معرض للخط العربي يعرّف بالإسلام في كنائس ألمانيا
يركز الخطاط الباكستاني بأعماله المعروضة على إبراز جماليات الخط العربي باعتبارها جسرا للتعارف والحوار بين الإسلام والمسيحية واليهودية، من خلال لوحات مستوحاة من سور قرآنية ومن الإنجيل والتوراة، في خطوة يهدف من خلالها إلى التجسير بين مختلف الديانات.
خالد شمت-برلين
وقفت المهندسة المعمارية ليزا وصديقتها الصيدلانية كاترين أمام لوحة “أسماء الله الحسنى” في معرض “لنرَ بعضنا” الخاص بجماليات الخط العربي، المقام بالكنيسة البروتستانتية في حي كرويتسبيرغ الشعبي بالعاصمة الألمانية برلين.
ونقلت الأكاديميتان نظراتهما بين الأسماء العربية المكتوبة في اللوحة وبين معانيها باللغة الألمانية في دليل يحملانه أثناء تجولهما بالمعرض.
وذكرت ليزا للجزيرة نت أن ما استرعى انتباهها في اللوحة هو تشابه موضوعها مع لوحة ثانية مرت عليها تتضمن أبياتا شهيرة لأمير الشعراء الألماني غوته، مجد فيها أسماء الله الحسنى قائلا “هو الملك العدل الذي لا عادل مطلقا سواه، تقدست أسماؤه الحسنى سبحانه”.
وقالت إن المعاني الألمانية للأسماء في اللوحة أثارت في ذهنها أسئلة عميقة حول إسلام غوته، وتصور الألوهية في الإسلام والمسيحية، وعن قواسم مشتركة وأوجه اختلاف بين الديانتين السماويتين.
شهيد عالم نظم 27 معرضا جاب بها كنائس ألمانيا الكاثوليكية والبروتستانتية للتعريف بسماحة الإسلام (الجزيرة نت) |
جسور سلام
ومثلت ليزا وكاترين عينة من جمهور واسع ومتنوع من الزائرين الألمان لمعرض “لنرَ بعضنا” المقام في الفترة من 13 مايو/أيار الماضي إلى 9 يوليو/تموز القادم، وهو المعرض 27 لفنان الخط العربي الباكستاني شهيد عالم.
ويجوب عالم بهذه المعارض منذ العام 2006 كنائس ألمانيا الكاثوليكية والبروتستانتية بهدف التعريف بسماحة الإسلام، والدعوة إلى تعزيز الحوار الديني الإسلامي المسيحي اليهودي.
وأشار الخطاط الباكستاني إلى أن معرضه يهدف إلى بناء جسور سلام بين الأديان السماوية الثلاثة، وإزالة أسوار نشأت بينها بسبب الجهل والأحكام النمطية المسبقة.
ولفت في تصريح للجزيرة نت إلى أنه أختار الكنائس لإقامة معارضه “لكونها أفضل مكان يمكن أن يساعد في تفعيل الحوار الديني والوصول إلى شريحة مهمة من الألمان المعنيين بهذا الحوار، وهم المتدينون من رواد هذه الكنائس”.
وأشار عالم إلى أن اهتمام آلاف الألمان بزيارة معارضه يدلل على قناعاتهم بالحاجة الآن إلى الحوار الديني أكثر من أي وقت مضى، في مواجهة الأزمات الصعبة التي يمر بها العالم.
وتعد لوحة “أسماء الله الحسنى” العمل الأبرز بين 95 لوحة في معرض الفنان عالم الذي استلهم هذه اللوحات من نصوص من القرآن الكريم والإنجيل والتوراة، ومن أبيات شعرية ذات صلة بهذه النصوص لشعراء مسلمين وألمان بارزين مثل جلال الدين الرومي وابن عربي والحلاج و يوهان فولفغانغ غوته وفريدريش شيلر وغوتهولد ليسينغ وراينر ماريا ريلكه.
وركز الخطاط الباكستاني في أعماله المعروضة على إبراز جماليات الخط العربي باعتبارها جسرا للتعارف والحوار بين الإسلام والمسيحية واليهودية، من خلال لوحات “الله نور السموات والأرض” و”عيسى كلمة الله وروحه إلى مريم” و”سورة مريم” المستوحاة من سور قرآنية، و”في البدء كانت الكلمة” المستوحاة من الإنجيل، و”أنت الله الذي يراني” المستوحاة من التوراة.
وخط عالم هذه اللوحات باللغة العربية وترجم معاني العديد منها إلى اللغة الألمانية، ولفتت لوحة “ألف” النظر إلى تمثيل هذا الحرف لبداية الأبجدية في الكتب المقدسة للأديان السماوية الثلاثة.
وتضمنت الأعمال المعروضة لوحات بأبيات للشاعر الألماني الكبير غوته الذي عبر عن انبهاره باللغة العربية بعبارة شهيرة قال فيها “لم تجمع لغة انسجاما بين الكلمة والخط والروح مثل اللغة العربية“.
فضل العربية
وأثار الخطاط شهيد عالم اهتمام زائري معرضه بلوحة بالأبيات الشهيرة لغوته “لله الشرق .. لله الغرب.. لله أراضي الشمال والجنوب.. تسكن كلها بين يديه في سلام سبحانه”، التي استلهمها الشاعر الألماني الكبير من الآية القرآنية “للهِ المَشْرِقُ وَالمَغْرِبُ فَأَيْنَمَا تُوَلُّوا فَثَمَّ وَجْهُ اللَّهِ”.
وبموازاة هذا المعرض، أقيمت 23 فعالية ثقافية وفكرية حول نقاط الالتقاء والاختلاف في الحوار الديني، وعرض مدير متحف برلين للفنون الإسلامية البروفيسور شتيفان فيبر تعريفا عن أساسيات العربية، فاعتبر أن جماليات هذه اللغة وخطوطها لا يمكن إنكارها سواء فهمها المتلقي أم لم يفهمها.
وقالت أستاذة اللغة العربية وآدابها بالجامعات الألمانية أنجيلكا نويفرث إنه لولا لغة الضاد لما بقيت العلوم اليونانية القديمة حية حتى اليوم، وأوضحت أن ترجمة بيت الحكمة في بغداد بالقرن التاسع الميلادي لعلوم وفلسفات الإغريق، هو الذي ساعد الكنيسة بعد ذلك على إعادة ترجمة هذه العلوم إلى اللغة اللاتينية ومنها إلى اللغات الأوروبية المختلفة.
وخلصت المستعربة الألمانية إلى أن اللغة العربية لعبت قبل 11 قرنا جسرا للتطور العلمي، وتمثل جماليات خطوطها اليوم جسرا جديدا لدعم وتكثيف التفهم الثقافي والحوار الديني.
تعليقات