اللغة العـربية وجائزة تحدي التفاهة (3)

638

يجب على “معهد الدرسات والأبحاث للتعريب” من الآن فصاعدا أن يقوم بترجمة الكتب العلمية، الإقتصادية، القانونية والأدبية من جميع اللغات الأجنبية، تدوينها وتوثيقها باللغة المغربية والأمازيغية، لنتخـلى عن الحماس الأحمق ونبذل قصاري جهدنا وكل ما في وسعنا من أجل الصالح العام ونترك عجبنا جانبا.

استنتاجات المجلس للتعليم الأعلى تصب في نفس الإتجاه وحصل على نفس التشخيص، أي أن اللغة العربية فشلت، حيث قامت وزارة التعليم بتفعيل توصياته وإدماج اللغة الفرنسية في المنظومة التربوية بقوة من جديد، نجحت اللغة الفرنسية لأنها لغة حية، ليست ميتة، محنطة أو مشلولة ولا موجودة في الرفوف والكتابات المنمقة فقط، كيف يكتب الفرنسي يتكلم، لذا “باراكا” من إتخاذ المغرب برمته كمختبر قصد تفقيره وتفريخ جيوش من العاطلين، الأميين والفقراء بغية نسخ، صناعة نفس النخب، لكي يحلوا التحكم في مصير المحرومين والمسحوقين بسهولة، الفقير يبقى فقير والغني يزداد غنى.

الكم الهائل من الإحتجاجات أحسن دليل على أن الوضع مرشح لحصاد العاصفة، إن لم نكن مخلصين، خدومين من أجل مستقبل أفضل، مشرق، الأحزاب السياسية المغربية غير مؤهلة أن تكون قاطرة النمو، الإزدهار والإبداع والحلول الناجعة، لأن جلها ليست لها أي أطر متحنكة، كفاءات، أو أي امتداد جماهري أو مصداقية، حيث حرقت بريقها في صراعات وهمية وباعت شرفها قصد مناصب، امتيازات وتحالفت مع الفساد.

تجارب جميع الدول الراقية، لا الصغرى منها أو الكبرى تركز على لغة الأم الحية سعيا إلى الإزدهار الإقتصادي، الحضاري، العلمي والمعرفي والإستفادة من جميع الرأس المال البشري، يمكن لنا أن نذكر في هذا السياق الدانمارك، هولندا، السويد، النرويج، ماليزيا، تركيا، أمريكا، ألمانيا، فرنسا، البرازيل، كوريا الجنوبية، الصين، الفيتنام إلخ، إذا استعملنا لغتنا الأم الحية سيمكن لنا أن نسخر ونوظف جميع طاقاتنا البشرية ولا نثقل كاهل أقلية ونخبة بوظيفة ومسؤولية أجسم منها بكثير، مشروع التعريب فشل لأن الشعب المغربي نفر وعزف عن هذا البرنامج الغريب والبعيد عن قلبه، أحاسيسه وحياته اليومية، لأنه غير وارد فيه، مهمش ومقصي منه.

كيف يمكن أن نستميل قلوب الناس إذا رفضنا تطلعاتهم، وطموحاتهم ولغتهم؟ ولأحسن دليل هي شهادة أستاذ جامعي معرب مرموق على الصعيد الوطني لما أشار في صحيفة مغربية للفرح، الراحة والقبول الذي يشعر به الطلبة لما يتناولون نصوصا تعج فيها مفردات، أطعمة، طقوس مغربية محضة، إذا لماذا حقر الذات؟

فالمعربون المتعصبون المتأسلمون، مثل العثماني، عشيرته وحزب الإستقلال ومن يدور في فلكهم، إذا كانوا واثقون من أنفسهم فلا داعي لمحاربة شق مهم من شخصيتهم، من المحتمل أن مسار اللغة المغربية والأمازيغية لن يكن يسيرا، ولكن لا مفر منه، نحن في حاجة ماسة لمساهمة المعربين، المفرنسين، المألمانين والمنكلزين بغية إثراء المكتبة الوطنية التي تعج بالكتب العربية والأجنبية ولكن يتيمة ومهجورة من ذويها، لأن أقلية، نخبة ضئيلة متسلطة ومحتكرة، 300000 فرد تقريبا، بتواطؤ مفضوح مع الأحزاب السياسية المغربية لا زالت تعرقل لحد الآن مسار التطور والإرتقاء بلغتنا الأم، وهم المسؤولون الأوائل على جميع الأزمات، الإحتقانات التي تعيشها البلاد.

