النهضة اللغوية ومخاطر سياسات التلهيج الفرنكفونية – حالة المغرب نموذجـًا- [1]
سلمان بونعمان كاتب مغربي
تسعى حلقات هذه الدراسة إلى الاشتباك مع موضوع حساس للغاية، يتعلق بمدى حضور الأبعاد الثقافية والحضارية في مجتمعات ما بعد الربيع الديمقراطي، من خلال طرح قضية استرجاع السيادة اللغوية الثقافية المفقودة واستكمال معركة الاستقلال اللغوي والثقافي وتفكيك رواسب الاستعمار الثقافي، وكسب معركة التخلف الآخر[1] بتعبير عالم الاجتماع التونسي محمود الذوادي، وهذا يقتضي ونحن بصدد أسئلة ما بعد الربيع الديمقراطي وعي الصراع الحاد حول اللغة باعتباره ليس صراعاً محايداً، فالحديث عن استعمال لغةٍ بدلاً من أخرى، لا يكون محكوماً بالاعتبار اللساني أو اللغوي أو البيداغوجي، وإنما يتعدى ذلك بكثيرٍ، إذ يتأطر بالمقاصد السياسية والحضارية الكبرى للقوى المهيمنة، ويمتد ليعبر عن جوهر الصراع والتوتر الحضاري الراهن[2].
إن إحدى الوظائف الحضارية الأساسية الملقاة على عاتق مجتمعات ما بعد الربيع الديمقراطي هي كسب رهان الاستقلال الثاني لدولة الثورة، وفك الارتهان بالإرث الاستعماري القائم على التغريب الثقافي والافتراس اللغوي وتكريس التبعية الحضارية، خدمة لمصالح الاستعمار الجديد عبر الثقافة واللغة؛ فالحاجة ملحة في عصر الثورة إلى امتلاك القدرة والكفاح الجماعي لاستعادة السيادة اللغوية الثقافية المفقودة والهوية اللغوية المسلوبة، ومجاوزة حالة الاغتراب التي تعيشه العربية واللغات الوطنية، فضلا عن تعزيز مكانتها وتفعيلها الحقيقي في إعادة بناء النسق الثقافي والتعليمي والإعلامي والمعرفي وربطها بالنهضة المركبة المستقلة والشاملة؛ في إطار سياساتٍ لغويةٍ مندمجةٍ وفاعلة ومنفتحة على اللغات العالمية، لكنها متحيزةٌ للذات الحضارية[3].
ولذلك تعالج الدراسة موضوعا قديما / متجددا ألا وهو الدعوات المتكررة في الوطن العربي والدول المغاربية لتشجيع العاميات واعتمادها لغة عالمة والسعي لجعلها بديلا عن اللغة العربية، إذ سنعمل على تحليل الخطاب التلهيجي في الحالة المغربية، وما يخفيه من محاولات للهيمنة الثقافية وإضعاف العربية وعرقلة عملية النهوض بها والتمكين للفرنكفونية المتسترة وراءها؛ وتنقسم الدراسة إلى مدخل عام تأطيري، يقدم للبحث ويبرز إشكاليته الكبرى ومقاربته وتوجهاته ومفاهيمه وأبعاده من منظور منهجي ومعرفي، ثم سننتقل لعرض الأسس التي يستند عليها الخطاب التلهيجي في الترويج لدعوته وتفكيك مقولاته الحاكمة، مع تخصيص محور للرد العلمي عليها بعد عن لغة المصادرة والخطاب المتشنج؛ كما سيتناول البحث بالكشف خلفيات هذه الدعوات وأبعادها السياسية والحضارية؛ فضلا عن تحليل المخاطر ورصد التحديات التي يطرحها طبيعة هذا الخطاب من التمكين للفرنكفونية وإضعاف اللغة العربية وما يستتبعه من تكريس لآفة التجزئة وتقسيم الأوطان وتعميق التخلف.
(1) مدخل عام
لا يمكن لأي بلد أن يشق طريقه نحو النهضة والإبداع والابتكار من غير الرهان على لغته، فقد أثبتت الدراسات والأبحاث العلمية الرصينة في جل الحقول المعرفية المهتمة بعلاقة اللغة بالفكر وارتباطات اللغة بالتنمية فضلا التجارب النهضوية بأن اللغة الأم هي التي تسهم في إنجاز النقلة النهضوية الهائلة، وأنها أحد الأوجه الرئيسة لتدارك الفجوة المعرفية والتنموية ومواكبة التطور العلمي والتكنولوجي؛ ولعل التجربة الصينية واليابانية خير دليل لدعاة الهيمنة الثقافية واللغوية الساعين إلى التشكيك في نموذج “النهضة الحضارية المركبة المستقلة والذاتية” وتحويله إلى نموذج تنموي تابع ثقافيا ولغويا للمستعمر.
وتعد اللغة- حسب عالم اللسانيات عبد القادر الفاسي الفهري – من المسؤوليات المباشرة للدولة ومن المحددات الأساسية لبنية الدولة/الوطن، وإذا كانت اللغة مسألة هوية وتماسك مجتمعي وتراث حضاري ورمز سيادة تاريخية، فإنها إلى جانب ذلك مسألة تنموية وفكرية واقتصادية تنافسية راهنة، اعتبارا لكونها رافعة النمو المعرفي، وأداة لنقل المعرفة والمعلومات إلى عموم القوى المنتجة، ولسان الإنتاج والإبداع والتواصل المعرفي/الثقافي، بل هي أيضا لسان التنافس في مجتمع اقتصاد المعرفة والمعلومات والاتصال؛ كما تشتمل قضية اللغة على أبعاد حقوقية/قانونية وديمقراطية، تتمثل في ضمان الحقوق اللغوية للمواطن والتكفل بحمايتها وتأهيلها، وفي تكريس حقه في الاختيار والاستفتاء حولها، إذ يندرج ضمن هذا البعد السوسيو-النفسي ما تمثله اللغة من الاستقرار النفسي والطمأنينة والاعتزاز بالذات، علاوة على أنها اللحام المجتمعي المؤتمن على الجماعة؛ وعلى ضوء ذلك تتحول المسألة اللغوية إلى مسألة سياسية، تستدعي من الدولة والمجتمع اتخاذ السياسة اللغوية الرشيدة والقرار اللازمين من أجل إفراز وتنفيذ الاختيارات الضرورية لتأهيلها وتطويرها[4].
