ندوة اللغة العربية وتعليم العلوم

1٬435

تخليدا لليوم العالمي للغة العربية، وفي إطار فعاليات أسبوع اللغة العربية، نظم الائتلاف الوطني من أجل اللغة العربية بتنسيق مع مركز تكوين مفتشي التعليم بالرباط، ندوة علمية في موضوع “اللغة العربية وتعليم العلوم”، بقاعة المحاضرات بمركز تكوين مفتشي التعليم بالرباط، حضرها ثلة من الباحثين والطلبة والمفتشين وأعضاء مكتب الائتلاف الوطني من أجل اللغة العربية.

استهل رئيس الندوة العلمية الأستاذ عبد الله يابى الجلسة الافتتاحية بالتذكير بسياق انعقاد هذه الندوة العلمية ومكانتها عند متكلمي اللغة العربية عامة والأساتذة بشكل خاص، مشيرا إلى أن اللغة العربية من أيسر اللغات تعليما وتعلما، ومواكبة واستيعابا للجديد والمبتكر في العلوم والتقنية، حتى إن تاريخ البشرية خير شاهد على أن غير العرب أتقنوها وأصبحوا من علمائها الكبار. بعد ذلك كلمة ترحيبية لمدير مركز تكوين مفتشي التعليم بالرباط، والتي ذكر فيها بقرار الجمعية العامة للأمم المتحدة رقم 31900، والذي يقر بموجبه إدخال اللغة العربية ضمن اللغات الرسمية ولغات العمل في الأمم المتحدة؛ بفعل اقتراح قدمته المملكة المغربية والمملكة العربية السعودية خلال انعقاد الدورة 190 للمجلس التنفيذي لمنظمة اليونسكو؛ قبل أن ينتقل للحديث عن وضع اللغة العربية ومكانتها الحالية، وأهم التحديات التي تواجهها في العصر الراهن، مشيرا إلى أنها إحدى اللغات الأربع المتطورة الأكثر انتشارا في العالم من حيث عدد المتكلمين بها إلى جانب الإنجليزية والصينية والهندية، يتحدث بها حوالي 250 مليون من سكان المعمور، وهي لغة رسمية في ثمان وعشرين دولة، تمثل وحدة الدول في المشرق، تعتمد كلغة رسمية سادسة في الأمم المتحدة، كما أكد أن حضارة الغرب ما كانت لتكون على ما هي عليه اليوم، لولا الإرث الزاخر الذي أخذته من الحضارة الإسلامية التي سادت العالم بفضل اللغة العربية. وقد دق ناقوس الخطر الذي بات يهدد اللغة العربية بالانقراض، وأن هناك جملة من التحديات الكبرى تواجه اللغة العربية أجمل أهمها في: انحصارها في قاعات الدرس وعدم تعديها للحياة العامة كالفرنسية والإنجليزية.. وما يعطي من انطباع بعدم وظيفيتها؛ لغة التواصل اليومي هي اللهجات العامية متعددة بتعدد المناطق، وهي لهجات تكتسح على نحو متزايد وسائل الإعلام السمعية والبصرية والمكتوبة، ناهيك عن برامج الجامعات العليا التي تدرس باللغة الفرنسية، وتشجيع الآباء أبناءهم للإقبال على الشعب العلمية، وغير ذلك مما يؤدي إلى شيوع الاعتقاد بأن اللغة العربية غير قادرة على مواكبة المستجدات وأنها لغة دين لا لغة علم. وقد عدد المدير مختلف المواقف التي تتداول في شأن اللغة العربية بين مناصر ومناهض، فأبرز الموقف الأكثر تشاؤما، الداعي إلى انقراضها للقصور الذي تعاني منه في ظل العصر الراهن، والموقف الداعي إلى استبدال اللغة العربية باللهجة الدارجة أو استبدال حروفها بالحروف اللاتينية، وما يثيره من محاولات لزرع بذور الفتنة وبث الصراع بين الفصحى والعامية.. 
