حسان حويشة / نادية سليماني – بوابة الشروق الجزائرية
اتخذ مجلس إدارة بريد الجزائر قرارا يقضي بإلغاء الفرنسية من جميع الوثائق والمحررات الرسمية الصادرة عن المؤسسة، وتعويضها بوثائق محررة باللغة الوطنية، وتعهد بوضع الآليات اللازمة لتطبيق القرار على أرض الواقع، وإعلام وزيرة القطاع بتفاصيل تنفيذه.
وجاء في محضر آخر اجتماع لمجلس إدارة مؤسسة بريد الجزائر ليوم 4 جوان الماضي الذي ترأسته وزيرة القطاع هدى إيمان فرعون، تحوز الشروق نسخة منه، أن القرار الذي اتخذ في الدورة السابقة لمجلس الإدارة بعد أن طلب من مديرية الشؤون القانونية والمنازعات الشروع في ذلك، لكن إلى اليوم لم يتم تطبيق أي نقطة من ذلك القرار.
ووفق ذات الوثيقة التي بحوزتنا فإنه سيتم تحرير الوثائق الإدارية باللغة الوطنية من دون الإشارة إن كانت عربية أو أمازيغية سواء العقود أو القرارات أو غيرهما، ونصت بصريح العبارة على “أن استعمال اللغة الوطنية في تحرير الوثائق الرسمية سيكون لتعويض اللغة الفرنسية المستعملة حاليا”.
ومن خلال ذات الوثيقة الرسمية لاجتماع مجلس إدارة مؤسسة بريد الجزائر اتضح أن هناك مقاومة فعلية وحقيقية لقرار إلغاء المحررات والوثائق الرسمية باللغة الفرنسية، حيث أوضح المحضر أن القرار ورغم اتخاذه في اجتماع سابق استثنائي لمجلس الإدارة شهر أفريل الماضي وإحالته على التطبيق، إلا أنه لم يعرف طريقه إلى التجسيد الفعلي على أرض الواقع ولو لبند واحد منه.
ووافق محضر الاجتماع على القرار رفقة بقية القرارات التي اتخذت وتم المصادقة والتوقيع عليها من طرف الوزيرة هي إيمان فرعون قصد مباشرة تطبيقه، مشيرا إلى أن المجلس سيضع الآليات اللازمة الكفيلة بتطبيق قرار إلغاء الفرنسية من المحررات والوثائق الرسمية لبريد الجزائر وبقية القرارات التي خرج بها اجتماع مجلس الإدارة.
رغم أمر الحكومة السابقة باستعمال اللغة العربية في المراسلات والطعون وكافة التعاملات، وتعميم استعمالها على كافة المنشآت وهيئات الحالة المدنية، ورغم محاولات بعض مسؤولي القطاعات، إلزام موظفي قطاعاتهم بتحرير المراسلات والتقارير باللغة العربية، بقيت القرارات حبرا على ورق… وزادت هيمنة اللغة الفرنسية لدرجة صار المسؤول يكلم أبسط المواطنين بلغة لاتينية لا يفقهون أبجدياتها، فاضطروا للاستعانة بمترجمين لفك قرارات المسؤولين…. فما سبب العقدة من اللغة العربية التي كرمها المولى عز وجل وجعلها لغة القرآن؟ ولِم يسيل لعابنا على الفرنسية لغة مستعمرنا ونمجدها أكثر من شعوبها؟.
“الشروق ” رصدت آراء مفكّرين وباحثين وعلماء نفس حول الموضوع، فأجمعوا على أنّ موضوع التخلص من عقدة الفرنسية يحتاج إلى إرادة سياسيّة حقيقية.
شخصيات ونواب وناشطون يرحبون بقرار فرعون:
يجب تعميم القرار على كافة الوزارات والمؤسسات الرسمية
رغم أمر الحكومة السابقة باستعمال اللغة العربية في المراسلات والطعون وكافة التعاملات، وتعميم استعمالها على كافة المنشآت وهيئات الحالة المدنية، ورغم محاولات بعض مسؤولي القطاعات، إلزام موظفي قطاعاتهم بتحرير المراسلات والتقارير باللغة العربية، ومع ذلك فهي محاولات محتشمة لحفظ ماء وجه اللغة العربية، فالفرنسية هيمنت وتغلغلت في الإدارة الجزائرية، إلى درجة صار المسؤول يكلم أبسط المواطنين بلغة لاتينية لا يفقهون أبجدياتها، فاضطروا للاستعانة بمترجمين.
“الشروق” رصدت آراء مفكّرين وباحثين وعلماء نفس حول الموضوع، فأجمعوا على أنّ موضوع التخلص من عقدة الفرنسية يحتاج لإرادة سياسيّة حقيقية.
قرار شجاع ويستحق التشجيع والتقليد….هكذا وصف المدافعون عن اللغة الوطنية من سياسيين وباحثين ونفسانيين، قرار إدارة بريد الجزائر، تعميم استعمال اللغة العربية في مراسلاتها وتقاريرها، معتبرين أن القرار يحتاج إلى التعميم على جميع المؤسسات والإدارات في القريب العاجل، خاصة أن الجزائريين “ملّوا” من ملء الاستمارات والمراسلات وقراءة التعليمات بلغة فرنسية لا يتحدث بها عموم الشعب.
