بوعلي: واهم من يتصور أن التخطيط للتعليم يتم في دواليب الوزارة

1٬205
  1. السيد فؤاد بوعلي رئيس الائتلاف الوطني للغة العربية، دشنت  وزارة التربية الوطنية والتعليم العالي والبحث العلمي حملة وطنية تروم إصلاح قطاع التعليم ما رأيكم في هذه الجهود المبذولة وما حظ اللغة العربية منها؟

من بين الأهداف الأساسية للتعليم في الدول المتمدِّنة التنشئةُ على نفس القيم دفعاً للتناشز الفئوي المفضي إلى تفكيك الجماعة، وضبطاً للإيقاع الفردي الضامن لتماسك مكونات المجتمع. وعلى قدر نجاح النظام التربوي في التنشئة على نفس القيم الاجتماعية يضعف التناشز الطائفي المرخِّصِ للاستقواء بالأجنبي على الوطني، ويشتدُّ التناغمُ المجتمعي المانعِ من تسلُّل القيم النواشز التي تبثُّ الوهنَ في جسم الأمَّة ابتغاءَ تَفكيكِها.  لكن قراءة عرضية لمحاولات وزارة التعليم الموسومة بالإصلاح نصل إلى أن جل مقرراتها ومفرداتها اختارت الوقوف عند القضايا الشكلية التي تفتقد إلى البحث في جوهر أزمة التعليم في المغرب. فلو توقف المسؤولون عند التجربة الأمريكية، على سبيل المثال، في مجال الإصلاح التربوي لاستوعبوا أهمية القطاع وسبل النهوض به وتجاوز المعوقات. ففي سنة 1983  دق الرئيس الأمريكي رونالد ريغان ناقوس الخطر حول واقع التميز التربوي ومرتبة التعليم الأمريكي في التصنيف العالمي، حيث أشار في دراسات متعددة “وليست سرية” إلى تدني التحصيل الأكاديمي على الصعيدين الوطني والدولي في الشعب المختلفة: في قواعد اللغة والرياضيات والمواد المكتوبة وتوقف كذلك عند المقارنة مع التعليم خارج الولايات المتحدة حيث احتل الطلاب الأمريكيون صفوفا متأخرة. كل هذا استفز القيادة الأمريكية لإحداث النقلة النوعية في النظام التعليمي المشهود بها لحد الآن. وكان التوصيف على العديد من المستويات: المحتوى والمعايير والتوقعات والوقت والتعليم والقيادة والدعم المالي. ولأن الأمر أكبر من الاختلاف الحزبي فقد ظﻠﺖ اﻟﻠﺠﻨﺔاﻟﺘﻲأﺻﺪرت التقرير منعقدة حتى نهاية القرن العشرين ومهدت لخطوة بوش في 1990 المعنونة “أمريكا سنة 2000 استراتيجية للتعليم” والتي تضمنت الكثير من توصيات سلفه. هذا يجعلنا نقول بأن قضية التعليم ينبغي أن تكون أولا خارج حسابات السياسات الضيقة، وأن تبحث ثانيا في عمق الإشكالات المطروحة وليس الانشغال بالقشور من اللباس وصباغة الجدران ونشر لوائح الغياب…. بشكل أقرب إلى التعامل الأمني منه إلى التعامل مع المدرسة وقضايا التربية. وهذا يفترض فتح حوار حقيقي مع كل المتدخلين وليس فرض أجندات خاصة ولا تربوية.

  1. وردت في أحد تقارير المجلس الأعلى للتربية والتكوين توصيات تهم الشأن اللغوي بالمغرب مع دعوة للتطوير والتجديد في الممارسة البيداغوجية، ما هو دور الائتلاف الوطني فيما يخص ترجمة هذه التوصيات للواقع.