وأنهى كلمته بالتساؤل حول أصل ومكان داء ومشكلة اللغة العربية، هل يتجلى في اللغة أم في أبنائها الناطقين بها؟، معرجا على جهود الدول المتقدمة في الحفاظ والدفاع عن لغتها، والمتمثلة بالأساس في تشجيع الترجمة والتعريب، مثل الصين التي حققت نهضة علمية واقتصادية في وقت وجيز، شأنها شأن بلدان أخرى متطورة مثل (فرنسا، واليابان، وكوريا الجنوبية وغيرها..)، وأكد على المنزلة العظمى التي كانت للغة العربية، الشبيهة بمنزلة اللغة الإنجليزية اليوم كلغة لآخر المنجزات العلمية، وبخصوص ثراء اللغة العربية وغناها، أكد على أن اللغويين الكبار أمثال طه حسين لم يوظفوا سوى 4 % من ذخيرتها اللغوية، وختم كلمته بالدعوة إلى ضرورة اتخاذ إجراءات صارمة، وسن قوانين تعاقب كل من خالفها، متمنيا التوفيق والنجاح لهاته الندوة العلمية.
وركزت كلمة الأستاذ الكاتب العام للائتلاف الوطني من أجل اللغة العربية (الأستاذ علي الأربعين)، على هدف ومخططات الاستعمار التي كانت ولا تزال تعمل جاهدة على جعل اللغة العربية تصير إلى ما صارت إليه اللغة اللاتينية، لغة لا تصلح للعلم، تصلح فقط لدراسة الآثار والتحف، وتحل محلها لهجات محلية كي يضيع التراث الضخم الذي اشترك في إبداعه مئات الفلاسفة والكتاب والعلماء، ولهذا الغرض وُجِهت حملات مفرطة إلى اللغة العربية، فاتهمت بالقصور وعدم الكفاية العلمية، حملات قادها في البداية غربيون مقيمون ورفع لواءها فيما بعد تطوعا أو استرزاقا وطنيون مستغربون، فأنجزوا ضعف ما قام به الأوروبيون ومازالوا ينجزون المهمة بكل إتقان وتفان. 
لقد أكد الكاتب العام أن اللغة العربية التي وسعت كتاب الله بآياته وألفاظه قادرة على استيعاب كل العلوم بمعانيها ومصطلحاتها، وقادرة على مسايرة ما يستجد من تطور علمي حديث في عصرنا الراهن. وأردف أن حياة الأمة في لغتها وعزتها في تمسكها بلغاتها وجميع الأمم التي وضعت قدميها في نادي الكبار توسلت نهضتها بلغتها. وضرب المثل بكوريا الجنوبية واليابان والبرازيل والتشيلي وجنوب إفريقيا وباقي الدول التي كانت بالأمس القريب متخلفة حين اتخذت لغتها مطية نهضتها، عكس ما اتخذناه نحن فخذلنا حينما توسلنا للانعتاق من براثين الجهل والتخلف والتبعية بغير لغتنا. 
وأكد المتحدث أن تجنيس العلوم باللغة الأجنبية يرهق المتعلمين فبدلا من أن يركز المتعلمون في شرح وتفسير المادة العلمية، أصبح لزاما عليه أن يفسر الألفاظ والكلمات، مما يضاعف العبء عليه، إن تدريس العلوم يعيق تفكيرهم ومرد الضعف في المنتج العلمي هو ضعف في الكفايات اللغوية. فالتفكير الإبداعي يحتاج إلى فهم واستيعاب المادة العلمية، والتملك والإتقان هو أخذ بناصية المادة ومساعدة وتوليد وتطوير العلم يبدأ بفهمه. كما أن تدريس العلوم باللغة الأجنبية يكرس التخلف والتبعية. لأن الغرب يصنع ويمنحنا التكنولوجيا لكنه لا يمكننا من صناعتها. والأكثر من ذلك يحسب علينا أضرارها، فيحولنا إلى مجرد مستهلكين لمنتجاته.
وأعقب قائلا: إن إهمال اللغة الوطنية طريق للتغريب وضياع للهوية وتماسك المجتمع، فالعقول الوطنية لا تتشكل إلا بالمقومات الوطنية واللغة أحد هذه المقومات الوطنية لتعزيز الوحدة والسيادة والاستقلال، وأي تشكيل للعقول خارج نطاق العربية هو مساهمة في تحويل هذه العقول إلى عناصر مناهضة للثوابت الوطنية ومصادمة للقيم المحلية وانفصام للعلاقة بين الهوية والمرجعيات المحددة لها.
وتساءل الكاتب العام كيف يُخيَّر المرء في اختيار لغته؟ وهو يأتي إلى هذا العالم، ولا يختار وطنه ولا مجتمعه ولا رايته ولا عائلته ولا والديه.

