية. أما إذا استُخدِمت لغة أجنبية، فإن المعرفة تبقى مقتصرة على نخبة صغيرة، وتؤدي زيادة على التخلف إلى طبقية فجة في المجتمع. فنقل التكنولوجيا لا يحدث بشراء وسائل وخطوط الإنتاج وإنما بتوطينها من خلال اللغة. ومن ثمة لا يمكن تحييد اللغة عن النقاش التنموي أو الزعم أن القضية تقنية بالأساس، كما أن الاعتقاد المحسوم بالنسبة للمغرب هو أنه لا يمكن تحقيق تنمية أو خلق نموذج تنموي جديد وفاعل بدون اعتماد اللغة العربية، وكل نهج مخالف هو اجترار للفشل وتكرار له.

أيها السادة الأفاضل

لقد تبنّى الائتلاف الوطني من أجل اللغة العربية، منذ إنشائه، سياسةً ثابتةً في تنظيم مؤتمره السنويّ، في جمعه بين الوظيفتين الترافعية والعلمية. فالمؤتمرالوطني للغة العربية ليس ندوة علمية عابرة ولا نشاطا عرضيا كمثيله من الأنشطة الكثيرة التي تقارب قضايا العربية من زوايا مختلفة، والتي نساندها وننظم بعضها،بل هو محطة يجتمع فيها أبناء الوطن بكل أطيافهم السياسية والإيديولوجية والإقليمية والعلمية تحت سقف لغة الضاد الجامعة. لذا لن نمل من ترديد قول درويش: ” أنا لغتي، أنا ما قالت الكلمات”. وقد كان القانون على الدوام تعبيرا صريحا عن عمق الانتماء من خلال النصوص الدستورية المختلفة وقرارات المحاكم المغربية. وفي هذا الإطار نوجه التحية الخالصة لرجال القضاء المغربي الذي أكدوا مرة أخرى على احترامهم التام لدستور المملكة من خلال قرار محكمة الاستئناف الإدارية في الرباط بعدم مشروعية استعمال اللغة الفرنسية في المرافق العامة، والذي سنناضل من أجل تنزيله وفرضه باعتباره قرارا وطنيا. وكما عودناكم على مبادرات الائتلاف السنوية التي تبرز قوته الاقتراحية وتجعل منه رقما أساسيا في المعادلة المجتمعية،يسرنا أن نزف إليكم الشروع في تأسيس هيئة “محامون من أجل الهوية الوطنية” يقودها محامون ورجال قانون من كل الجهات والتيارات السياسية، تحت إشراف الأستاذ النقيب عبد الرحمان بنعمرو، غايتهم المثلى متابعة التنزيل السليم للنص الدستوري والنصوص القانونية ذات الصلة بالمسألة اللغوية والمرافعة من أجل فرض اللغة الرسمية في الإدارة والشأن العام. وهذه دعوة لكل محاميي الوطن للانضمام لهذه الهيئة الفتية.وسنعلن عن تشكيلتها خلال الأيام القليلة المقبلة. كما يعلن الائتلاف عن الشروع في تأسيس هيئة “نساء الائتلاف” يجمع كل المنافحات عن لغة الضاد.

أيها السادة

ودعنا سنة أخرى حبلى بالنقاشات الهوياتية وبالتجاذبات التي تتعلق بتنزيل الفصل الخامس من الدستور. وفي هذا الإطار نؤكد ما قلناه للفرق البرلمانية والأحزاب الوطنية: إن أي تنزيل سليم للنص الدستوري لا يمكنه أن يتم إلا داخل توافق وطني تشارك فيه كل الأطياف المجتمعية، وقضية اللغة قضية مجتمع، وليست قضية مؤسسات. لذا لا ينبغي أن نتصور أن الأمر متعلق بجولات للصراع وكسب النقط، بل الأصل هو أن نستعيد اللحظة الدستورية التي أنتجت دستورا متوازنا وقابلا للفخر بمقتضياته. فالقضية ليست قضية مؤسسات جديدة أو هيئات تملأ فضاءاتنا الثقافية والمعرفية، وإنما هي قضية خيار استراتجي يتوافق حوله المغاربة. فالعربية كانت على الدوام عنصرا رئيسا في المشترك الجمعي المغربي لأبعادها العقدية والعلمية والتواصلية، والأمازيغية جزء أصيل من هذا المشترك الوطني لا ينبغي تبخيسها أو تحقيرها أو إخراجها عن وظائفها الحقيقية التي مكنتها من الاستمرار في تربة الوطن، ولغات الانفتاح الأكثر تداولا في العالم تؤخذ حسب الحاجة إليها ولا يحق لأحد أن يفرض لغة المستعمر على أبناء الوطن، لغة بدا أن أصحابها بدأوا يستوعبون قصورها كما قال زعيمهم الأسبوع الذي ودعناه. الخريطة اللغوية واضحة ومجدولة وظيفيا وتاريخيا وأي قفز على الحقائق سيؤدي إلى ضياع الهوية وتشظيها.