إن للغة دور حاسم في تطوير قدرات الناس على التمرس بالعمل، وعلى الرفع المستمر من كفاءاتهم، والإغناء المتجدد للخبرة التقنية، وتعميق المعرفة العلمية وتوسيع الثقافة العملية، ولها الدور المركزي في وقاية النسيج الاجتماعي من التفكك، وفي تهذيب السلوك الفردي، وترسيخ القيم الجمالية والحضارية الرفيعة وخلق التوازنات النفسية، ونحو هذا من المجالات الكثيرة التي تتصل باللغة وبحملها الثقافي اتصالا مباشرا[5]؛ ومن ثم لا تعد اللغة مجرد وسيلة للتعبير أو أداة للاتصال والتواصل والتفاهم، أي أنها ليست وعاء تصب فيه المعاني المراد نقلها فقط، وإنما هي وعاء للتفكير وأداة للعمليات التفكيرية، ومشحون حضاري وثقافي ومخزون تراثي، وظاهرة اجتماعية وتاريخية تتطور وتنمو بتعدد وتنوع الأوضاع الاجتماعية والاقتصادية والسياسية والعلمية.
ومن المتداول بين المختصين في علم اللغة الاجتماعي أن الأمم ذات الثقافات المترسخة لا تستطيع النهوض دون الاعتماد على لغاتها، حيث أن للغة دورا بارزا في عملية النهوض وأثرا بالغ الوقع في التنمية بمفهومها الشامل. فكلما اتسعت قاعدة استعمال لغة ما، وتداولها أصحابها كانوا أقدر على الفهم والإفهام، وأكثر وعيا بالأشياء والأفكار، وأسرع إلى الاختراع والابتكار. ويتأيد هذا الزعم بتجارب بعض الأمم الحاضرة التي سلكت هذا السبيل في النهوض؛ ولذا يظهر أن بين اللغة والمجتمع رحما موصولا وتعاضدا لا غنى لأي منهما عنه[6].
وتتميز اللغة بكونها ظاهرة متعددة الأبعاد، لكونها مجالا يلتقي فيه التاريخي والثقافي بالسياسي والمجتمعي والاقتصادي، ونستحضر هنا مارسيل موس الذي نظر إلى اللغة بوصفها “ظاهرة اجتماعية كلية” (phénomène social total)؛ وذلك لكونها محل تقاطع بين ما يعود للاستعمال الاجتماعي لتلك اللغة، وما يتعلق بمصالح الأفراد أو الجماعات، والدوافع الفردية والجماعية والإيديولوجية، وبالاقتصادي الذي قد يحدد مكانتها؛ ومن ثم تخضع اللغة للتحول التاريخي بتحول المجتمعات. ولقد أبرزت الدراسات في هذا المجال أن اللغة تعرف تحولا حتى في بنيتها، كما ميزت العلوم اللسانية بين ما هو سنكروني يتعلق بالقوانين البنيوية للغة، وبين ما هو دياكروني ويتعلق بتاريخها وتحولها. فالتحولات التي تطرأ على المجتمع، سواء أكانت سياسية أم اجتماعية، لها تأثير على وضع اللغة ومكانتها، كما أن الصراعات الإيديولوجية بين الجماعات والتوترات الاجتماعية تحوم حول اللغة، فكل مرحلة من مراحل تطور المجتمع إلا وتتطلب أن يتكيف الواقع اللغوي مع هذا التطور؛ فهناك لغات تنتعش ولغات تتلاشى بتوقف استعمالها، فقد أحصت اليونسكو حوالي 220 لغة اندثرت منذ 1950[7]. فاللغة في نهاية المطاف تشكل صورة المجتمع عن نفسه، وتعكس أولوياته وطرق تعبيره عن ذاته وطرائق فهمه لعلاقته بأفراده وبالآخرين وبالعالم. بيد أن اللغة لا يتصل معناها الشمولي بالمجتمع وبصورته عن نفسه فحسب، بل يتصل أيضا بالتطور الثقافي الاجتماعي ووعي هذا المجتمع بذاته ومهماته وأولوياته وتوقه إلى الاتصال بالحضارات الإنسانية الأخرى والتفاعل معها دون التخلي عن الخصوصيات الثقافية لأبنائه[8].
أ- تعاريــف:
لقد استأثر موضوع اللغة[9] بقدر واسع من اهتمامات قدامى اللغويين العرب، ويعد ابن جني(ت390هـ) أبرز هؤلاء الذين شغلوا بأمور اللغة وتقصوا دقائقها وأبرزوا خصائصها. وقد عرفها ابن جنبي بأنها “أصوات يعبر بها كل قوم عن أغراضهم[10]“.
وتحليل هذا التعريف العميق الأبعاد والمركز الدلالة، يؤدي بنا إلى الكشف عن عناصر منطوق بها فيما يمكن أن نسميه “المنظومة اللغوية”، هي: الأصوات والتعبير والقوم أو الناس والأغراض. وقد اشتمل التعريف على أربعة أمور:
1- اللغة أصوات: إذا كان الكثير يربط اللغة بالكتابة وهو وجه من وجهي اللغة، فإن هناك وجها آخر أهم وأسبق منه وهو الصوت فالإنسان نوعا وفردا نطق باللغة أصواتا ثم كتبها ثانيا، وما يؤكد أن الكتابة ليست بالأهمية ذاتها إمكان الاستغناء عنه إذ أن الإنسان قد يتكلم اللغة دون أن يكتبها.
2- اللغة تعبير: الإنسان محتاج للتعبير وإفراغ ما يختلج في نفسه مادام حيا متفاعلا مع ذاته ومحيطه الطبيعي والمجتمعي إنها “ترجمان عما في الضمائر” كما عرفها ابن خلدون، إن التعبير ضرورة إنسانية، من هذا الباب صارت اللغة ضرورة لأنها الأداة الأساس لهذا التعبير التي لا تصل درجتها الوسائل الأخرى كالإشارة والرسم والرمز مثلا، ولذا أعطى الجاحظ للفظ المرتبة الأولى في تصنيفه لأنواع الدلالة حين قال “وجميعُ أصنافِ الدِلاَّلات على المعاني من لفظ وغير لفظ خمسة أشياءَ لا تنقُص ولا تَزيد: أولها اللفظ ثم الإشارة ثم العَقْد ثم الخَطّ ثمَّ الحالُ التي تسمّى نِصْبةً والنِّصبة”[11].
3- اللغة ظاهرة اجتماعية: إذا كان النطق أمرا فرديا فإنه خاضع لما توافقت عليه الجماعة في طبيعة الأصوات وطريقة النطق بها وما تعارفت عليه من الكلمات أي الوحدات المعجمية وما تواضعت عليه من التراكيب النحوية، فلا وجود للغة بالفرد وحده منعزلا عن الآخرين مما يؤكد أن اللغة ظاهرة اجتماعية بامتياز. كما يستفاد من قوله “كل قوم”، على حد تعبير الباحث فيصل الحفيان أن اللغة: “ليست ظاهرة إنسانية بالمعنى العام، أي أنها ليست لغة واحدة، فكل قوم أو مجموعة بشرية لها”لغة” تتشكل معهم، وترتبط بهم، تنتج عنهم وتؤثر فيهم”[12].
