مصطفى غلمان: ندافع عن هويتنا المغربية لغة وثقافة

846

أجرى الحوار: سعاد شاغل ” الأحداث المغربية “.

رئيس التنسيقية الجهوية للائتلاف الوطني من أجل اللغة العربية بمراكش

الدكتور مصطفى غلمان للأحداث المغربية :

ندافع على هويتنا الثقافية واللغوية والانفتاح على ثقافات مغايرة مكفول للجميع

ماهي دواعي اللقاء الذي أجراه مؤخرا الائتلاف الوطني من أجل اللغة العربية مع رئيس الحكومة سعد الدين العثماني ؟

* جواب : كان لنا موقف تابت بخصوص انتقائية السيد وزير التربية الوطنية السابق، الذي قرر فجأة توسيع المواد المدرسية باللغة الفرنسية، دون سابق معرفة بتداعيات هذه الخطوة الخطيرة غير المحسوبة.

واللقاء بالسيد سعد الدين العثماني رئيس الحكومة كان بغرض إلقاء الضوء على جملة من قضايا التعليم، خاصة ما يتعلق بواقع اللغة العربية في مناهج تعليمنا وسبل تطويرها وتنمية استعمالها.

وقد حرص وفد الائتلاف على تقديم مذكرة تشمل مجموعة من الملاحظات والتوصيات، تبسط بشكل عميق رؤية الائتلاف وتصوره للمقاربة المستقبلية للسياسة اللغوية وفق مقاربة دستورية وهوياتية.

ولم يخف الائتلاف خلال لقائه برئيس الحكومة تخوفاته المشروعة من أن تكرس قرارات فرنسة المدرسة المغربية، خصوصا وأن النقاش الجاري الآن حول القانون التنظيمي للمجلس الوطني للغات والثقافة المغربية لم ينته بعد، والتوافق حول ممكنات تحيينه وتغيير بعض مضامينه يفتح آمالا عريضة بتحقيق ما نطمح إليه جميعا، حماية للغة العربية وصيانتها من الأخطار المحدقة.

سؤال : ما الذي يجعلكم تنتقدون الاسلوب الانفرادي للوزارة سواء تعلق الامر بالمناهج او البرامج او المقررات الدراسية ؟ وأين يتجلى ؟

* جواب : التعاطي مع ملف خطير في حجم التعليم يجب أن يتأسس على مبادئ وأولويات، على رأسها فتح نقاش عمومي وتفعيل دستور المملكة، الذي وضع آليات لمشاركة المجتمع المدني في إعداد وتقييم السياسات العمومية، في مجال التشريع، وهو كما نعلم أهم مرتكز في الديمقراطية التشاركية وإحدى أهم ضمانات المشاركة العمومية في الحياة العامة.

ليس معقولا أن يتخذ قرار مصيري يرتبط بالهوية الثقافية واللغوية دون إشراك المجتمع المدني والخبراء والأكاديميين والشخصيات العمومية الفاعلة في المجال.

والأسلوب الذي ابتدعه السيد الوزير السابق هو انقلاب واضح على منظومتنا القيمية والتربوية، ولا يمكن وصفه إلا بالشروع الفعلي بفرنسة التعليم وربط المغربية بالنموذج الاستعماري.

طبعا الأمر لا يتعلق بالمنهاج الدراسي، بمستوياته وتعدد المناهج السائدة والفروق الفردية وتكافؤ الفرص أمام المنهاج الدراسي والاختلالات التي تعانيها مشاريع تطوير النموذج البيداغوجي. وقبل هذا وذاك السياسات والنظريات الموجهة لبنائه في منظومتنا التعليمية. بل أيضا إعادة صياغة وبناء المنهاج المندمج، عبر مأسسة المدرسة المغربية وتطويرها، وإعادة تمكين الكفايات من تجاوز معضلات معايير الجودة.

أما الكتاب المدرسي فالضرورة تفرض ملاءمتها رغم تعدديتها في المستوى الواحد مع البيداغوجيات الحديثة، في أفق تغيير المناهج والبرامج وتحديد الأولويات.

لقد سبق لرئيس الائتلاف الدكتور فؤاد أبوعلي في إحدى حواراته القيمة، أن أوضح بجرأته المعهودة، أن إشكالية التعليم لا تتعلق بمفردات المناهج والبنى التحتية، بل إن الأمر يتعدى هذه المقاربة إلى المتعاقبين على تكريس التخلف والأمية تحت يافطات براقة.

