رجّة فكرية أثارها زلزال الحوز.. مبادرات إنسانية لمحبي القراءة بالمغرب
تتوالى رسائل عبر “واتساب” بمجموعة تضم العشرات من محبي الأدب، يرشد بعضهم إلى روايات عالمية تناولت الزلزال أو كوارث أخرى، في حين يركز آخرون الجهود على الأخبار الجديدة والمبادرات الإنسانية وتبادل التجارب بشأنها.
يقول شكيب أريج، أحد مسيري المجموعة الافتراضية “مبادرات إنسانية لمحبي القراءة”، للجزيرة نت إن: طبيعة اللقاء في هذه المجموعة المنبثقة من تجربة “الرواية المسافرة” إنسانية وثقافية، ووثيقة الوشائج، يطبعها المشترك الإنساني والثقة المتبادلة، وهي لمّة دامت لسنوات تحاول أن توصل المقروء باليومي.
ويوضح الأديب المغربي وأستاذ اللغة العربية “عدد من أعضاء المجموعة يوجدون قرب مناطق الزلزال، ووجود أصدقائهم افتراضيا هو من أجل الدعم المعنوي والنقاش الفكري والثقافي، وأيضا اقتراح مبادرات وتبادل أفكار مبدعة لتسهيل عيش الساكنة، وميدانيا بتقديم المساعدة العينية وتجسيد قيم تضامن في فرصة ربما لم يجدوها من قبل وصادفوها في مواقف إنسانية في إبداعات أدبية”.
دور المثقف
يتساءل أحدهم في المجموعة عن دور المثقفين والمبدعين في خضم الكوارث.
تنقل الجزيرة نت السؤال إلى الكاتب والمترجم عبد المجيد سباطة، فيجيب “عند وقوع الكارثة، ينتفي الحديث عن المثقف أو المبدع أو غيره، ولا أولوية عندئذ سوى للإنسان، بغريزته الباحثة عن البقاء والاطمئنان، كانت لحظات شديدة الصعوبة، اختلطت فيها كل المشاعر، وغادر فيها النوم الجفون، وسيطر الترقب على المشهد، بين بداية غامضة وتواتر أخبار توضح الصورة شيئا فشيئا”.
ويضيف “مع ذلك فإنه في وقت شعرت فيه أن هذه التجربة كانت أشبه بولادة جديدة، ربما غيرت من طريقة تفكيري بشأن الحاضر والمستقبل، وقد أثبتت أقل من دقيقة واحدة أن الحياة ربما لا تستحق كل ذلك الثقل الذي نمنحها إياه، ولا شك في أن كل هذا سينعكس على تجربتي في الكتابة مستقبلا”.
أما الأكاديمي رشيد برقان فيقول للجزيرة نت إن “الزلزال رجّة فكرية عظيمة، ولحظة توقف الفكر البشري عن الاشتغال والشروع في المراجعة وإعادة النظر فيما كان في دائرة المسلّمات، وهنا تظهر الحاجة للمثقف الذي يجب عليه أن يحضر بقوة للمساهمة في إعادة ترتيب الأولويات، والإلحاح على المقاربة الأسلم لإخراج الجموع من حالة الخوف والقلق النفسي، ومن الهلع والتسرّع في ردود الأفعال”.
قيم إنسانية
لكن على ماذا يجب أن يركز المبدع في لحظات الشدة؟ يتساءل عضو بالمجموعة.
ويشرح برقان أن “لحظة الكوارث والزلازل هي لحظة تحريك وتفعيل القيم الإنسانية، والدعوة لتقمّصها وتجسيدها في السلوكات اليومية البسيطة، لأنها خير بلسم لما مزّقه الزلزال من أوصال الآصرة البشرية”.
ويبرز أن الإنسان في مثل هذه اللحظات، سواء كان مصابا مباشرة أو مصابا بشكل غير مباشر، يحتاج للخروج من ذاته وقياس مدى إنسانيته في الآخر، فلا مجال للحياد أو التغاضي لأن صورتنا الإنسانية على المحك، ونحن حين نتعاطف ونتضامن لا نساعد الآخر بقدر ما نثبت أننا جديرون بإنسانيتنا، وأننا نحمل من القوة والقدرة ما هو قادر على استرجاع المصابين من براثن الموت وإعادة الإنسانية لهم.