أحمد عزيز بوصفيحة: من أجل تفادي انقراض لغتنا

افتتحت المداخلات بمداخلة الأستاذ الدكتور أحمد عزيز بوصفيحة (رئيس جمعية التواصل الصحي)، التي ركز فيها على اعتزاز الجمعية بانتمائها وعضويتها في الائتلاف الوطني من أجل اللغة العربية، مركزا على التساؤل في مستهل كلمته عن أصل ومشكلة الداء في شأن اللغة العربية، أهو كامن في اللغة نفسها أم في أهلها أو على الأصح في نخبتها؟ مؤكدا على أن النخبة التي تدافع عن اللغة العربية مشغولة الآن بالنخبة التي تواجه اللغة العربية، يتصارعان فيما بينهما، وكل جهة ترغب في التفوق على الجهة الأخرى، في منأى وغفلة عن الشعب الذي مازال يحب لغته، لكن حبه يموت يوما بعد يوم، ما دام سوق الشغل عندنا يشترط تملك اللغة الفرنسية لا اللغة العربية. لذلك ألح على ضرورة النزول والتواصل مع الشعب، وأن يكون هناك مجهود كبير موجه للعموم الذي يشكل الأساس في القضية.
وَسَمَ الدكتور أحمد عزيز بوصفيحة مداخلته بـ”أكتب مقالي باللغة العربية أو بالإنجليزية ؟”، وانطلق من قضية تدريس العلوم بالفرنسية في الثانوي؛ مشيرا إلى أن 10 % من الأسر المغربية تتكلم باللغة الفرنسية مع أبنائها؛ وأن 650 ألف تلميذ يفد على المدرسة الابتدائية، وكم هائل من هؤلاء لا يستعمل الفرنسية إلا في حصة الفرنسية، من هنا وجب أن يكون هناك تحرك ومجهود كبيران يوجهان نحو الشعب، لذلك اعتبر أن الحل الوحيد لكي يكون الطالب المغربي منافسا للطلب الغربي، هو أن تعطى العناية اللازمة ويوجه دعم كبير لتشجيع تدريس العلوم باللغة العربية، أو أن يتحدث في بيته وأسرته.. باللغة الفرنسية -وهذا أمر يستحيل تحققه – وإلا نحكم عليه منذ البداية بأن يكون منفذا لا مبدعا.
ثم ضرب الدكتور بوصفيحة مثالا بمركز Pub Med مركزا على إحصائيات تثبت بما لا يدعو مجالا للشك أن عدد المقالات المنشورة باللغة الإنجليزية قد تضاعف ثلاث مرات ما بين سنتي 2006 و2016.
تطرق المتدخل إلى طبيعة اللغة التي تنشر بها البحوث الطبية، متسائلا عن نوع اللغة التي يلزم النشر بها إذا قمت ببحث وأردت نشره للعالم؛ مشيرا إلى أن النشر الطبي لتقاسم نتائج البحث العلمي يستهدف المتخصصين بهدف التكوين المستمر كما يستهدف المواطن المغربي بهدف التوعية الصحية مع الصحافة ومع المجلة. فالنشر الطبي الذي يستهدف أطباء العلم ينشر باللغة الإنجليزية كلغة أولى واللغة العربية كلغة ثانية، بينما الذي يستهدف أطباء المغرب فينشر باللغة الفرنسية كلغة أولى والعربية كلغة ثانية، فيما ينشر البحث الذي يستهدف المواطن المغربي بالعربية كلغة أولى وبالفرنسية كلغة ثانية.
وفي ظل ضعف النشر باللغة العربية، أكد المتدخل أن المواطن المغربي يحب لغته لكنها تنتزع يوميا، وحبها يموت يوما بعد يوم. مشيرا إلى المفارقة الكبيرة التي تعيشها اللغة العربية، فرغم تطور نسبة مستخدمي اللغة العربية التي تحتل المركز الرابع من حيث مستخدميها، من 136 مليون مستعمل لها في الشبكة الدولية Internet Users In The Word By Regions – June إلى 185 مليون مستعمل، وأن نسبة نموها على هذه الشبكة جد مرتفعة مقارنة مع دول لها ريادتها ومكانتها العالمية، إذ تفوقت اللغة العربية على الإنجليزية والصينية، محرزة نسبة 7000 % مقبل 600 % بالنسبة للإنجليزية و200 % بالنسبة للصينية. إلا أن حضورها في محركات البحث العالمي مخجل ومخز أمام لغات عدد ناطقيها أقل بكثير من ناطقي اللغة العربية. 