آن الأوان إذن لتوحيد الرؤية وتحديد المفاهيم والأولويات وتفعيل مبادئ الدستور وتأصيل مطلب السيرورة في تدبير إدارة شؤون التعليم، دون خلفيات أيديولوجية أو سياسية . فالبلدان المتقدمة تجاوزت إشكاليات إدماج الهوية ومناهج تعليم اللغات إلى ما بعد الذكاء الاصطناعي والتفاعلات التربوية والبيداغوجية النموذجية، المبنية على التواصل النوعي والموضوعاتي، بالتلقي عن بعد وبناء الخيال والحوار التكنولوجي المباشر. فأين نحن من كل ذلك؟!

سؤال : يعتبر الكثير من المختصين ان سؤال لغة التدريس مسالة مغلوطة خصوصا وان الرؤية الاستراتيجية وضعت سياسة لغوية واضحة وحددت الوضع الاعتباري للغة العربية في علاقتها مع الامازيغية واللغات الاجنبية كيف تقيمون الامر؟

جواب : مشكلة لغة التدريس لا يمكن مقاربتها أفقيا دون التوغل في تشخيص واقع تدريس اللغات عموما، واللغة العربية والأمازيغية بخاصة. وهو ما يدعونا إلى فتح نقاش صريح وديمقراطي حول وضعية التحكم في الكفايات اللغوية وتعليم اللغات تواصلا وقراءة وتعبيرا.

من البدهي التمسك بمبدئية التعدد الهوياتي للوطن الواحد، بالثوابت المتعارف عليها. وهو تفاعل ثقافي لغوي قبل أي شيء آخر، منفتح على الكونية، لكنه منضبط للأولويات المؤسسة لأبعاد التنمية بالكفايات، من أجل الرفع من مستوى التعلمات والمعارف، وفهم مناطية الاندماج في الاستراتيجيات الحيوية لتلك التنمية، إن على المستوى الاقتصادي أو الاجتماعية أو الثقافي أو السيكولوجي.

الرؤية الاستراتيجية لإصلاح التعليم ” 2013 ـ 2015 ” والتي أصدرها المجلس الأعلى للتربية والتكوين والبحث العلمي، اعترفت بجملة من الاختلالات والصعوبات التي وصفتها بالمزمنة، تعيشها المدرسة المغربية اليوم. إذ سبق للهيئة الوطنية للتقييم لدى المجلس الأعلى سنة 2014 أن أبرزت واقعها في تقرير حول تطبيق الميثاق الوطني للتربية والتكوين والبحث العلمي 2000 ـ 2013 المكتسبات والمعيقات والتحديات، حيث تعتبر الاختلالات في عمومها مرتبطة بضعف تماسك وانسجام مكونات المنظومة التربوية، وكذا بمستوى نجاعة مردوديتها الداخلية والخارجية، وملاءمة مناهجها وتكويناتها مع متطلبات المحيط، وذات صلة بالنقص الشديد في إدماج بنيات مجتمع المعرفة والتكنولوجيات المتجددة، وبمحدودية مواكبتها لمستجدات البحث العلمي وعالم الاقتصاد ومجالات التنمية البشرية والبيئة والثقافة.

وهنا يكمن وضع المفارقة العجيبة الغريبة، بين وضعية اللغة العربية، كلغة رسمية وواقع ممارستها واستعمالها في حياتنا اليومية، في منظومة التربية والتكوين، كما المجتمع وكل مرافق الحياة!

نتحدث هنا عن الخدمات البشرية المتطورة حيث الحريات الموضوعية للفرد أو الحريات الأدائية كما يسميها بعض خبراء التربية.

وهنا لا يفوتني التذكير بمدى فعالية إدراج اللغة الأمازيغية في منظومتنا التربوية ، حيث الجمود وضبابية الموقف يستوثقان وضعية مكون دستوري سامي في بنية التدريس والإندماج التعليمي التعلمي.

أليس من العار أن تكون الفرانكوفونية أولوية في التداوليات الاقتصادية والإدارية والإعلامية وما شاكلها. إننا نتوخى من نظرية التعدد اللغوي في منظومة التربية والتكوين والبحث العلمي أن تكون عادلة ومنصفة في تقاطعاتها مع عمليات التدرج التعلمي ، في ظل غياب تصور استراتيجي في مسألة مصيرية، هي تدبير مشكل التعدد اللغوي بأبعاده الكبرى القومية والحضارية.

