تعليم العربية في ماليزيا.. تاريخ عريق وحاضر متألق

3٬238

مدونة تهتم بالقضايا التي تتناول تعليم اللغة العربية للناطقين بغيرها من منظور لساني معاصر. تعدها الأستاذة أشواق كنالي/ جامعة العلوم الإسلامية الماليزية.

متى نبتت أزهار العربية في ماليزيا؟ وكيف رست في قلوب أهلها ونالت اعتزازهم في وطنهم؟ لم تكن اللغة العربية في ماليزيا منذ الأزل، بل كان لها تاريخ مديد ومشوار بعيد حتى أصبحت كما هي اليوم، وكذلك ما كانت اللغة الملايوية سائدة في ماليزيا بل كانت اللغة السنسكريتية هي اللغة المتعارف عليها هناك في قديم الزمان.

كانت العقيدة الأرواحية animism تحتضن مالايا (الاسم القديم لماليزيا) في القديم وكان سكانها يؤمنون بوجود كائنات روحية تسيطر على حياتهم، حتى وصل نور الإسلام إليهم في القرن السابع من الميلاد في عهد الخليفة المأمون بن هارون الرشيد إثر انتشار الإسلام في العالم.

ويعود تاريخ اللغة العربية في أرخبيل الملايو إلى قدوم الدعاة المسلمين والتجار العرب إلى مضيق ملقا في ذلك الحين. وقد أشار ابن بطوطة في مخطوطه إلى أنه زار ملقا عام 1345-1346م وهو في طريقه إلى الصين وكانت المدينة تفوح بروح الإسلام على نهج الشافعي.

إن من الواقع التاريخي وجود تلازم وثيق وارتباط عريق بين انتشار الإسلام بالعربية، وانتشار العربية بالإسلام، وازدهار كل منهما بنفحات الآخر. ومنذ ذلك الحين إلى يومنا هذا، أقبل الملايويون بتهافت ولهفة على دراسة اللغة العربية بوصفها وعاء للإسلام وفنونه، فالهدف العام من تعلمهم للعربية هو قراءة القرآن الكريم وفهمه، وفهم السنة النبوية، والتّفقه في الدين. ومن صور انتمائهم للإسلام وميولهم إلى العربية ذاك الإبداع في الكتابة الجاوية التي هي كتابات بالحروف العربية سميت باللغة الملايوية وأصبحت اللغة الرسمية المتعارف عليها.

كان تعليم العربية والعلوم الإسلامية في القرن التاسع عشر غير نظامي، أي أنه لا يُعترَف به رسميا، وليس له منهج دراسي يعتمد عليه، وكانت العربية تعلم في زوايا المجامع وبيوت المشايخ وفي الحلقات العلمية التي كانت تعتمد على نظام الكتاتيب، وكان هؤلاء المشايخ والعلماء الأجلاء يقومون بتعليم العلوم الإسلامية من الكتب العربية، حيث كانت البلاد تفتقر إلى الكتب الإسلامية المكتوبة باللغة الملايوية. وكانوا يعتمدون اعتمادا كليا على طريقة النحو والترجمة في التعليم، بالتركيز على تعليم مهارة قراءة الكتب فحسب دون المهارات الأخرى.

وقد تزايد الإقبال على اللغة العربية من قبل الملايويين، وبدأت الحكومة الماليزية تنظر إلى العربية نظرة اهتمام، حيث قامت وزارة التربية الماليزية عام 1977م بإنشاء 11 مدرسة ثانوية دينية تهتم بتعليم اللغة العربية، ووضعت مادتي اللغة العربية الاتصالية واللغة العربية العالية مادتين اختياريتين ضمن المواد التعليمية المقررة، وكانت اللغة العربية بمثابة لغة أجنبية في ماليزيا في ذلك الحين. كما قامت بعض المدارس الثانوية الدينية بإدراج مقررات دراسية من جامعة الأزهر الشريف.

وتطورت الأوضاع التعليمية عام 1998م إذ أصدرت وزارة التعليم الماليزية قرارا بتدريس اللغة العربية في المدارس الابتدائية، وذلك بناء على قرار اجتماع لجنة المناهج المركزية في نوفمبر 1996م. ولقد مرت عملية تنفيذ هذا القرار بعدة مراحل، حيث تم تقديم مادة اللغة العربية في السنوات الأولى بوصفها مادة إضافية بمسمى اللغة العربية الاتصالية، واختارت وزارة التعليم الماليزية في السنة الأولى من تنفيذ هذا القرار 97 مدرسة ابتدائية لتجريب إمكان تدريس اللغة العربية لطلاب المرحلة الابتدائية.

وفي عام 2003م، قدم صاحب المعالي رئيس وزراء ماليزيا السابق داتؤ سري عبد الله أحمد بدوي مشروعه الوطني الذي سمّاه الإسلام الحضاري، وقدم معاليه ضمن مشروعه الحضاري برنامجا جديدا في مجال التعليم يسمى “جي قاف j-QAF”.

ويقوم هذا البرنامج على أربعة أركان أساسية تسعى لتكوين الشخصية المسلمة المواكبة للحضارة.

ويرمز كل حرف من حروف البرنامج إلى أحد هذه الأركان الأربعة:

J                  Q                 A                    F

فرض العين         عربي          قرآن          جاوي

فالحرف الأول يرمز إلى “جاوي” وهو الدعوة إلى إحياء الكتابة التراثية الجاوية، أي كتابة اللغة الملايوية بالحروف العربية، والحرف الثاني يرمز إلى “قرآن” وهو الدعوة إلى حفظ القرآن الكريم وجعله نهجا للحياة، والحرف الثالث يرمز إلى “عربي” وهو الدعوة إلى تعلم اللغة العربية كوسيلة أساسية لفهم القرآن الكريم، والحرف الأخير يرمز إلى “فرض العين” وهو الدعوة إلى تعلم الفروض الواجبة على كل مسلم تعلمها والقيام بها على أكمل وجه.

وتم تطبيق برنامج “جي قاف” عام 2005م وقامت لجنة المناهج المركزية بتغيير مسمى مادة اللغة العربية الاتصالية إلى مادة اللغة العربية. وأصبحت مادة اللغة العربية إجبارية في المدارس الابتدائية على الطلاب الملايويين الذين لا يريدون دراسة اللغتين الصينية أو الهندية.

لقد كان لبرنامج “جي قاف” فضل كبير في ترسيخ تعليم اللغة العربية في ماليزيا، فقد تحولت مادة اللغة العربية الاختيارية إلى مادة إجبارية على جميع الطلاب المسلمين بداية من المرحلة الابتدائية حتى المرحلة الثانوية، كما تحولت من كونها لغة أجنبية إلى اللغة الثانية بجانب اللغة الملايوية (اللغة الأم) واللغة الإنجليزية (اللغة الثانية).

أما بالنسبة للطلاب الماليزيين غير المسلمين، فبمقدورهم دراسة مادة اللغة العربية بوصفها مادة اختيارية مثلها مثل نظيراتها من اللغات الإضافية كاللغتين الصينية والهندية.

وكذلك تعزز شأن العربية في الجامعات إذ أدرجت فيها كلغة ثانية تتراوح بين كونها لغة إجبارية يلزم تعلمها بصرف النظر عن التخصص العلمي، وكونها إجبارية يُطلب النجاح في بعض مسوياتها قبل التخرج. كما أصبحت اللغة العربية تعلم في الجامعات لأغراض خاصة، اتصالية ودينية واقتصادية وسياحية وأغراض خاصة أخرى.

قد يعجبك ايضا المزيد عن المؤلف

تعليقات