قدم الدكتور بوصفيحة مجموعة من الإحصائيات المرتبطة بالمقالات المنشورة في محركات البحث العالمية المتخصصة، باللغة الإنجليزية، وبالفرنسية، وبالإسبانية، والعبرية، والصينية، وغيرها من اللغات… ذاكرا أسباب تفوق بعض اللغات الأقل استخداما في موقع النشر على حية أخرى، كالفرنسية التي تتقدم على الإنجليزية والإسبانية، بسبب مستعمراتها التي لازالت تنشر وتدرس باللغة الفرنسية، مشيرا إلى أنه في الوقت الذي نجد فيه لغات أضعف من اللغة العربية من حيث عدد الناطقين بها كالعبرية والإسلندية اللتين تقدر مقالاتهما بمئات الآلاف، فإن عدد المقالات المنشورة باللغة العربية لا يتعدى 61 مقال فقط منذ انطلاق موقع Pub Med إلى الآن.
بناء على ما سبق وتتويجا للوضع الراهن الذي تعيشه اللغة العربية، قدم الدكتور أحمد عزيز بوصفيحة جملة من الاقتراحات لتفادي انقراض لغتنا، نجملها في ما يلي: ضرورة التخفيف من الكلام والحفلات، وتركيز الجهد على الإنجاز، ثم تشجيع النشر الطبي بالعربية. متحدثا عن تجربة خمس مجلات مغربية شرعت في النشر باللغة العربية، وتقبل عليها النخبة وأساتذة كليات الطب، علما أن أغلبيتهم درسوا العلوم في الثانوي باللغة العربية، فلم تبق من الذين تلقوا تعليم العلوم باللغة الفرنسية سوى القلة القليلة جدا. 

وقد عرَّج المتدخل على مجموعة من المغالطات التي يسوقها أعداء لغة القرآن، ودعاة التغريب والتبعية وطمس الهوية، منها، أن الدول المتقدمة لا تدرس الطب باللغة الإنجليزية عكس ما يروج له؛ الزعم بأن تدريس العلوم بالعربية هو سبب التمكن من الفرنسية في الجامعة، في الوقت الذي يعود السبب الرئيسي إلى سوء تدريس الفرنسية من الابتدائي لدواعي متعددة منها (المناهج، كرامة الأستاذ، …)؛ الاحتجاج بكون تدريس الطب في الجامعات المغربية بالعربية أمر صعب يعزى لعدم وجود ترجمة للمصطلحات الطبية العلمية وتكوين الأساتذة، مع العلم أن كل المصطلحات الطبية العربية موجودة ويحينها المركز الصحي العالمي، وأن الأساتذة الشباب تعلموا العلوم بالعربية. 
وقد بسط تجربة مجلة الصحة المغربية التي تصدرها الجمعية المغربية للتواصل الصحي كتجربة رائدة ذات هدف نبيل، انطلقت منذ أربع سنوات، تعمل على نشر الأطروحات والبحوث التي تناقش باللغة العربية. وختم كلمته بالإجابة عن السؤال الذي انطلق منه، أكتب مقالي العلمي بالعربية أو بالإنجليزية؟ مؤكدا أن الجواب الأمثل لهذا السؤال يقتضي بتغيير “أو” بـ “الواو”.