قدم الائتلاف الوطني من أجل اللغة العربية منذ مدة طويلة مذكرة إلى المجلس الأعلى للتربية والتكوين ضمنها تصوره للمسألة اللغوية في التعليم المغربي. بحيث نعتقد بأن عدم التمكن من اللغات يؤدي إلى تكلفة باهظة بالنسبة لمنظومتنا التربوية، سواء من حيث مردوديتها الداخلية والخارجية، أم على مستوى البحث العلمي وولوج مجتمع المعرفة، كما ينعكس على أداء بلادنا في شتى الميادين الاقتصادية والاجتماعية والفكرية والثقافية والعلمية، وفي ضمان التماسك الاجتماعي والقدرة التنافسية. فمن عناصر ضعف منهاجنا اللغوي منذ الستينيات إلى اليوم أننا لا نملك آليات تطوير وبناء منهاج لتدريس اللغة العربية (التخطيط للمنهاج، تنفيذ المنهاج، تقويم المنهاج)، ولا نتوفر على الشروط الذاتية والداخلية للتطوير. وتتجلى أهم الصعوبات التي تواجه تدريس اللغة العربية كما تتجلى في التقارير الوطنية والدولية التي تُجمِع على ضعف الكفايات اللغوية والتواصلية للتلميذ المغربي، مما يطرح الكثير من الإشكاليات على مستوى واقع التدريس، ومناهج اللغة العربية المعتمدة، وتكوين المدرسين، والكتاب المدرسي، والوسائط التعليمية والتكنولوجية، والبيداغوجيات الموظفة واستراتيجيات التدريس… لكن الحقيقة أن  أزمة اللغة العربية في المغرب قائمة في مستويات كثيرة لم تعد محتملة، أزمة وضع (في التعليم والإدارة والاقتصاد)، وأزمة متن (معاجم وقواعد ونصوص)، ووظيفيات (في الحياة العامة والإدارة) أو مأسسة لغوية غير ملائمة، وحقوق لغوية مُجْهَضة، وقانون يتنافى والواقع، واقتصاد وسياسة واجتماع. إلخ…يجب أن نقوم بمعالجتها بإلحاح وعقلانية. لكن الإشكال أن قرارات المجلس واجتهاداته مجرد “حرق” للوقت واستنزاف للجهود . إذ السؤال الذي ينبغي أن يطرح هو : ما هو وقع النقاشات التي احتدمت بين أعضائه ووصلت إلى توافقات دبجت في رؤية استراتيجية على المدرسة المغربية؟ أكاد أجزم بأن المجلس حالة دعائية وإعلامية أكثر منه مؤسسة للتنظير للشأن التربوي وطنيا. ويكفي أن نقارن بين الرؤية الاستراتيجية وماجريات الأمور في القطاع لنجد انفسنا أمام لحنين متنافرين. فالمجلس الذي تحدث عن التناوب اللغوي وعن العربية لغة أساسية للتدريس نراه اليوم صامتا أمام محاولات وزير التعليم فرض “فرنسة” المدرسة المغربية وربطها بباريس. لذا واهم من يتصور أن التخطيط للتعليم المغربي يتم في دواليب وزارة باب الرواح ولكن الحقيقة أن من يخطط للمتاجرة بأحلام المغاربة وآمالهم وتخلفهم هم أرباب الإيليزيه عبر وكلائهم، فأوتي بوزير لا يعرف من التعليم إلا الاسم ، متخصص في تنفيذ الإملاءات والاقتصاد في الموارد البشرية إلى درجة الصفر كما هو مبين في قانون مالية 2018.

  1. الكثير من المشاريع الإصلاحية وخاصة المتعلقة بوضع اللغات تبدو برّاقة ولامعة على مستوى التنظير، لكنها على مستوى التنزيل والأجرأة البيداغوجية تبدو هزيلة لماذا في نظركم هذا البون بين الطموح والممارسة؟

