اللغة العربية بالمغرب.. بين الإقبال والإهمال
محمد اسماعيلي علوي – طالب دكتوراه
تعتبر اللغة العربية، اليوم، لغة تتمتّع بشعبية كبيرة في العالم، إذ تعرف تطورًا ملحوظًاً في الآونة الأخيرة، نظرًا لكثرة استعمالها في مجالات متعددة خاصة في مجال التعليم والتعلم، وباعتبارها أهم لغات العالم ومن أوسعها انتشارًا، وأغناها معنىً ومبنى، إذ لطالما أثبتت جدارتها على مر الأزمنة ومختلف الأصعدة، وهو ما حَذا بالعديد من الناس عبر العالم إلى الإقبال على تعلُّمها سواء كانوا ناطقين بها أو ناطقين بغيرها.
وبالمغرب، فقد ساهمت مجموعة من المراكز اللغوية في دعم وتدريس اللغة العربية للناطقين بغيرها، واتَّخذت لذلك مجموعة من البرامج التربوية الفعّالة في هذا المجال، وذلك من خلال تبني أفضل وأنجع المناهج والطرق والاستراتيجيات والأساليب التي من شأنها أن تُيسِّر وتتجاوز صعوبات ومشاكل تدريس لغة الضاد للأجانب، مثل تجربة المركز اللغوي العربي “قلم ولوح”، الذي يسهر على تعليم اللغة العربية للأجانب ويستقبل سنوياً ما يناهز حوالي ألف طالب أجنبي أغلبهم من جنسيات أوروبية وأمريكية ودول جنوب شرق آسيا. ولعله من أهم المراكز التي ذاع صيتها في العديد من الجامعات الأجنبية بالخارج، مما جعله وجْهة للطلبة الأجانب الراغبين في تعلم اللغة العربية وثقافتها بالمغرب، هذا بالإضافة إلى دورات صيفية تحتضنها كلٌّ من كلية علوم التربية التابعة لجامعة محمد الخامس بالرباط، وجامعة الأخوين بإفران.
يمكن إرجاع ضعف اللغة العربية اليوم إلى العرب أنفسِهم، فتجدهم كثيرًا ما يبحثون عن لغة أخرى للتحدّث بها. |
ولقد ظلت هذه المراكز قِبلة لمجموعة من الطلاب الأجانب الراغبين في تعلم اللغة العربية لأهداف وغايات متعددة، كرغبة العديد من المسلمين ممّن لا يتكلمون العربية في فهم القرآن الكريم وترتيله وتعميق معرفتهم بالدين؛ إذ نجد الإندونيسيين والماليزيّين والأتراك من أكثر الجنسيات إقبالاً على تعلم العربية حرصاً منهم على التمسك بالدين الإسلامي وتشبثاً بالعربية التي تعتبر من أصوله وثوابته، وحُباً في اللغة العربية والتواصل مع العرب وزيارة بلدانهم والاطلاع على ثقافاتهم وحضارتهم، إذ ثمة من لا يُحرِّكه سوى دافع واحد هو حبه لهذه اللغة، ورغبته في التواصل مع أهلها، إذ ليس كل الطلاب الذين يُقبلون على تعلم العربية تدفعهم نفس الدوافع والغايات ذاتها.
لعل هذا الإقبال يُخفي وراءه أسبابًا سياسية واقتصادية ودبلوماسية أخرى ويمكن إرجاع ضُعف اللغة العربية اليوم إلى العرب أنفسِهم، فتجدهم كثيرًا ما يبحثون عن لغة أخرى للتحدّث بها، وكأن لغتهم لا تفي بالغرض، فضلاً عن كون المناهج التربوية في حاجة مستمرة للمراجعة الدقيقة، لأنها لا تستجيب لمتطلبات مستعمِلي هذه اللغة. بدورها، تتحمّل وسائل الإعلام ووسائط الاتصال الحديثة جزءاً من مسؤولية إهمال اللغة العربية، حيث يُلاحَظ عدم اهتمام معظم هذه الوسائل بلغة الضاد، غيرَ واضعةٍ في أجندتها العملَ على السُّمو والارتقاء بها، أو من خلال برامج إعلامية هادفة للتعريف بالعربية وإبراز مكانتها.
ولعل ما نخشاه أن يأتي يوم تصبح فيه اللغة العربية “لغة دينية” فقط لا علاقة لها بحياتنا اليومية، بل سيقتصر استخدامها على شؤون الدين الإسلامي من قراءة قرآن وكتابته وغيرها. وهو بالضبط ما حدثَ مع اللغة العربية في المغرب حينما حَلّت اللغة الفرنسية مكانها في أغلب المجالات، ذلك أن المغاربة ظلوا مرتبطين منذ الاستقلال بسلطة “لغة موليير”، بحيث صاروا غير قادرين على الانفكاك منها بأيّ حال من الأحوال.
تعليقات