كريم بوزوبع: دور التقنيات الحاسوبية في النشر الطبي

دارت مداخلة الأستاذ المشار إليها أعلاه، حول عالم الحاسوب، والذكاء الاصطناعي، والهندسة الحاسوبية للغة العربية، وعن استعمال التقنيات الحاسوبية في النشر الطبي، ثم بسط اقتراحات تسهم في تطوير اللغة العربية.

استهل كلمته بتقديم تعريف لهندسة اللغة مؤكدا أنها مجموعة من التقنيات الحاسوبية في فهم اللغة، لافتا الانتباه إلى أن الأمة تأخرت عن أشياء أساسية والطامة الكبرى أن هناك أشياء أخرى جديدة آتية. بعد ذلك تطرق إلى مراحل تطور الحاسوب منذ ظهور أول كمبيوتر للحوسبة سنة 1946 الذي لم يكن يتوفر على فأرة ولا شاشة، إلى آخر ما نتوفر عليه من أجهزة متطورة وذكية، حلت إشكالية التخزين، والتصغير، وشبكات الاتصال.. ضاربا المثال بحاسوب ديب بلو، وهو حاسوب متخصص في الشطرنج، يهزم الإنسان، يتميز على منافسه اللا إنسان ويفوز عليه. وموقع التواصل الاجتماعي Facebook الذي خرج من المختبرات المتخصصة في الذكاء الاصطناعي إلى العالم الاجتماعي، وشركة Google التي تمثل البحث المتقدم، حيث يجيبك الموقع مباشرة عن السؤال الذي تطرحه عليه، وبذلك فهو يرى بأن الشركة تعد أقوى من أمريكا بنفسها، المستقبل كله تحول للذكاء الاصطناعي، عالم مليء بالربوطات.
وانتقل للحديث عن التغييرات التي يمكن أن يحدثها الذكاء الاصطناعي، فطريقة التدريس الكلاسيكية لن تبقى، ستتطور لا محالة، متحدثا عن مجموعة من البرانم مثل، برنام ديب بلو الذي يمثل تحدي بحثي جديد، وبرنام واتسون Watson الذي يشخص الحالات المرضية ويقدم لك بدقة مواصفات الداء وسبل العلاج.. وتحدث أيضا عن مدينة موريال التي باتت تشكل مدينة للذكاء الاصطناعي، وضعت بها شركة Google ذكاء اصطناعيا.. وأنهى هذا المحور بالإشارة إلى أن الذكاء الاصطناعي يأتي من المعلومات والمعطيات المخزنة في المواقع، وكيف أتعلم؟ لم يعد أمرا صعبا لفهم المستقبل. ولمعالجة هذا الكم الهائل من المعلومات المتوفر بكميات ضخمة لا بد من الاستعانة بالحاسوب.
ثم انتقل إلى الهندسة الحاسوبية للغة العربية، موضحا أن المعطيات المخزنة بطريقة علمية ودقيقة باللغة العربية لا تمثل سوى 25 % مقابل 75 % من الموجود كله عبارة عن (هدر على حد تعبيره)؛ ونادى بضرورة التدقيق في الترجمة، فهاته الأخيرة ليست موجودة فقط في Google بل هناك شركات متخصصة في الترجمة. لذلك طالب بضرورة بذل مجهود في تحويل المصطلحات العلمية إلى مقابلاتها باللغة العربية، وإنتاج أطروحات تتوفر على مقابلات بالعربية والفرنسية وحتى بالإنجليزية وتوفيرها على شكل قاعدة للبيانات، وتزويد الطلبة بها بعد ذلك.

وفي هذا السياق، تحدث الدكتور كريم بوزوبع عن تجربته في إنجاز تطبيقين يهمان طب الأسنان والصيدلة، وهما: DentisTerms وPharmaTerms، واللذين تم توفيرهما كتطبيق عبر الهاتف، يتوفران على قاعدة للبيانات تناهز حوالي 65.000 مصطلح حسب التخصص: الطب أو الصيدلة، مشيرا إلى أن التطبيق يحتاج إلى تطوير من الجانب الصوتي لتمكين الناس من الاستعانة بالكلمة من الناحية السمعية.
ومن جملة ما تم اقتراحه كآليات لتطوير هندسة اللغة العربية، ضرورة تنزيل المصطلحات على الشبكة العنكبوتية، وتطوير التصحيح الآلي، والمساعدة على الترجمة، في أفق بناء معجم موحد للمصطلحات الطبية العلمية.