الباحث والمؤرخ ورئيس الجمعية الوطنية للدفاع عن اللغة العربية، عثمان سعدي:
فرنسا مجّدت لغتها بقانون ونحن حاربنا العربية في عقر دارها
في الموضوع، أكد المؤرخ والباحث ورئيس الجمعية الوطنية للدفاع عن اللغة العربية، الدكتور عثمان سعدي، في اتصال مع “الشروق”، أن الجواب عن سؤال من يقف في وجه التعريب، لا يحتاج إلى ذكاء كبير، فالأمر ـ حسب تعبيره ـ واضح للعيان، “فليس أكثر من اللوبي الفرنكفوني المسيطر على الدولة، من يهاجم اللغة العربية ويحاول القضاء عليها خاصة في الإدارة”. ورجع المتحدث إلى الخلف، عندما شرح مراحل مشروع قانون تعميم اللغة العربية، ففي 1991 صدر بالجزائر قانون تعميم استعمال اللغة العربية، الذي وقعه الرئيس الراحل الشاذلي بن جديد، وجاء بعده الرئيس الراحل محمد بوضياف، الذي وصفه المتحدث “لا يؤمن بالعربية، فجمد القانون في 21 ديسمبر 1996، تلاه الرئيس اليامين زروال الذي أصدر مرسوما يلغي فيه التجميد، وبعد مغادرته الحكم، جاء الرئيس عبد العزيز بوتفليقة في 1999 وترك القانون مجمّدا من دون مرسوم رئاسي”.
كما تحدث الدكتور، عن إصدار البرلمان الفرنسي قانون تمجيد الاستعمار بالجزائر في 2005، “ورغم محاولات نوابنا، إصدار قانون مضاد لتجريم الاستعمار الفرنسي، لكن اللوبي الفرنكفوني المتحكم في الدولة، منع صدوره”.
وثمن سعدي، قرار مؤسسة بريد الجزائر تعميم استعمال العربية، خاصة وأنها مؤسسة حيوية في المجتمع، والقرار من شأنه أن يكون قدوة للغير.
النائب لخضر بن خلاف:
بريد الجزائر قدوة وأتأسف لاستخدام الفرنسية من قبل وزير المجاهدين
فيما وصف النّائب البرلماني عن تحالف النهضة والعدالة والبناء، لخضر بن خلاّف لـ”الشروق”، سعْي مؤسّسة بريد الجزائر لاستعمال اللّغة العربيّة في إدارتها، بالقرار “الشّجاع والفريد من نوعه” الذي من شأنه المساهمة في تسهيل تعامل الجزائريين مع مؤسسة يرتادها يوميا ملايين المواطنين لقضاء مصالحهم المالية”.
ومع ذلك تأسف بن خلاف بالقول “نفوذ فرنسا لا يزال قويا، بدليل استمرار وجود لغتها عندنا، وبسبب عدم وجود مرسوم يلزم الإدارة والمسؤولين بعدم استعمال الفرنسية، وحسبه “قانون تعميم اللغة العربية مجمد منذ عهد المجلس الأعلى الذي ترأسه علي كافي، ولا شيء يلزم التعامل بالعربية”. ما عدا المجلس الشعبي الوطني، الذي يلزم أن تكون المناقشات والمراسلات بالعربية، فيما تتعامل عموم المؤسسات الخاصة والعمومية باللغة الفرنسية.
وتأسف بن خلاف، كون من يفترض فيهم الدفاع عن العربية، هم من يمجدون الفرنسية، فقال مستغربا “تهنئة وزير المجاهدين بمناسبة عيد الاستقلال كتبها باللغة الفرنسية.. وحتى الوزراء يتجرّؤون على مخاطبة الشعب البسيط باللغة الأجنبية، بل ويتحدثون مع الوفود الأجنبية المحافظة على لغة بلدها بالفرنسية، رغم أنه من المفروض أن يتحدثوا في اللقاءات الرسمية بالعربية”.
البروفيسور أحمد قوراية:
قرار مؤسسة بريد الجزائر شجاع ونثمنه
وبدوره أرجع البروفيسور في علم النفس، أحمد قوراية، ظاهرة التشبث باللغة الفرنسية، إلى ذهنية ونفسية كثير من الجزائريين، والذين انبطحوا حسب وصفه “انبطاحا للفرنسية ومن دون تفكير ومن دون غربلة، وأيضا إلى الرواسب الاستعمارية، حيث تركت فرنسا وراءها نخبة تعمل للحفاظ على لغتها حيّة وفاعلة بالجزائر، وتتحاشى اللغة الوطنية”. واعتبر قوراية، أن التعامل بالفرنسية خاصة في الإدارة الجزائرية، هو استعمار ثقافي واجتماعي للجزائريين.
مستغربا صمت النخبة المثقفة والمعرّبة، والتي لم تحرّك حسبه “ساكنا للدفاع عن لغتها ودينها وتطورها التربوي الاجتماعي”، وهو ما جعله يصفها “بالنخبة الأنانية”.
ومن جهة أخرى، فسّر محدثنا أسباب تغلغل الفرنسية في مجتمعنا، بالفراغ الهائل ما مهد لتثبيت الفرنسية في المؤسسات الجزائرية، والأخيرة لم تحرك ساكنا لتحرير نفسها بنفسها.
وثمن قوراية قرار مؤسسة بريد الجزائر، الذي من شأنه المساهمة في تطوير المؤسسة، داعيا بقية المؤسسات لتحذو حذوها، ومعتبرا العربية “لغة شاملة وكاملة وسهلة التعامل بين جميع أطياف الجزائريين، عكس الفرنسية”.
تعليقات