4- اللغة وسيلة لتحقيق الأغراض: إذا كانت اللغة أصواتا خاضعة لقواعد يحددها المجتمع وكانت تعبيرا وكشفا لما في النفوس والضمائر من المعاني، فإنها تكون بذاك وسيلة لتحقيق أغراض المتكلمين بها سواء أكانت تلك الأغراض مادية محسوسة أم نفسية معنوية، ولقد ذهب إلى الأمر ذاته ابن خلدون مستعملا لفظ المقصود حين قال في تعريفها: “أن اللغة في المتعارف هي عبارة المتكلم عن مقصوده”[13] فكلا العالـمين أدخلا الغاية من اللغة في تعريفها وهو تحقيق الأغراض والمقاصد.
إن الربط بين الأصوات والتعبير عن الأغراض يشير إلى مسألة معروفة، هي أن اللغة في حقيقتها انعكاس للفكر، فما نسمعه من أصوات ليس في الحقيقة سوى مرآة للفكر. وعليه فإن تعريف المناطقة للإنسان بأنه حيوان ناطق، ليس معناه أنه يمكن أن يصدر أصواتا، ولكن معناه أنه إنسان مفكر، فالتعبير عن الفكر هو أحد أهم وظائف اللغة كما يرى علماء الاجتماع اللغوي في حقل سوسيولوجيا اللغة[14]. وهذا ما جعل اللغة من المنظور الاجتماعي مدخلا رئيسا لدراسة تطور تفكير الجنس البشري، كما جعل منها نسقا مهما لا يمكن التخلي عنه أو فصله عن الأنساق الأخرى داخل المجتمع، وأكثر من ذلك فإن بنيامين لي وورف-أحد أعلام الفكري اللغوي الأمريكي- يرى أن اللغة تتحكم في الفكر، وتوجهه وجهة معينة، ليس بسبب مفرداتها فحسب، بل بسبب شكل البنية الداخلية أيضا.
إنها تلك الخاصية الإنسانية التي تعكس العقل الجمعي لفئة من البشر وتعبر عن رؤيتهم للعالم من حولهم، وينظر علماء الاجتماع إلى اللغة على أنها حقيقة وظاهرة اجتماعية وتعبير عن تنظيم اجتماعي لمجتمع معين؛ ومن هنا نفهم تعلق كل شعب بلغته؛ لأن الأفراد دائما يرتبطون بأبنيتهم الاجتماعية، إذ يرون فيها مظهرا من مظاهر الهوية أو الوجود، فالعلاقة بين اللغة وأصحابها علاقة تفاعلية يصعب معها الفصل بين الطرفين، فهي هم، وهم هي، وعلى الرغم من ذلك فإن اللغة هوية، وليست”الهوية” لغة، بمعنى أن اللغة ليست المقوم الوحيد للهوية، وإن كانت من أهم هذه المقومات[15].
كما تأخذ العلاقة بين اللغة والتفكير طابعا جدليا، أي أن الأمم تفكر كما تتكلم وتتكلم كما تفكر، فتتموضع الآليات والأنماط تفكيرها في لغاتها وتتسرب أساليب ومستويات تعبيرها إلى هذه الآليات والأنماط فتغدو جزءا منها، وهو ما يرفع تلقائيا أغلوطة الفصل بين اللفظ والمعنى ويجعل منها محض ثنائية صورية تسوغ ذلك التصور الساذج للغة، على أنها محض وسيلة أو حامل أو وعاء للموضوعات والثقافات والأفكار. فالأمة العربية، لا تفكر كما تتكلم وتتكلم كما تفكر فحسب، بل إن اللغة حاملة رسالتها الحضارية إلى العالم هو محمولها في آن[16]، كما يرى علماء اللسانيات أن اللغة والهوية شيء واحد، والمقصود بالهوية هنا هوية الفرد وهوية المجتمع، ولهذا يمكن تأسيس الكيانات الاجتماعية والسياسية على أساس لغوي، ومن هنا تأتي خطورة المكون اللغوي في تحقيق أو زعزعة الاستقرار السياسي للمجتمعات[17].
هذا عن اللغة، أما بخصوص اللهجة فيطلق عليها عدة مصطلحات، نذكر منها: “دارجة”(لغة شائعة)، و”عامية”(لغة العامة)، و”العربية المغربية” أو “العربية اللهجية”؛ وقد جاء في مقاييس اللغة في مادة”لهج” أن “اللام والهاء والجيم أصلٌ صحيح يدلُّ على المثابرَة على الشَّيء وملازمتِه، وأصلٌ آخر يدلُّ على اختلاطٍ في أمرٍ”؛ إن أقرب أصل لما نحن بصدده من أمر اللهجة هو الأول فلهجة القوم أمر يثابرون عليه ويلزمونه حتى يقترن بهم ويصبح من خصوصيتهم ولا يتأتى ذلك إلا بالنطق بها وممارستها وقد عبر ابن فارس ذلك صراحة حين قال “وسمِّيت لهجةً لأنّ كلاًّ يلهَجُ بلُغتِه وكلامه” ويؤكد علاقة اللهجة بالنطق قول العرب “هو فصيح اللَّهجة واللَّهَجَة: اللِّسانِ، بما ينطق به من الكلام” فاللهجة اللسان المنطوق عند قوم يثابرون عليه ويلزمونه فيميزهم عن غيرهم.
وقد استعمل العرب العامية للدلالة على مستوى اللغة العربية الذي يستعملها سواد الناس وعامتهم. وما العامية إلا الوجه الآخر للفصحى محرفا قليلا أو كثيرا على ألسن الناس ونطقهم[18]، وهذا ما عرضه اللغويون القدماء حين تحدثوا عنه في بعض مؤلفاتهم، حيث صنفت كتب في الأخطاء التي تشيع على ألسنة الناس؛ ولم يكن الهدف من ذلك هو دراسة اللهجات العربية دراسة لغوية مستقلة، وإنما إصلاح ما يطرأ من لحن وفساد على ألسنة المتكلمين ورده إلى أصله[19].
ومن المعاصرين الذين عرفوا العامية حسن ظاظا بكونها: “تحريف سوقي لألفاظ كانت من قبْلُ عربية صحيحة”[20]، وهذا تعريف على افتراض صحته أضيق في مفهومه، فالعامي من الكلام العربي بمفهومه الواسع ينسب إلى العامة، وهو كلام الناس أو أحاديثهم العادية، وفي كلام الناس وأحاديثهم تحريف سوقي لألفاظ كانت من قبل عربية صحيحة فصيحة، وفيه الأصيل الذي لم يصبه تحريف سوقي، وفيه الأجنبي الدخيل، كما أن فيه أخلاطا كثيرة من أصول مختلفة مغايرة للفصحى، وعناصر محرفة مستمدة من أصول غير معروفة. وهكذا فالعامية وفقا لهذا المفهوم هي كل ما نطق به أو تكلم به عامة الناس وتصرفوا فيه في أحاديثهم ومخاطباتهم، بكل ما جمعت هذه الأحاديث والمخاطبات من عناصر لفظية فصيحة وغير فصيحة، محرفة أو مغيرة أو مطورة، منقولة من العربية أو من غيرها، وبذلك فهي تقف مقابل الفصحى السليمة، أو اللغة الأدبية الرسمية التي تحرسها أو تحكمها في الغالب نظم ومقاييس تحفظ لها نوعا من الاستقرار[21].