الطاهر الطويل: مؤشرات إيجابية لمستقبل اللغة العربية

افتتح الكاتب والإعلامي الطاهر الطويل مداخلته بالإشارة إلى نظرة الكثيرين المتشائمة حول اللغة العربية، والتي تتحدث عن أزمة، عن خطر، عن إمكانية اندثار هذه اللغة، مستدركا أن هناك بصيصا من الأمل، وهذا البصيص لا نقوم به نحن من موقع الاعتزاز باللغة العربية أو الحماس أو الدفاع عنها أو التعصب لها.

هذا التفاؤل نجده لدى الآخر، الغرب، تكشف عنه مراكز البحث الغربية بالخصوص، متحدثة عن مؤشرات إيجابية لمستقبل اللغة العربية، في دراسة نشرت بالولايات المتحدة الأمريكية بواشنطن بوست في 24 شتنبر 2015، تحت عنوان “لغات المستقبل”، يتضح أن اللغة العربية التي تحتل المرتبة الرابعة من حيث عدد المتكلمين الأصليين بها، يقول المشرف على هذه الدراسة “للأمريكيين ميزة على الكثير من سكان العالم، في بلادهم لغتان الأكثر انتشارا، الإنجليزية بالدرجة الأولى وإلى حد ما الإسبانية. ويتساءل هل مازال للأمريكيين رغبة في تلقي دروس بلغات أخرى، يجيب بناء على دراسة علمية في هذا المجال أن عدد الطلبة الأمريكيين الذين تعلموا لغة أخرى غير اللغة الإنجليزية حوالي 100 ألف بين حوالي 2009 و2013، ويقدم مجموعة من الإحصائيات بالنسبة للغات العالمية، فيشير إلى أن اللغة الصينية بلهجاتها المختلفة لديها المزيد من المتحدثين الأصليين، أي أكثر من مليار و39 مليون شخص يتحدث باللغة الصينية، تليها الهندية بـ 588 مليون ثم الكردية بـ 511 مليون فاللغة العربية 469 مليون ثم الإسبانية التي يتحدث بها389 مليون شخص.. وفي التقرير حول اللغات التي سوف تسيطر على المستقبل، ذكر المجلس الثقافي البريطاني أن التوقعات تختلف بحسب زاوية النظر والغرض منها، فبناء على مؤشر ولوج الأسواق النامية للاستثمار، حدد المجلس أكثر من عشرين سوقا للنمو واللغات المرتبطة بها والمتوقعة عام 2050، وتحضر الإسبانية والعربية اللتان احتلتا موقعا مميزا في هذا المؤشر، ويثير المجلس الثقافي البريطاني في تقريره إشكالية تعدد اللهجات المحلية في البلدان كالصين والبلاد العربية، مما يطرح لدى الأجانب صعوبة قصوى في التواصل. ومن هنا يبدو أن من بين أهداف دعاة الاهتمام باللهجات في التعليم ووسائل الإعلام والتواصل الإبداع الفني والعلوم هو خلق حاجز أمام تعلم اللغة العربية والتواصل بها والتأثير السلبي على المستوى الثقافي والاقتصادي والقيمي. وفي هذا الإطار يحاول أنصار الفرنكفونية عرقلة تقدم اللغة العربية بفعل الموقع المتأخر للغة الفرنسية في سلم الترتيب العالمي. ويؤكد صاحب المداخلة أن كلامه لا يعادي اللغة الفرنسية كلغة وثقافة وحضارة، ولكن ضد التوجه الفرنكفوني الإقصائي..