أكيد أن ذلك لا نعتبره صراعا خارج سلم الأولويات والإجماع الوطني. وهي مبنية أساسا على مسلكية تطوير الخدمات البشرية، من أجل تمكين الأفراد في العملية التعليمية التعلمية من هامش للحريات الموضوعية والأدائية.

سؤال : ما هو ردكم على المدافعين على اللغة الفرنسية الذين يتهمونكم بالانغلاق خاصة في ظل اتجاه العالم نحو الانجليزية والفرنسية كلغة علم واقتصاد؟

جواب : نحن في الائتلاف الوطني من أجل اللغة العربية لا نثير نقع الغبار دون رؤية لمعنى أن نكون متفاعلين مع مشروعية الدفاع بعقلانية ومنطق ووطنية عن هويتنا المغربية، لغة وثقافة، مثلما لا نعير أي اهتمام لمن يتهمنا بالتطرف والانغلاق والعصبية، على اعتبار أن كل من يحمل رسالة سامية، ويدافع عن اختياراته هو مدعاة للفخر ويقوم بدوره انطلاقا من محددات تضمنها قوانين البلاد ودستورها.

صحيح أن لغة الاقتصاد والمال والأعمال هي الأقوى الآن، لكن ثورات تحررية وأخرى هوياتية، انتصرت بفعل تطويرها للغاتها والحفاظ عليها والإبداع في سيرورتها، مثلما هو الشأن بالنسبة لبلدان عريقة كالصين والهند واليابان والبرازيل وغيرها.

نحن بحاجة ماسة إلى لغة عربية أشمل في معجمها وتنوع روافدها وعلاقتها بفروع المعرفة. لغة تحاكي هندسة النظم الجديدة المتطورة وتكنولوجيات المعلومات. ولي اليقين أنها سترقى كما كانت قبلا، وستكون الأضمن في امتدادها وسرعة انتشارها.

سؤال : كيف يمكن رد الاعتبار للغة العربية والنهوض بها ؟

جواب : إنه سؤال إشكالي حقيق بالمكاشفة ورهين بالنقد الذاتي. على الأقل لمن يدعون جاهزيتهم للمكابدة وحمل أثقال همومها، حتى تعود لدورها الريادي في تطوير شؤون العلم والحياة.

الأحرى أن نعزز جهود النهوض بها وترسيخ استعمالها وإثراء حضورها والتمكين لها والعمل على تأصيل تأثيرها في كل المجالات.

أعتقد أن المعضلة الأساسية تكمن في تنقية شوائب تعطيل لغتنا وإعادة التوازن في تصريفها بالتدريج لعمق كياننا ووجودنا، ولن يتأتى هذا الحلم دون تأسيس مسبق لحوافز دستورية دقيقة تصون الحق فيها والحفاظ عليها وصيانتها والدفاع عنها وترسيخها .

ثم لا بد من تطوير أسلوب علاقتنا باللغة العربية تعليما وتربية وإدارة وتنمية بشرية. وكذا ضرورة مواجهة كل أشكال العولمة ورصد أشكالها وتأثيراتها السلبية على الهوية الثقافية واللغوية. مع العلم أن الحفاظ على اللغة العربية لا يمس حق تعلم اللغات الأخرى والانفتاح على ثقافات مغايرة، بل يضمن جزء هاما من تعميق الرؤية في مجال يفرض مواكبة التحولات الجديدة في كل مناحي العلم والثقافة والفكر.

ومن اللازم في هذا الإطار إيجاد صياغة متفق عليها تجعل من الحفاظ على اللغة العربية وموروثها الثقافي والوجداني، متكاملة مع الثقافات والهويات الأخرى، بحكم طبيعة العصر وانتقالاته التكنولوجية والمعرفية، من أجل تواصل حضاري بناء.

*  الحوار الذي أجرته يومية الأحداث المغربية ” ملحق دفاتر تربوية ” ليومه الخميس 20 صفر 1439 هجرية الموافق ل 9 نونبر 2017 ـ العدد 6361

قد يعجبك ايضا المزيد عن المؤلف

تعليقات