ويتفق معه في ذلك الكاتب عبد اللطيف عادل، موضحا “لا يكون المثقف الحقيقي أبدا متفرجا أو محايدا، إن مهمته دوما هي الالتحام بمجتمعه، والانخراط في أحداثه وقضاياه، يشرح الأحداث بما يصدقه العقل والوجدان، لا بما تشيعه الخرافات والتأويلات، يصبح مرجعا في حالة الفزع، علاوة على انخراطه في هذا النهوض التضامني العام الذي تعرفه البلاد”.
الواقع والمتخيل
ذات مرة، كتب الصحفي والروائي اللاتيني إدواردو غاليانو “أنا لا أطلب منك أن تصف سقوط المطر، أنا أطلب أن تجعلني أتبلل، فكر بالأمر، أيُّها الكاتب!”.
ربما تكون هذه أفضل عبارة تجسد علاقة الواقع والمتخيل بخصوص وصف الظواهر الطبيعية، يلاحظ الناقد سباطة.
ويضيف أن أي كاتب يكون أمام تحدي وصف هول الكوارث، ولحظات وقوعها ثانية بعد أخرى، بما يتجاوز السرد الخطي المتناغم مع سير الزمن العادي، إذ تكون لكل لحظة قيمتها الآنية والذاتية بما يستدعي أحيانا تخصيص سطور وفقرات وربما صفحات لكل ثانية، ووصف هذه اللحظات بطريقة تجعل القارئ يستسلم لشعور قوي بأن الأرض تهتز فعلا من تحته أثناء قراءته تلك السطور، وهنا تتجلى قدرات كل كاتب وطريقته في الوصول إلى هذا المبتغى.
في حين يبرز الأكاديمي عبد اللطيف أن الكاتب في زمن الكوارث ملزم بالتقاط السيرة المستمرة والمتجددة للإنسان، في تراجيديتها وسعادتها، وفي علاقته بشجرة الحياة، بأوراقها الصفراء والخضراء، فيما تحكيه العيون، وفيما ترويه الحكايات، وفيما يحدث من مصادفات، وفيما يفاجئ به الواقع، وينسج من علاقات للإنسان مع طبيعة حانية مرات، ومدمرة أحيانا أخرى.
ويختم “ألم يكتب المثقفون، وبرؤية عميقة، عن الحريق وعن القحط، وعن الطاعون وعن المجاعة والخراب؟.. فأضافوا للتجربة الإنسانية عناصر مطوّرة استرشد بها البشر في رحلة الحياة”.
مبادرات ميدانية
في خضم المبادرات الإنسانية، تعمل جمعية مركز واد سوس على إيصال مساعدات إلى مناطق نائية، في قافلة يشارك فها رواد مقهى أدبي بأكادير يجمع فنانين ومثقفين وناشطين مدنيين.
ويقول رئيس المركز أحمد كزطي، للجزيرة نت، إن التعاون سبيل النجاح، لذا نكثف جهودنا، ذلك بأن المثقف يحس بثقل المسؤولية الملقاة على عاتقه في مجال التوعية، بموازاة مع الهدف الرئيسي للمبادرة المتعلق بتوفير بعض الحاجيات الأساسية للساكنة.
أما الناشط المدني توفيق أبو ضياء فيلاحظ، في حديث للجزيرة نت، كيف عززت ثقافة المغرب الاستثنائية وتراثه غير المادي التضامن بين المغاربة، مبرزا أن دور المثقف عند وقوع الكوارث التي يستغلها بعض “المؤثرين” هو التطعيم الثقافي للساكنة لحماية أنفسهم من التأثيرات الضارة.
ويبرز أبو ضياء، وهو عضو جمعية تراث التي تقود مبادرة ثقافية ميدانية، أن للمهتمين بالتراث دورا في ضمان الحفاظ على هذا الرصيد المغربي الغني، ذي الأهمية الوطنية والإنسانية، واستعادته وتطويره بأدق طريقة ممكنة.
عن موقع الجزيرة نت
تعليقات