وأشار إلى ما كتبه الإعلامي الإنجليزي المعروف “جيرمي فاكتمن ” في مقال له نشر عام 7 أبريل 2016 بصحيفة فاينلشوز تايمز، “لقد حان الوقت لنفهم أنه في بقاع كثيرة من العالم حين نتحدث بالفرنسية فالأمر غير مستساغ، ويوضح بقوله المشكلة ليست في أن الفرنسية لا يمكن أن تتعلم، ففي بلدان مثل تونس والجزائر والمغرب يمكن أن تجد العديدين يتحدثون فيها بطلاقة، المشكلة الحقيقية هي أن هذه اللغة غير مجدية”. ويشير أيضا أن اللغة الإنجليزية هي لغة العلم والثقافة والترفيه والرياضة وهذه اللغة هي التي تحتاج إلى إتقان ليكون المواطن منتميا إلى هذا العالم. وأشار إلى أن هناك غربي آخر أكد إذا كانت لغتك الأم هي الإنجليزية فلا تتردد في تعلم اللغة الصينية أو العربية وعند الضرورة القصوى يمكن أن تتعلم اللغة الفرنسية، لأنها لغة جميلة لكن لا تعبأ بمن يقول إنها ضرورة كوسيلة للتواصل.

وأضاف، أنه تحت عنوان “انسوا الفرنسية والصينية وتعلموا العربية” نشرت صحيفة Independent البريطانية في عددها الصادر بتاريخ 12 يوليوز 2015 استطلاعا، أفادت فيه أن المجلس الثقافي البريطاني شرع في تنفيذ مشروع إدراج اللغة العربية في المدارس الابتدائية البريطانية باعتبارها ثاني لغة أجنبية في البلاد بعد الإسبانية، حيث يستفيد 1000 تلميذ في ثمان مدن بريطانيا من هذا البرنامج، وتضاف حصص موازية لتعليم اللغة العربية، في أفق تعميم هذا البرنامج اللغوي والثقافي.. وتذكر الصحيفة البريطانية أن التلاميذ الذين يدرسون اللغة العربية وتم استجوابهم يشعرون بغبطة كبرى لدراستهم اللغة العربية رغم صعوباتها في البداية، وأن اللغة العربية ستكون مفيدة للأجيال البريطانية القادمة في مجالات مهنية مختلفة: التجارة والعمل الديبلوماسي والأمن والسياحة.. مسجلة أن هذه اللغة يتحدث بها حاليا أزيد من 600 مليون شخص في العالم العربي وخارجه.. لغة الضاد إذن أصبحت تحتل المرتبة الثانية في اللغات الأجنبية في بريطانيا بعد الإسبانية، متقدمة بذلك على الصينية والألمانية والفرنسية.. وبحسب تقرير للمجلس الثقافي البريطاني فإن ترتيب اللغات الأجنبية الأكثر أهمية في بلاد بريطانيا يأتي كالآتي: الإسبانية، والعربية، والصينية، والفرنسية، والألمانية، والبرتغالية، والإيطالية، والروسية، والتركية، وأخيرا اليبانية. 

في كوريا الجنوبية احتفل قسم اللغة العربية بجامعة هانغكوك بمرور 50 عام على تأسيس هذا القسم، وهناك مدن أخرى تدرس اللغة العربية في الثانوي وصولا إلى الجامع، والآن تنجز أطاريح الماجيستر والدكتوراه باللغة العربية.. وهناك مجلات تنشر في بعض الجامعات باللغة العربية.
وانتهى المتدخل بعد هاته الشهادات بحسب المصادر الغربية إلى أن هناك مؤشرات إيجابية على انتعاش اللغة العربية في مقابل عدم وجود سياسة لغوية رسمية للاهتمام باللغة العربية تعطيها الأولوية والمكانة التي تستحقها. مؤكدا أن كلامه لا ينفي ضرورة تمكن الأجيال القادمة من لغات العالم الأساسية في العلوم وغير ذلك. لكن لابد من جهود رسمية وتربوية مثل ما يقوم به الدكتوران بوصفيحة وبوزوبع في هذا المجال، لأن الله لا يغير ما بقوم حتى يغيروا ما بأنفسهم، فالتغيير يبدأ منا نحن، كل واحد من موقعه من أجل رد الاعتبار للغة العربية التي تعد من بين اللغات المعتمدة ليس لدينا فقط وإنما من قبل العديد من شعوب العالم كما تمت الإشارة.

إعداد: الدكتور عزيز عشعاش

بيان اليوم

قد يعجبك ايضا المزيد عن المؤلف

تعليقات