ويذهب الدكتور إبراهيم أنيس بأن اللهجة في الاصطلاح العلمي الحديث هي مجموعة من الصفات اللغوية تنتمي إلى بيئة خاصة، ويشترك في هذه الصفات جميع أفراد هذه البيئة. وبيئة اللهجة هي جزء من بيئة أوسع وأشمل تضم عدة لهجات؛ لكل منها خصائصها، ولكنها تشترك جميعا في مجموعة من الظواهر اللغوية التي تيسر اتصال أفراد هذه البيئات بعضهم ببعض، وفهم ما قد يدور بينهم من حديث، فهماً يتوفق على قدر الرابطة التي تربط بين هذه اللهجات. وتلك البيئة الشاملة التي تتألف من عدة لهجات، هي التي اصطلح على تسميتها باللغة. فالعلاقة بين اللغة واللهجة هي العلاقة بين العام والخاص. فاللغة تشتمل عادة على عدة لهجات، لكل منها ما يميزها، وجميع هذه اللهجات تشترك في مجموعة من الصفات اللغوية، والعادات الكلامية التي تؤلف لغة مستقلة عن غيرها من اللغات[22].
ويركز أندري مارتيني على صبغة المحلية التي تصطبغ بها اللهجة حيث يكون الناطقون بالنمط المحلي اللهجي”أشد وعيا لوحدة الكل ولا يعيرون اهتماما كبيرا للاختلافات فيما بينها، كما ينظرون إلى اللغة المشتركة والنمط المحلي على أنهما مجرد أسلوبين للغة واحدة وليس نمطين لغويين مختلفين[23].”
نستنتج مما سبق، أن اللهجات العامية ذات خصوصية جزئية تندرج ضمن إطار عام كلي هو اللغة الحاضنة، تخص مجموعة بشرية تحتل حيزا جغرافيا محددا؛ وهي في الثقافة العربية فصحى محرفة ومختلطة بأصول أجنبية ودخيلة.
وقد أولت اللسانيات الحديثة اهتماما ملحوظا للجانب المنطوق للغة، باعتبارها مجموعة أصوات أو متواليات صوتية، أصبحت معها دراسة اللهجات فرعا مهما من فروع اللسانيات، يسمى “علم اللهجات”، ينكب على دراسة علمية منهجية تسعى لتحديد معالمها واستنباط القوانين المتحكمة في ظواهرها الصوتية والصرفية والتركيبية والمعجمية والدلالية، كما اهتم المستشرقون في العالم العربي بحقل الدراسات اللهجية[24]، حيث ارتبطت دراسة اللهجات في القرن التاسع عشر وبداية القرن العشرين بالمناهج اللغوية التاريخية، وسعت إلى المساعدة على دراسة التطور التاريخي للغة، كما تزايد الاهتمام بهذا الحقل بعد أن جعلت المجامع اللغوية العربية من بين أهدافها المحافظة على اللغة العربية وإنجاز دراسات علمية للهجات العربية الحديثة، خصوصا مع تأسيس لجنة اللهجات داخل هذه المجامع اللغوية[25] مثل المجمع اللغوي بالقاهرة.
ب- التطور التاريخي للدراسات حول العامية المغربية:
لقد شهد المغرب كباقي دول الجزائر ومصر اهتماما بالغا بالعامية المغربية عند المستشرقين؛ ظهر ذلك في البحوث والدراسات المنجزة في جميع المجالات التاريخية والأنثربولوجية والإثنوغرافية والسوسيولوجية واللسانية من قبل أعلام الاستشراق الفرنسي، خصوصا بعد التمرس الأكاديمي الذي زاولوه بالجزائر؛ فتمخض عن ذلك نصوص مرجعية دالة، إلا أن اللافت عند رصد مسار التطور التاريخي هو البداية المبكرة للاهتمام العلمي بهذا المجال المرتبط في بعض جوانبه بالأندلس وخصوصا الدراسات الإسبانية، حيث أنجزت في هذا السياق العديد من الدراسات المعجمية المتناولة للألفاظ العامية المغربية والمتمركزة بشكل أساس على شمال المغرب، فمن أوائل المعاجم المنجزة كانت من قبل النصارى الإسبان الذين كانوا يرومون الاستيلاء على الأندلس وطرد المسلمين من ديارهم تحت مسمى “حروب الاسترداد”، لهذا نجد أقدم معجم وصلنا ألف في القرن الرابع الهجري[26].
وتعتبر دراسات كل من فرغسون[27] وهاليدي[28] من الأعمال الأولى التي استخدمت مصطلح علم اللهجات وجغرافية اللهجات في سياق علم اللغة، لتبدأ معها الأبحاث الأجنبية في اللهجات المغربية مع بداية القرن العشرين، ويمكن التمييز في هذا السياق بين نوعين من الدراسات: نوع يهتم بالعربية المغربية عموما؛ ويعتبر هاريس[29] من الباحثين الأوائل في هذا المجال مع مارسي[30]، وظهر في المرحلة نفسها عمل كانتينو[31]، ثم عمل هاريل[32] حول العربية المغربية، أما النوع الآخر فاهتم باللهجات المحلية؛ ومن أبرز الأبحاث المنجزة في هذا الإطار، عمل ليفي بروفنسال بخصوص لهجة ورغة بضواحي فاس، تحت عنوان: “النصوص العربية لورغة[33]“، وعمل جورج كولان[34] تحت عنوان:”ملاحظات عن اللهجة العربية لشمال منطقة تازة” و”معجم العامية المغربية[35]“.
أما تفسير هذا الإقبال الكبير من لدن الباحثين الأجانب على دراسة العاميات العربية واهتمامهم بتدوين ألفاظها ونصوصها، فله بواعث تنصيرية وأغراض استعمارية، وتوجد أمثلة عديدة في هذين الموضوعين منها ما يتعلق بعامية الغرب الإسلامي، كالعمل الذي قام به الراهب القطلاني “ريموند مرتين” الذي ألف في منتصف القرن السابع الهجري معجما عربيًّا لاتينيًّا وآخر لاتينيًّا عربيًّا حسب العامية الأندلسية يمثل لهجة أهل شرق الأندلس، والراهب “بدرو دي الكالا” الذي ألف في نهاية القرن التاسع الهجري (الخامس عشر الميلادي) معجمًا في العامية الأندلسية أيضا وهو يمثل لهجة أهل غرناطة وما يتصل بها؛ وجاء بعد هذين الراهبين رهبان آخرون دونوا ألفاظ العامية المغربية كما سمعوها في زمنهم ، وكان آخرهم الراهب الإسباني J.Leechundi الذي أكمل في مدينة طنجة معجمه الإسباني العربي عام 1892م[36].
