اللغة العربية ضحية الغالب والمغلوب

798

جريدة العربي

ساهمت المجتمعات العربية في جعل أفرادها يهمشون لغتهم العربية ويعتبرونها لغة فرعية لا تستخدم إلا في الحديث مع الأصدقاء، وفي المقابل يفضلون الأشياء القادمة من الخارج، بما في ذلك اللغة حيث تمت استعارة اللغات الأجنبية واعتبارها مقياسا للحضارة والرقي والتقدم بل وشرطا أساسيا من شروط العمل في مهن متميزة، مما دفع الآباء إلى إلحاق أبنائهم بالمدارس الأجنبية والإصرار على تعليمهم المفردات اليومية باللغات الأجنبية.

فخر بالانتماء للمدارس الأجنبية

القاهرة – لا تكاد تخلو أحاديثنا اليومية من كلمات وعبارات إنكليزية وفرنسية كثيرة كنوع من الإتيكيت والتباهي، على الرغم من أن هذا لا يمثل أي نوع من أنواع التقدم، بل على العكس حين يهجر الإنسان لغته الأم فهذا دليل على إحساسه بالدونية، ففي كل أمة لا بد أن يحافظ الفرد على لغة بلده التي نشأ عليها ويمجدها بالإضافة إلى تعلمه لغات أخرى من دون الانجراف وراء كل ما هو غريب وأجنبي.

وأصبحت المجتمعات العربية منذ ما يزيد عن عشرين عاما تابعة للغرب في كل شيء وليس في اللغة فقط، على الرغم من أن اللغة العربية كانت لغة العالم عندما كانت الحضارة العربية تسود العالم نهضة وعلما وتقدما، لكن مع تقدم الزمن ودخول التكنولوجيا والعصور المظلمة أصبح العرب مقلدين لثقافة الغرب تابعين لها بطبيعتهم، وهو ما يوضح عقدة النقص.

ومن هنا أصبحت تسيطر “عقدة الخواجة” على غالبية الشعوب العربية، وهذا لا يتوقف على اللغة فقط بل يرتبط بكل ما يخص الإنسان من ملبس ومأكل وغيرهما، حيث يفضل العربي الأشياء القادمة من الخارج، بما في ذلك اللغة حيث تمت استعارة اللغات الأجنبية واعتبارها مقياسا للحضارة والرقي والتقدم بل وشرطا أساسيا من شروط العمل في مهن متميزة.

أمهات كثيرات يتباهين بمخاطبة الأطفال باللغة الإنكليزية كنوع من التقدم

ويوضح ابن خلدون هذه الظاهرة والتبعية في الفصل الثالث والعشرين من مقدمة تاريخه، حيث يقول “إن المغلوب مولع أبدا بالاقتداء بالغالب في شعاره وزيه ونحلته وسائر أحواله وعوائده، والسّبب في ذلك أنّ النّفس أبدا تعتقد الكمال في من غلبها وانقادت إليه، إمّا لنظره بالكمال بما وقر عندها من تعظيمه، أو لما تغالط به من أنّ انقيادها ليس لغلب طبيعيّ إنّما هو لكمال الغالب”، لذلك فإن تقليد العرب للغرب نابع عن شعورهم بالنقص وانهزامهم وهو ما ولد داخلهم عقدة الخواجة، كما يوضح الغزو الثقافي والسياسي الغربي، فنجد أغلب الأشخاص حتى الدعاة المسلمين يقحمون بعض الكلمات الإنكليزية أو الفرنسية في كلامهم بسبب عقدة لا شعورية دفينة داخلهم، تجعلهم يشعرون أن الكلمة الأجنبية ستعطي وزنا أثقل لحديثهم، بل وإنها دليل قاطع على المعرفة والثقافة والتفتح الحضاري.