فأنا لست متعصب للغة المغربية فقط، أكن المحبة والعطف والمودة للغة العربية، البريئة في العمق، هذه اللغة الغنية، صاحبة الرونق الفريد من نوعه والبلاغة الجذابة والسلاسة في التعبير والرقة في الحس، وإلا لم أترجم “دفنا الماضي” لكريم غلاب، سنة 1983، “النبي” لجبران خليل

جبران في 1984 و “الخبز الحافي” لمحمد شكري من العربية إلى الألمانية، مع الأسف لم تكن دور النشر الألمانية مؤهلة في هذه الآونة لتبني هذه الترجمات آنذاك، كما ترجمت أكثر من 80 مؤلف لشركات ألمانية من هذه اللغة إلى العربية الفصحى في إطار مهنتي كمترجم محترف لأكثر من 30 سنة في ألمانيا، جل هذه الكتب المترجمة كانت علمية وتقنية، هذا الإنجاز في متناول الجميع، لأن الترجمة في غالب الأحيان عملية نسخ فقط ولا تتطلب أي نوع من الإبتكار، ما عدا الترجمة الشعرية.

صراحة، الصراع بين العربية والمغربية مفتعل، ستكون للغة العربية دائما مكانتها ووظيفتها كلغة عالمة ولغة الدين والشعر، ولو درست يوما ما في الجامعات كلغة من اللغات، نحن في حاجة لها ولخزانها الهائل لكي نطعم ونقوي بها لغتنا الأم المغربية الحية، كما طعموا الفرنسيون، الألمانيون، الأنجليزيون لغاتهم الشعبية بلغات أجنبية شتى، بالأخص بالاتينية والإغريقية في الميدان الطبي والتقني، حتى اللغة العربية استمدت قوتها التعبيرية من اللغة السريانية، أكثرمن %80، والحروف نفسها التي نسميها بالعربية، فالأمر ليس كذلك، فما هي إلا حروف آرامية، لغة عيسى.

إذا لم نقم بإصلاح جذري للمنظومة التربوية ولم نستعمل اللغة المغربية سنستمر في تكرير الخطأ وتبدير المال وتشريد البال، نحن مدينون للغة العربية بالكثير حيث قامت بدور توحيد الصف في الماضي ضد طغيان المستعمر، ولكن الآن المغرب لا يعرف أي استعمار، احتلال خارجي، إلا في حالة إذا أراد البعض استغلالنا واستعمارنا من الداخل.

اللغة العربية ليست في حاجة إلى من يحميها، لا يهددها أحد، لها مكانتها ومشروعيتها كإرث كوني في متناول الجميع، فمن يريد أن يبدع بها، فهنيئا له، وسنقرؤه ونشجعه على إثراء المكتبة الوطنية والذاكرة الجماعية وسنقوم بترجمة إنتاجاته إلى اللغة المغربية والأمازيغية حتى تكون ملكا لجميع المغربيات والمغاربة، وليس لأقلية وفئة معينة فقط، والكلمة

الأخيرة دائما للمفكرين، المبدعين والوسطاء الثقافيين كالصحفيين والمترجمين، أصحاب المادة، يعني “الماء”، ليس “الـغـرّاف” من قبيل بعض اللسانيين متواضعي الموهبة، الإنتاج، الإبداع والصرامة العلمية والذين يدورون في فلك “المادة” ويلعبون دور الخادمات، الجاريات في حرم السلاطين.

عم موقع: أخبارنا

قد يعجبك ايضا المزيد عن المؤلف

تعليقات