وهكذا نشأ مبكرا[37] اهتمام الاستشراق الأجنبي بحقل دراسة العاميات العربية فعندما قرر الأوروبيون غزو البلاد العربية واستعمارها، أسسوا لذلك مدارس لدراسة لغات وثقافات هذه البلدان، نذكر منها في فرنسا على سبيل المثال- مدرسة اللغات الشرقية الحية: cole des Langues Orientales Vivantes بل توسعوا في هذا الشأن بعد تسلطهم على البلدان العربية وتحكمهم فيها، فأحدثوا معاهد عليا لدراسة اللهجات العربية العامية واللهجات الأمازيغية لتعليم أطرهم المختلفة، كما ألفت كتب في قواعد هذه اللهجات ووضعت معاجم في مفرداتها، وكانت تمنح فيها شهادات مختلفة، ومن هذه المعاهد؛ على سبيل المثال أيضا المعهد الذي أسس بالرباط في عهد الحماية الفرنسية وسمي “معهد الأبحاث العليا المغربية” Institut des Hautes tudes Marocaines ، وقد نشر هذا المعهد من بدايته سنة 19155م إلى نهايته سنة 1959 عددا كبيرًا جدَّا من النصوص في اللهجات العامية العربية واللهجات الأمازيغية على اختلافها[38].
وقد أشار الأستاذ محمد بن شريفة أن هذا الاهتمام الكبير باللهجات المغربية في عهد الحماية الفرنسية لم يكن بريئًا ولا خالصًا لوجه العلم، وإنما كان نتيجة تخطيط استعماري بعيد المرامي، وهذا ما كشف عنه المستعرب الفرنسي الشهير جورج كولان الذي كانت سلطات الحماية الفرنسية ترجع إليه وتستشيره في المسألة اللغوية بالمغرب، فقد كتب هذا المستعرب في الأربعينيات بحثًا عالج فيه مشكلة اللغة في المغرب واقترح حلَّين : أحدهما تعميم الدارجة التي يفهمها الجميع واتخاذها لغة للثقافة والآخر هو تعميم اللغة الفرنسية في المغرب وجعلها وسيلة للثقافة وحدها[39].
وعليه، لم يكن اشتغال الاستعمار وأدواته الاستشراقية بدراسة اللهجات العربية ومن ضمنها اللهجة المغربية، محض اهتمام علمي، بقدر ما كان يدخل ضمن سعي الإدارة الاستعمارية لتحقيق تواصل مع الشعوب المستعمرة[40]، فقد أدرك الاستعمار أن اللغة العربية تشكل الضامن الأساس لاستمرارية هوية الجماعة، لأنها تسنن الثقافة وتحمي الفرد من الذوبان ومن فقدان تمايزه الثقافي الذي يمنحه الاعتزاز بخصوصيته[41]، ومن ارتباطها بذاكرة الأمة وبالقرآن الكريم.
أما اهتمام المغاربة بعد الاستقلال فتجلى في دراسة الدارجة المغربية في علاقتها بالفصحى من خلال عدة أبحاث ودراسات أهمها، أعمال الدكتور عبد العزيز بنعبد الله التنظيرية والتأصيلية للدارجة المغربية؛ مثل “الأصول الفصحى في العامية المغربية” منبها إلى أصولها العربية الفصيحة، أو مقارنا إياها مع الدارجات في الوطن العربي، ومثل “الألفاظ العامة المشتركة بين العاميتين في المغرب والشام”و”الألفاظ المشتركة في العاميتين المصرية والمغربية” و”تنظيرات ومقارنات حول فصحى العامية في المغرب والأندلس.”و”مظاهر الوحدة بين عامية بغداد وعامية المغرب الأقصى” و”معجم الأصول العربية والأجنبية للعامية المغربية.”، ومنها أيضا كتاب الدكتور عبد المنعم سيد عبد العال “معجم شمال المغرب تطوان وما حولها”، ومحمد داود صاحب “معجم العامية بتطوان”، ومحمد المختار السوسي الذي جمع خمسة آلاف لفظ عربي من الكلام الدارج في المغرب[42].
وإذا كان الاستشراق الفرنسي قد درس اللهجات المغربية بهدف استعماري، فقد فتح بابا لغويا ثقافيا من واجهات الصراع إضافة إلى الواجهة العسكرية، غير أن فهم أبعاد الرهان على دراسة اللهجات ضمن المشروع الاستعماري الفرنسي يقتضي وضع إطار عام لعلاقة اللغة بحقل الصراع الاجتماعي والسياسي والثقافي ومدى تأثيره على وجود اللغة وبقاءها؛ فكل أمة حريصة على الحفاظ على لغتها من الانقراض أو الضياع خصوصا إذا ما تهددها عامل خارجي استهدف اجتثاثها والصراع مع اللغة العدو.
[1] يمكن الرجوع في هذا السياق إلى أعمال عالم الاجتماع التونسي محمود الذوادي/ تجلت ملامح مفهوم “التخلف الآخر” عند الأستاذ محمود الذوادي في بداية الثمانينيات من القرن الماضي، وقد أصدر حوله سنة 20022 كتابين باللغتين العربية والإنجليزية يحملان عنوان “التخلف الآخر” لكليهما. كما أن موضوع”التخلف الآخر” كان عنوانا لجلسة علمية في المؤتمر العالمي السادس عشر لعلم الاجتماع الذي عقد في 23-29- 7-2006 في مدينة دوربان(Durban) بجنوب إفريقيا. يفيد هذا المصطلح عند الذوادي ذلك التخلف الموجود لكن المنسي من طرف المختصين في العلوم الاجتماعية المهتمين بقضايا التنمية والتخلف في مجتمعات العالم الثالث. ويتمثل التخلف الآخر في تخلف تلك المجتمعات لغويا وثقافيا من جهة، وشعور بمركب النقص أي تخلف نفسي إزاء الغرب. وتتجلى معالم التخلف اللغوي الثقافي في العالم الثالث في ترسب اللغات الأجنبية ومزجها مع اللغة الوطنية أو اللهجات المحلية وهو ما سماها ظاهرة “الفرنكو-أراب بالمغرب العربي”. انظر محمود الذوادي، المقدمة في علم الاجتماع الثقافي برؤية عربية إسلامية، المؤسسة الجامعية للدراسات والنشر والتوزيع، الطبعة الأولى،2010، ص94-95. وأيضا: محمود الذوادي، التخلف الآخر: عولمة أزمة الهويات الثقافية في الوطن العربي والعالم الثالث، الأطلسية للنشر، الطبعة الأولى، 2002
[2] محمد عيادي، لا تقتل لغتك، جريدة التجديد 29/7/2010، راجع أيضا: عبد السلام المسدي، العرب والانتحار اللغوي، دار الكتاب الجديد المتحدة الطبعة الأولى، 20111.