أيها السادة الأفاضل

لقد استقطب المؤتمر، كعادته في الأعوام السابقة، نخبةً من المفكّرين والمثقّفين والخبراء وصنّاع القرار والإعلاميّين ورجال الاقتصاد، من مختلف المنابر والمؤسسات وعلى اختلاف انتماءاتهم، ليتولّوا على امتداد جلساته، مناقشةَ محاوره الأساسيّة. وسيكون ختامُه الخروج بمذكرة المؤتمر تعلن تصوره للنموذج التنموي. وكما جرت العادة يسعدنا في هذا المؤتمر أن نكرم أسماء خدمت العربية حبا وعشقا وولها ومقاومة، فالمقاومة ليست دوما بيانات وندوات، نكرم مشروع السنة في شخص الدكتور بوصفيحة وجهوده التي لا تتوقف من أجل تعريب الطب في قيادة فريدة لجمعية التواصل الصحي التي تجمع الأطباء من كل الجهات وتصدر المجلة الصحية المغربية، وبرنامج السنة في شخص الأستاذ شكري البكري صوت شجي يأتينا من وراء الستار يؤثث فضاءنا الإعلامي ببرامجه الأدبية والإعلامية في زمن تراهن أطراف عدة علىفساد السمع والذوق، وفي الليلة الظلماء ينير البدر، ورمز السنة استاذة عشقنا العربية من صوتها الرخيم وعشقنا فيها إصرارها الدائم على الغناء الفصيح فمثلت المغرب خير تمثيل وتربعت على عرش الغناء العربي بهدوء ودون ضجيج الأستاذة سميرة القادري.

أيها السادة الأفاضل

إن حماية العربية من خطر التهميش والتحقير هي حماية لوجود هذه الوطن. وحماية العربية جزء من حماية مشتركنا الوطني. فنشكر لكم حضوركم ونتمنى لكم الاستفادة من محطات هذا اللقاء العلمية.

و اسمحوا لي أيها السيدات والسادة أن أتقدم بشكر خاص أجده واجباً وحقاً علينالكل من ساهم من قريب أو بعيد في سبيل إنجاح هذا المؤتمر وأخص بالذكر هنا المؤسسات والهيئات والشخصيات الداعمة، وأخص بالذكر:

السيد رئيس الحكومة الدكتور سعد الدين العثماني، على دعمه المتواصل للائتلاف، والسيد محمد الأعرج وزير الثقافة والاتصال، على دعمه ومساندته لمشاريع الائتلاف، وإلى  منظمة الإيسيسكو ومؤسسة علال الفاسي والدكتور عبد الفتاح الجحمري مكتب تنسيق التعريب  الأمين العام للمجلس الوطني لحقوق الإنسانالدكتور محمد الصبار، كلمة الأمين العام، لمجلس الجالية المغربية بالخارج: الدكتور عبد الله بوصوف، السيد ممثل كلمة مؤسسة الحسن الثاني للمغاربة المقيمين بالخارج: الدكتور عبد الرحمن الزاهي،  الكاتب العام . والصديق الدكتور مصطفى الزباخ رئيس منظمة المجتمع المدني الدولية لقيم المواطنة والتنمية والحوار على دعمه ومساندته ومشاركته القوية في انجاح هذه المحطة. والأساتذة المشاركين والمؤطرين والإعلاميين ولكل الحضور. وأخص بالشكر هنا الأستاذ جمال المنظري الذي آمن بفكرة الائتلاف فقرر دعمه بتخصيص مقر له، فباسم الائتلاف وباسم لغة الضاد أتوجه له بجزيل الشكر والعرفان. كما أتقدم بالشكر والتقدير لجنود الخفاء الدين آمنوا برسالة الائتلاف وبقيمة المؤتمر فجاهدوا من أجل المساهمة في إنجاحه ولو قطعوا المسافات الطوال من كل مدن المغرب. وعذرا إن لم أذكر كل الأسماء لأنها كثيرة وكثيرة جدا وكلما نظرت في حركيتها من أساتذة وطلبة من مختلف التخصصات والأعمار أحس بأن رسالة الائتلاف على وشك أن تصنع لها تاريخا خاصا. فشكرا ومرحبا بكم تحت سماء الضاد.

 

 

قد يعجبك ايضا المزيد عن المؤلف

تعليقات