الإشكال في المغرب لا يتعلق بقلة النصوص وإنما بغياب الإرادة السياسية اللازمة للخروج من شرنقة الأزمة. فالكل يتحدث عن أزمة التعليم وضرورة النهوض بالمدرسة ومعالجة إشكاليات التربية، لكن الغائب هو الإرادة القادرة على التنزيل وأجرأة التصورات. فلو تأملنا برامج الإصلاح التي طرحت منذ الاستقلال، سنجد أنفسنا أمام تخمة المقترحات وتعدديتها. فقد بدأ المسار مع   اللجنة العليا للتعليم (1957م) التي نادت باعتماد المبادئ الأربعة : (المغربة، التعريب، التوحيد، التعميم)، مرورا باللجنة الملكية لإصلاح التعليم (1958م) و المجلس الأعلى للتعليم (1959م) و مناظرة المعمورة (14 أبريل 1964م) وصولا إلى   اللجنة الخاصة بالتربية والتكوين التي وضعت الميثاق الوطني للتربية والتكوين (2000م) و المخطط الإستعجالي : (2009 – 2012م) وأخيرا الرؤية الاستراتيجية التي ستلقى نفس المآل. لأن كل هذه المشاريع تغيب الحقيقة الرئيسة في أي مشروع ألا وهي الارادة السياسية. وأهم تجليات الإرادة السياسية اختيار المسؤولين الذين يمتلكون الخبرة اللازمة في الميدان. فلم نقلد فرنسا إلا في التفاهات. حين عين وزير التعليم الفرنسي الجديد بعد الانتخابات الرئاسية كان الكل يتساءل عن إمكانية تقديمه لتصور واضح في مدة وجيزة، لكن الوزير الذي له في رصيده العديد من النظريات والمؤلفات والخبرات استطاع أن يقدم النتائج منذ بداية الموسم الدراسي. وكذلك الأمر في ميادين البيئة والصناعة والشغل…فاختيار المسؤول جزء من مشروع الإصلاح.

ماهو تصوركم في الائتلاف الوطني للنهوض بوضع  اللغة  العربية في المدرسة المغربية؟ وهل قدّمتم مساهمات علمية لإصلاح  المستوى المتدني القراءة بها؟

النهوض بواقع اللغة العربية يتضمن مستويات عديدة ، فهناك بشكل عام ما يتعلق بالسياسة اللغوية والتخطيط اللغوي باعتبار أن الانطلاق في أي مشروع لترقية استعمال اللغة العربية في المدرسة، ينبغي أن ينبع من مشروع مجتمعي شامل ومتكامل، يستحضر عناصر المشروع تصورا وتخطيطا وتنفيذا وإصلاح اللغة العربية وتحويلها إلى أداة مؤهلة لولوج مجتمع المعرفة ومنح اللغة العربية الوضع الاعتباري الذي تستحقه داخل مؤسسات التنشئة الاجتماعية المختلفة: المدرسة- وسائل الإعلام المختلفة (المكتوبة والمسموعة والمرئية والرقمية…)، إضافة إلى الهيئات المختلفة ومؤسسات المجتمع المدني، وتعزيز التواصل اللغوي السليم داخلها؛ ووضع إطار مرجعي متكامل للغة العربية، وباقي اللغات واللهجات الوطنية والجهوية والمحلية؛ وربط الاختيار اللغوي بسوق الشغل، واعتبارها لغة الخطاب الرسمي في المؤسسات الوطنية الرسمية، ومؤسسات التكوين والإعلام؛ إضافة إلى مقترحات تتضمن المناهج والبرامج الدراسية التي تُعنى بتدريس اللغة العربية والتكوين وإعادة تأهيل المدرسين(ات)وطرائق التدريس والبيداغوجيات الفعالة واللغة والتكنولوجيا الرقمية والترجمة الآلية… إلى غيرها من المقترحات التي قدمناها للجهات المسؤولة. فرؤية الائتلاف التي قدمت شاملة وتستطيع الاجابة عن الأسئلة والإشكالات المطروحة حين تكون هناك إرادة حقيقية لدى أصحاب القرار للخروج من أزمة المدرسة، وهو ما لا يبدو جليا في الأفق المنظور.

حوار مع جريدة المساء 

 

قد يعجبك ايضا المزيد عن المؤلف

تعليقات