وقال عادل الأشول، أستاذ علم النفس بجامعة عين شمس المصرية، عن الأسباب النفسية وراء انجراف المجتمعات العربية وراء الغرب، “تعرف هذه العقدة في علم النفس بأنها حالة نفسية عامة تصاب بها أغلب الشعوب العربية خاصة التي تشعر بالنقص، وهي تتمثل في تغلغل عقدة الإحساس بالنقص والدونية أمام كل ما هو أجنبي، فيحاول الشخص تعويض ما يشعر به من نقص من خلال التقليد الأعمى في كل شيء وليس اقتباس بعض الكلمات الأجنبية وإقحامها في الحديث”.

وتابع أن “الأسوأ من ذلك هو التقليد من الناحية الفكرية والاجتماعية وتغلغل الكثير من العادات والتقاليد الغربية في مجتمعاتنا الشرقية، وهو ما يخالف ما تربينا عليه بسبب التعارض مع الأخلاق الفطرية والدينية، وهذا يرجع إلى قلة الوازع الديني”.

وأشار إلى أن هذا التقليد يؤدي إلى قتل أي محاولة للنهوض بالتعليم وزعزعة ولاء الفرد تجاه وطنه وثقافته وتراثه ولغته، موضحا أن هذه العقدة نجدها منتشرة بصورة كبيرة عند الطبقة المثقفة حتى أصبحت الأم تفضل استخدام الكلمات الإنكليزية مع أطفالها، وتعتمد تعليم أبنائها المفردات المتداولة بشكل يومي ولكن باللغة الأجنبية، وتتجاهل تعليم الأطفال اللغة العربية وكيفية تهجئة الكلمات وتحليلها، على الرغم من أن المفترض أن تكون اللغة العربية هي اللغة الأم، فمن المنطق أن تكون هي الأولى بالاهتمام من غيرها.

التقليد الأعمى للغرب ساعد في اندثار اللغة العربية

أما عن تأثير اللغات الأجنبية على ثقافتنا ولغتنا العربية، فتشير سامية خضر أستاذة علم الاجتماع بجامعة عين شمس إلى أن هناك أمهات كثيرات يتباهين بمخاطبة الأطفال باللغة الإنكليزية كنوع من التقدم، ومن ضمن هذا التقدم تتعمّد الأم إلحاق طفلها بمدارس أجنبية لكي يحصل على مستوى علمي متميز. وأكدت أن المجتمع هو ما أنتج هذا النوع من البشر بسبب تهميشه للغة العربية واعتبارها لغة فرعية لا تستخدم إلا في الحديث مع الأصدقاء، أما سوق العمل فهو يستدعي معرفة وإتقان أكثر من لغة، وهو ما جعل الآباء ينجرفون وراء إلحاق أبنائهم بهذه المدارس الأجنبية، فالمجتمع من الأساس هو الذي ساعد في اندثار اللغة العربية وتهميشها والتقليد الأعمى للغرب، وأصبح الانتماء للهوية العربية ضعفا وتخلفا.

وأوضحت خضر أن هذا الانسلاخ الذي غذى أفكار الأطفال أثّر بشكل سلبي على المجتمع ومستقبل الأبناء، فنتج عنه أبناء مفتقدون لهوية بلادهم غير متمسكين بالعادات والتقاليد، متشبعين بأفكار وثقافة الغرب.

وأكدت خضر أن هذا الانفصال من شأنه أن ينتج أطفالا مفصومين فكريا ونفسيا ومنقسمين ذهنيا ووجدانيا ما بين المجتمع المحلي والبيئة المحيطة والواقع الذي يعيشون فيه، وبين محاولات الهروب من هذا المجتمع، وهو ما ينشأ عنه العديد من الأمراض النفسية التي تؤثر على سلوكياتهم تتمثل في الذوبان التام مع الشخصية الأجنبية، بل وضياع الانتماء للوطن والدين والعيش في تذبذب بين الانسلاخ عن الأصول اللغوية الأم والتشبث بلغة الغرب.

قد يعجبك ايضا المزيد عن المؤلف

تعليقات