“لم تعد لغة علم؟” .. باحثون مغاربة يفكون أزرار الفرنكوفونية في المغرب

427

في الأسابيع الأخيرة، عادت السياسة اللغوية بالمغرب إلى “حلبة” الجدال العمومي فيما يتعلق باللغة الفرنسية؛ ففي الوقت الذي يتوجه فيه المغرب رسميا نحو اللغة الإنجليزية، فإن النخب الفرنكوفونية لم تميز بعد بين رفض اللغة الفرنسية كلغة راغبة في الهيمنة و”الاستعمار اللغوي”، وبين الفرنسية كأداة للتواصل وكلسان قابل للعيش في أفق المغاربة، مثل الإنجليزية وغيرها من اللغات الأجنبية الأخرى.

واعتبر متتبّعون أن رفض المغاربة عرض أفلام سينمائية مدبلجة إلى الفرنسية قبل أيام، “لم يكن سوى ردا حضاريّا وتعبيراً على أنّ رُقعة اللّغات لدى المغاربة صارت أكثر اتساعا”، وهو ما يتقاطع معه الباحث فؤاد بوعلي؛ وهناك من نظر للأمر من زاوية أنّ هذا الرّفض كان “إخبارا مباشرا بأن المغربي لا يتحدث الفرنسية فقط، بل هو إنسان يحتمل كل اللغات، بما فيها الفرنسية والإنجليزية والإسبانية، إلخ”.

بوعلي: رفض وجداني

فؤاد بوعلي، رئيس الائتلاف الوطني من أجل اللغة العربية، قال إن “اللغة الفرنسة صار واضحا أنها تنحسر قليلا بقليل في الفضاء العام، تبعا لحالة وجدانية خالصة تكونت لدى المغاربة تحاول نبذ هذه اللغة، باعتبارها إرثا كولونياليا واستعماريا”، مفيدا بأنها “لغة مفروضة فقط من طرف النخب المتنفذة داخل سدة صياغة القرار السياسي والثقافي بالبلاد، لذلك خلقت حالة من الرفض المجتمعي، الذي تبلور وتطور مع مرور الوقت حتى أصبح عبارة عن رفض عام”.

وحسب ما فسره بوعلي لجريدة هسبريس، فإن “اللغة الفرنسية اليوم لغة متجاوزة عالميا، بمعنى أنه إذا انتبهنا للتغيرات الجيو-استراتيجية التي تقع الآن، خصوصا في الدول التي كنا نعتبرها دولا فرنكوفونية، فهي ما فتئت تُصرف رفضا مُمنهجا وعاما لهيمنة هذه اللغة”، مشيرا إلى أن “الطريقة التي مُررت وفُرضت بها “لغة موليير” في سياقنا لم تكن إطلاقا طبيعية، بالإضافة إلى أنها على مستوى العلم والمعرفة والثقافة صارت تتراجع عالميا إلى مستويات دُنيا، بعد أن همشتها اللغات المنتصرة علميا وحضاريا كاللغة الإنجليزية والصينية، إلخ”.

ولفت المتحدث ذاته إلى أن “مشكلة اللغة الفرنسية أنها لغة صراعية، يعني حضورها لم يجر تنزيله وفق معايير عادية مبدئيا، لكن حين نتأمل اللغة الإنجليزية، على الصعيد العالمي، فنحن ندرك أن هذه اللغة فرضت نفسها بسبل طبيعية، فهي لغة السوق وحتى الدواليب الأنغلوساكسونية لا تناقش القضية اللغوية بشكل أساسي ولا تفكر في كيفية فرضها، في حين إن الفرنكوفونية بدون اللغة وطُرقها الملتوية لا يمكنها أن تعيش في دول الجنوب، لذلك تم رفضها ولفظها واعتبارها غير مجدية”.

أوريد: الفرنسية إضافة

قال الكاتب المغربي حسن أوريد: “ينبغي أن تكون الأولوية دائما للغة العربية والأمازيغية، ولكن علينا أن نعترف بأن تعلم اللغات الأجنبية، أيا كانت، هو إضافة، وأنا أستشهد دوما بمقولة للملك شارلي الخامس: [بقدر اللغات يعرف الإنسانُ بقدر الأشخاص هوَ]، وهي مقولة واردة أيضا عند الإمام علي حين قال: [كل لسان بإنسان]. لذلك، أرى أن الفرنسية إضافة ومكملة للغة الوطنية، ولكن ليست بديلا للغة الوطنية”، وزاد شارحا: “في الحقيقة، لا يُستساغ أن يكون مغربي ما لا يتقنُ اللغتين الوطنيتين، وألا يتقن بالأساس اللغة العربية”.

وذكر أوريد، ضمن إفادات قدمها لهسبريس، أن “لغة الضاد هي القاسم المشترك ولها جذور تاريخية في عمق المغاربة، ولكن يجب أن نعي أن اللغة العربية لم ترقَ بعدُ لتكون لغة علم، وهذا لا يعني أنها قاصرة، لكن بالنظر إلى سياق معين هذا واقع”، مردفا بأن “معرفة اللغات الأجنبية ضرورة، واللغة الفرنسية موجودة ضمن العرض اللغوي ولا يمكن إلا أن تكون إضافة، بيد أننا لا يجب أن نعتبرها بداية ونهاية، لأنه في نهاية المطاف نحن نريد من اللغات الأجنبية أن تكون نوافذ، ولكن الباب الأساسي هو اللغة الوطنية”.

وشدد صاحب كتاب “من أجل ثورة ثقافية بالمغرب” على أن “موضوع اللغة الفرنسية يجب أن نعالجه بدون الانسياق إلى ردود الفعل أو اتخاذ قرارات في حالة غضب، بقدر ما ينبغي أن نزن الأمور موازينها لمصلحة بلدنا ومصلحة شعبنا”، موضحا أن “هناك دولا كانت نُخبتها منفتحة على اللغة الفرنسية وكانت في الحقيقة رائدة فيما يخص مجال الفكر، وأعني هنا مثلا طه حسين وتوفيق الحكيم في مصر، وفي مجالات أخرى في القانون، إلخ، وأيضا نخب مهمة في لبنان، لكن حين تراجعت اللغة الفرنسية خفت إشعاع هذين البلدين من الناحية الفكرية”.

عن موقع هيسبريس

قد يعجبك ايضا المزيد عن المؤلف

تعليقات