[3] راجع سلمان بونعمان، أسئلة دولة الربيع العربي: نحو نموذج لاستعادة نهضة الأمة، منشورات مركز نماء للبحوث والدراسات، الطبعة الأولى، 20133.
[4] أنظر عبد القادر الفاسي الفهري، دعم اللغة العربية تعزيزا للهوية القومية والتنمية المجتمعية، تقارير ووثائق رقم 6، (الرباط: معهد الدراسات والأبحاث للتعريب 2004)، ص22.
[5] محمد الأوراغي، لسان حضارة القرآن، ط1 (الرباط: دار الأمان، 2010) ص41-42.
[6] يحيى بن البراء، اللغة والهوية وآفاق التنمية: نظرة في جوانب من هموم النهضة والتحديث في البلدان العربية، مجلة التسامح، العدد 5، (2004). ص133.
[7] رحمة بورقية، التعدد اللغوي بين السياسي والمجتمعي، المدرسة المغربية، العدد 3، (2011)، ص13-16.
[8] نادر سراج، تجاذبات اللغة والثقافة والانتماء، مجلة التسامح، العدد5، (2004). ص68.
[9] جاء في معجم مقاييس اللغة في مادة “لغو/لغا” أن “اللام والغين والحرف المعتل أصلانِ صحيحان، أحدهما يدلُّ على الشَّيءِ لا يُعتدُّ به، والآخَر على اللَّهَج بالشَّيء” وإذا كان الأصل الأول لا يعنينا في تعريف اللغة لأنها مما يعتد به بل هي أمر ضروري في حياة الإنسان فردا وجماعة، فإنها مشتقة من الأصل الثاني إذ هي مما يلهج الإنسان به ويخرج من فمه أصواتا منطوقة لقول ابن فارس عن هذا الأصل “والثاني قولهم: لَغِيَ بالأمر، إذا لَهِجَ به.ويقال إنَّ اشتقاق اللُّغة منه، أي يَلْهَجُ صاحبُها بها” أي ينطقها.
[10] ابن جني، الخصائص، تحقيق: محمد علي النجار، ط3(القاهرة: الهيئة العامة للكتاب، 1986).م.ج1.ص33.
[11] أبو عمرو عثمان الجاحظ، البيان والتبيين، تحقيق وشرح عبد السلام هارون، (لبنان: دار الجيل، بدون تاريخ وطبعة).
[12] فيصل الحفيان، اللغة والهوية: إشكاليات المفاهيم وجدل العلاقات، مجلة التسامح، العدد5، (2004)، ص 42-433. بتصرف.
[13] ابن خلدون عبد الرحمن، المقدمة، تحقيق وتقديم وتعليق: عبد السلام الشدادي، ط1(الرباط: خزانة ابن خلدون بيت الفنون والعلوم والآداب، 20055).
[14] يمكن الرجوع إلى محمد السيد علوان، المجتمع وقضايا اللغة، (الإسكندرية: دار المعرفة الجامعية، 1995)
[15] فيصل الحفيان، اللغة والهوية، ص 42-47، بتصرف.
[16] غسان عبد الخالق، مستقبل اللغة العربية في ظل صراع الحضارات، مجلة التسامح، العدد2، (2003). ص187
[17] المصطفى تاج الدين، نحو سياسة لغوية متسامحة في زمن العولمة، العدد9،(2005). ص146.
[18]نور الدين بليبل، الارتقاء بالعربية في وسائل الإعلام، سلسلة كتاب الأمة العد 84، ط1 (الدوحة: وزارة الأوقاف والشؤون الإسلامية، 2001)، ص104. وقد ارتبط مصطلح اللهجة بمصطلحات أخرى، مثل اللكنة واللثغة، فأما اللكنة ففيها اقتصار على وصف جوانب النطق التي تعرف بوضع الناطق الإقليمي أو الاجتماعي، وهي لذلك تختلف عن اللهجة التي نجد فيها إلى جانب النطق ملامح النحو والمفردات، وأما اللثغة فهي حالات نطقية شاذة لا تشمل إلا فئة أو أفرادا معينين.
[19] أمينة فنان، من قضايا اللسانيات العربية واللهجية المغربية- لهجة الدارالبيضاء نموذجا، سلسلة قضايا اللسانيات العربية واللهجية، ط1 (فاس: مطبعة أنفو برانت، 2005)ص15. من هذه الكتب نذكر:كتاب “ما تلحن فيه العامة” لأبي الحسن علي بن حمزة الكسائي، و”لحن العامة” لأبي عثمان المازني، و”لحن العامة”للسجستاني، و”لحن العامة” للزبيدي. يمكن الرجوع إلى دراسة الباحث عبد الله التوراتي، تاريخ الدراسات العامية بالمغرب، (الرباط: غير منشورة، المركز المغربي للأبحاث والدراسات المعاصرة 2010)
[20] حسن ظاظا، كلام العرب، (بيروت: دار النهضة العربية، 1976)، ص 80
[21] أحمد محمد المعتوق، نظرية اللغة الثالثة: دراسة في قضية اللغة العربية الوسطى، ط1(الدارالبيضاء: المركز الثقافي العربي، 2005) ص 143-144.
[22] إبراهيم أنيس، في اللهجات العربية، ط2(القاهرة: مكتبة الأنجلوالمصرية، 2003) ص 15.
[23]André Martinet, Eléments de linguistique générale, (France, Librairie Armand Colin, 1970)
[24] انظر عيسى إسكندر المعلوف، اللهجة العربية العامية، مجلة المجمع اللغة العربية الملكي – الجزء الأول ص 350 – 368 جرد في هذه الدراسة القيمة أعمال المستشرقين والمستعربين حول لهجات اللغة العربية الدارجة وما نشروه من بحوث ودراسات، نذكر منها:
أ- أ. هربان ( A. Herbin ) المستشرق الفرنسي المتوفى سنة (1806م )، أصول اللغة العربية العامية. طبع كتابه في فرنسا.
ب- لويس جاك برنييه الفرنسي ( L. Brenier ) تلميذ سلقستردي ساسي، بحوث في اللغة العامية في الجزائر-. توفي برنييه سنة (1869م)
ج- دي سفاري (De Sivarie) أصول اللغة العربية العامية والفصحى، قدَّمه باللاتينية: سنة (1784م) إلى الحكومة الفرنسية. وكان هذا الكتاب هو الذي حمل المستشرق الفرنسي الكبير “سلفستر دي ساسي” على تعلُّم العربية في مدرسة اللغات الشرقية الحية في باريس، والتضلع من آدابها، ونشر ذلك الكتاب سنة (1813) بعد موت مؤلفه سفاري بعناية الأستاذ: لانكلاز Lanclaze، من أساتذتها، وتنقيح: مخايل الصباغ السوري، أحد مدرسيها.
د- الأستاذ حسن المصريِّ، المدرس في كلية فيينا. طبع سنة (1869م) أحسن النخب، في معرفة لسان العرب، في (266) صفحة، وهو في تعليم اللغة المصرية الدارجة.
هـ- الكنت دي لاندنبرج الأسوجي، العربية ولهجاتها، بالفرنسية، قدمها للمؤتمر الدولي الرابع في الجزائر سنة (1906م).
و- الأستاذ فارس الشدياق، أصول اللغة العربية المحكية، وضعه بالإنكليزية في لندن وطبع سنة (1856م).
ز- الأستاذ مخيمليانو أ. سنطون Maximiliano X Santon الأندلسي، نصوص عربية في لغة العرائش العامية، ، جمع فيه لغة العرائش في مراكش سنة (19100م) ونشر الأخبار بحرفها المغربي، ورسم لفظها بالحرف الإفرنجي، وترجمها بلغته المعروفة بالقسطيلية، وذيلها بمعجم الألفاظ العويصة وشرحها.
ح- إلياس نيقولا فتش برازين الروسي ( E. N. Bérésine ) مدرس العربية في فازان، المتوفى سنة (1870م )، لهجات الجزيرة وما بين النهرين.
ط- محمد بن شنب، الأمثال العربية الشائعة في الجزائر والمغرب، نشر الجزء الأول باللغة الفرنسية مترجمة فيه أمثال عددها (926) مثلاً، على حروف المعجم من (أ – ز) في باريس سنة (1905م) في (302) صفحة، وقابل بين أمثال العامة وأمثال الأدباء، وعلَّق عليها فوائد لغوية وأدبية. وطبع الجزء الثاني في باريس سنة (1906م) في (308) صفحات.
[25] أمينة فنان، من قضايا اللسانيات العربية، ص 19.
[26] انظر الدراسة الهامة التي أنجزها الباحث عبد الله التوراتي حول تاريخ الدراسات العامية بالمغرب، في:الدارجة والسياسة اللغوية بالمغرب، ط1(الرباط: طوب بريس، المركز المغربي للأبحاث والدراسات المعاصرة، 2012).
[27] Ferguson, Charles Albert, Diglossia. vol. 15. (1959).
Ferguson, Charles Albert, Structuralist Studies in Arabic Linguitics: Charles A. Ferguson’s papers, 1954 – 1994, (Leiden: E. J. Brill, 1997).
[28] Halliday, M. A. K., McIntosh, Angus, and Strevens, Peter, The Linguistic Sciences and Language Teaching, (London, Longmans, 1964).
[29] Z. Harris, The phonemes of Moroccan Arabic, (Journal of the American oriental society 1942).
[30] William Marcais, Textes Arabes de Tanger, (Paris, Leroux, 1911).
William Marcais, Langue Arabe dans L’Afrique du Nord. Revue Pédagogique, Alger,N°1. (1931).
[31] J. Cantinneau, Réflexions sur La phonologie de L’Arabe Marocaine.Hespéris 37. (1950).
[32] Richard Harrel S, A Short Reference Grammar of Moroccan Arabic. (Washington, Georgetown university press, D.C. 1962).
Richard Harrel, A Dictionary of Moroccan Arabic. (Washington, Georgetown University Press, 1966).
[33] Lévi-Provençal Evariste, Textes Arabes de l’Ouargha Dialecte des jbala)Maroc septentrional(, (Paris, E.leroux, 1922).
[34] أنفق جورج كولان خمسا وخمسين عاما من عمره الحافل في جمع مواده من أفواه الرجال والأخذ عن الثقات، وجرد كل ما تعلق بالمغرب واتصل بأهله في ذلك الوقت، من مراجع ووثائق ومستندات؛ حوتها محفوظات الخزائن المغربية والفرنسية والإيبيرية وغيرها من دور الكتب العالمية الكبرى، (…)ترك وراءه فيما ترك ما أوفى على السبعين ألف جذاذة، طافحة بالتقاييد النادرة والفرائد الباهرة، عدا الأضابير من الصحائف والكراسات والحقائب البطينة المترعة بالملفات والكنانيش، كل ذلك مبعثر مشتت موزع بين الرباط وباريس، وميزة هذا المعجم القديم الجديد الذي تميزه عن سائر معاجم اللغة العامية المغربية التي وضعها رجال الحماية، هي كونه أكثر من كتاب لغة، بل إنه موسوعة غنية وافرة، استغرقت أصنافا شتى وألوانا جمة؛ من المعارف والحقائق المتصلة بالدين والاجتماع والاقتصاد، وبالجغرافيا والتاريخ والموسيقى، وسائر الأمثال. انظر الحسين بن علي بن عبد الله، قصص وأمثال من المغرب، الجزء الأول، ط1(الدار البيضاء: مطبعة النجاح الجديدة، 1996)
- a) Colin, Georges Séraphin, Notes de Dialectologie Arabe: Observations sur Un Vocabulaire Maritime Berbère, Hesperis 4,( French. Cat: Lexicography, Dialectology 1924) 175-9
- b) Colin, Georges Séraphin, Le Parler Berbere des Gmara. Hesperis 9, ( Cat: Berber Language, Gmara 1929). 43-58
- c) Colin, Georges Séraphin, Recueil de textes en arabe marocain:contes et anecdotes, (Maisonneuve, 1957)
- d) Colin, G.S. Le Dictionnaire Colin D’Arabe Dialectal Marocain. Sous La Direction de ZAKIA IRAQUI, (Maroc, Institut d’Etudes et de Recherches pour l’Arabisation-RABAT en Collaboration, C.N.R.S, Paris, Editions AL MANAHIL Ministre des Affaires culturelles, 1993)
[35] انظر أمينة فنان، من قضايا اللسانيات العربية، 19.
[36] محمد بن شريفة، حول معاجم اللغة العامية المغربية عرض تاريخي، مجلة مجمع اللغة العربية بالقاهرة عدد 89 مارس(1999).ص::135
[37] هناك دراسات أنجزت حول العامية المغربية قبل دخول الاستعمار الفرنسي، وقد وردت هذه الأبحاث في الأصل من كتاب:
Langue et société au Maghreb bilan et perspectives 1989
من منشورات كلية الآداب والعلوم الإنسانية جامعة محمد الخامس بالرباط.
Langue et Société au Maghreb:
Bilan et Perspectives, (Rabat : Université Mohammed V, Fac. des Lettres et des Sciences Humaines ,1989).
وقد قام الأستاذ المترجم مصطفى المحمدي بترجمة أسماء هذه البحوث من الفرنسية إلى العربية، ابتداء من الصفحة 166 إلى 182، وتمضينها في كتاب في:الدارجة والسياسة اللغوية بالمغرب، ط1 (الرباط: طوب بريس، المركز المغربي للأبحاث والدراسات المعاصرة، 2012). نذكر منها:
أ- بريسنيير م. دروس عملية في اللغة العربية: توضيحات حول اللهجات المتكلم بها بين المسلمين واليهود في طنجة، (1855
ب- يوحنا يوسف مرسلJ.J. Marcel كنـز المصاحبة والأدب للأنيس والطالب في لغة مصر والمغرب، وهو محاورات فرنسية وعربية بالعامية، في 574 صفحة، وفيه لهجات تونس ومراكش ومصر مرتبة على حروف المعج، طبع في (باريس سنة 1837)
ج- بودجيت مياكين، مدخل إلى عربية المغرب، (لندن،1891).
د- هيرفيغ هيرشفيلد، مساهمة في الدراسة حول الدارجة اليهودية-العربية بالمغرب،(1891).
هـ- خوسي ليرشيندي، أساسيات الدارجة العربية التي كان يُتحدث بها في الإمبراطورية المغربية، (1889).
و- خوسي ليرشيندي، المفردات الإسبانية-العربية في الدارجة المغربية،(1892).
ز- آلبيرت سوص، نحو عامية عربية للمغرب”، (1893).
ح- آلبيرت سوصان وهانس ستومي، العربية الدارجة عند هوارة وادي سوس بالمغرب، (1894).
ط- أوغيست فيشر، الأمثال المغربية: الدارجة المتكلَّمة بالرباط. (1898).
ي- فيشر، أسماء الأسلحة والسكاكين في لهجة مغرب اليوم، (1899).
ك- فيشر، حول علم الأصوات والعربية المغربية”، (1899).
ل- جورج كامفمايير، دراسة حول اللهجات العربية: حرف الكاف في بداية الكلمة في الدارجة المغربية، (1899).
م- جورج كامفمايير “حرف (بِ) العربي وتأثير استعمالاته في اللغات العامية، (1900).
ن- بلان، ل.ر، المعاني: حكايات بالدارجة المغربية، المجلد 6، الصفحات 168-82، (1906).
س- بلان، ل.ر، حكايتان مغربيتان بعامية طنجة، المجلد 7، الصفحات 415-39، (1906).
ع- ج. مارشان، حكاية بالدارجة المغربية، (1906).
ف- بن صميل، لغة مراكش العامية وقواعدها،(1911).
[38] محمد بن شريفة، حول معاجم اللغة العامية المغربية عرض تاريخي، مجلة مجمع اللغة العربية، بالقاهرة عدد 89 مارس 1999.ص1355.
[39] محمد بن شريفة، ص137.
[40] أمينة فنان، من قضايا اللسانيات العربية، ص16.
[41] عبد السلام خلفي، اللغة الأم وسلطة المأسسة: مبحث في الوضعية اللغوية والثقافية بالمغرب، (الرباط: مطابع أمبريال، 2000)، ص::8
[42] عبد الهادي التازي، اهتمام المغاربة بالتأليف حول العامي والفصيح، مجلة مجمع اللغة العربية بالقاهرة الجزء السادس والستون القسم الأول: 163، ماي(1990م). وقد جرد الباحث عبد الله التوراتي في دراسته القيمة:”تاريخ الدراسات العامية في المغرب،(مرجع سابق) أهم البحوث والأعمال المنجزة حول الدارجة المغربية في مرحلة ما بعد الاستقلال مصنفا إياها زمنيا، وهي:
أ- عبد العزيز بنعبد الله، الأصول الفصحى في العامية المغربية مجلة اللسان العربي العدد 1/134 (سنة 1964).
ب- عبد الله كنون، السليقة عند العرب المحدثين مجلة اللسان العربي العدد 2/5 (سنة 1965).
ج- محمد داود، بين الفصحى والعامية مجلة اللسان العربي العدد 2/16 (سنة 1965).
د- محمد داود، معجم اللغة العامية بتطوان مجلة اللسان العربي العدد 3/262 (سنة 1965).
هـ- عبد العزيز بنعبد، الألفاظ المشتركة في العاميتين المصرية والمغربية الله مجلة اللسان العربي العدد 2/89 (سنة 1965).
و- محمد السلاوي، الصراع بين الفصحى والعامية أديب مجلة اللسان العربي العدد 3/71 (سنة 1965).
ز- إبراهيم حركات، الدارجة المغربية أفصح اللهجات العربية مجلة اللسان العربي العدد 4/33 (سنة 1966).
ح- عبد العزيز بنعبد الله، معجم الأصول العربية والأجنبية للعامية المغربية مجلة اللسان العربي العدد 4/368 (سنة 1966).
ط- عبد العزيز بنعبد الله، مظاهر الوحدة في عاميتي المغرب والخليج العربي، مجلة اللسان العربي العدد 5/235 (سنة 1967).
ي- والي العلمي، العربية المغربية، قارئ وسيط، مركز التدريب الجامعي، جامعة إندينا، بلومينغتون. الجزء الأول الصفحة 109، والجزء الثاني الصفحة 72. (مجموعة نصوص بالعربية المغربية)، (1969).
ك- عبد العزيز بن عبد الله، تطور الفكر واللغة في المغرب الحديث القاهرة: منشورات منظمة الوحدة العربية؛ الصفحة 240، (سنة 1969).
ل- عبد العزيز بن عبد الله، تنظيرات ومقاربات حول الفصحى والعامية في المغرب والأندلس ، اللسان العربي، 8/1 الصفحات 5-10، (سنة 1971).
م- عبد العزيز بنعبد الله، صراع بين العامية والفصحى بالمغرب مجلة السان العربي العدد 9 الجزء 1 ص 491 (سنة 1971).
ن- عبد العزيز بن عبد الله، نحو تفصيح العامية في الوطن العربي: دراسات مقارنة في العامية والعربية، (اللسان العربي ) 9/1 الصفحات 489-551؛ 9/2؛ والصفحات 529-672، (سنة 1972).
س- عباس الجراري، الزجل في المغرب، القصيدة، (الرباط: نشر مكتبة الطالب، مطبعة الأمنية، 1970).
ع- محمد بالحلفاوي، الشعر العربي المغاربي بتعبيرات شعبية، (باريس: مكتبة فرانسوا ماسبيرو؛ (1973).
ف- عبد العزيز بنعبد الله، التقريب بين اللهجات العربية نماذج من المصطلحات الدارجة بالمغرب الأقصى مجلة السان العربي العدد 16 الجزء 1 ص 131 (سنة 1978) .
ص- حسن الصميلي، وضع الضمائر في الدارجة المغربية، (1978).
ق- عبد العزيز بنعبد الله، العامية والفصحى في القاهرة والرباط مجلة اللسان العربي العدد 21 ص 57 (سنة 1983).
ر- عبد الرفيع بنعلام، جوانب من البحث في علم أصوات العربية المغربية،(1984).
ش- العربي مزين، حول اشتقاقات اسم المكان بسجلماسة، (1984).
ت- عبد العزيز حليلي، نبدة عن الدارجة المتكلَّمة في المدينة القديمة بفاس، (1986).
ث- ملعبة الكفيف الزرهوني، تقديم وتحقيق الدكتور محمد بن شريفة، (الرباط: المطبعة الملكية، 1987).
تعليقات