هيمنة الفرنسية على مراسلات الإدارة المغربية تُعيد جدل تهميش العربية ومطالب بإنهاء “الفوضى اللغوية”

390

ما تزال العديد من الإدارات ‎ ‎‫ والمؤسسات العمومية مصرة على تفضيل استعمال اللغة الفرنسية في العديد من‎ ‎‫مراسلاتها، على الرغم من أن دستور المملكة نص في فصله الخامس على أن اللغة العربية تظل اللغة الرسمية للبلاد، وأن الأمازيغية تعد أيضا لغة رسمية للدولة باعتبارها رصيدا مشتركا لجميع المغاربة.

ودفع “تهميش” اللغة العربية وإقصاؤها من طرف مسؤولين حكوميين، نواب برلمانيين إلى مراسلة رئيس الحكومة عزيز أخنوش حول أسباب استعمال اللغات الأجنبية من قبل المؤسسات العمومية والإدارات، معتبرين أن في هذا الاستعمال خرق للدستور واستفزاز لشعور المغاربة وهويتهم الأصلية المتنوعة.

وينص الدستور المغربي في فصله الخامس على أن “تظل العربية اللغة الرسمية للدولة، وتعمل الدولة على حمايتها وتطويرها وتنمية استعمالها، وتعد الأمازيغية أيضا لغة رسمية للدولة، باعتبارها رصيدا مشتركا لجميع المغاربة دون استثناء”.

وقبل صدور دستور المغرب لسنة 2011، نص كل من منشور الوزير الأول الصادر بتاريخ 11 دجنبر 1998، ومنشور الوزير الأول الصادر بتاريخ 22 أبريل 2008، صراحة على “إلزامية استعمال اللغة العربية في جميع المراسلات بين الإدارات ومع المواطنين.

ويأتي استعمال الفرنسية في المراسلات الرسمية لعديد من الإدارات المغربية، في مخالفة صريحة للمنشور الصادر عن رئاسة الحكومة بتاريخ 30 أكتوبر 2018 والذي يلزم الإدارات العمومية والجماعات الترابية والمؤسسات العمومية  ‎ ‎‫بكل مرافقها، بضرورة استعمال اللغة العربية أو الأمازيغية أو هما معا، في جميع ‎ ‎‫تصرفاته وأعمالها وقراراتها ومراسلاتها.

وكانت الحكومة السابقة، ألزمت الوزراء وكتاب الدولة والمندوبين السامين، باستعمال اللغة العربية أو اللغة الأمازيغية أو هما معا في جميع الإدارات العمومية والجماعات الترابية والمؤسسات العمومية بجميع مرافقها.

تجاهل الهوية

وسجل نور الدين مضيان رئيس الفريق الاستقلالي للوحدة والتعادلية أن العديد من الإدارات ‎ ‎‫والمؤسسات العمومية مصرة على تفضيل استعمال اللغة الفرنسية في العديد من‎ ‎‫مراسلاتها، آخرها تلك الموجهة من المكتب الوطني للسلامة الصحية للمنتجات الغذائية في إطار التوعية ووقف بيع منتوج البطيخ) والتي تم‎ ‎‫تحريرها من غير اللغة الرسمية للمغاربة، في تجاوز واضح للمقتضيات الدستورية،‎‫ والتي تقضي صراحة بوجود لغتين رسميتين للدولة فقط، هما العربية والأمازيغية.

ولفت مضيان ضمن سؤال كتابي وجهه إلى رئيس الحكومة عزيز أخنوش، أن هاته المراسلة تتوخى توجيه وتحذير المستهلكين، ولكن بأي لغة تواصلية‎ ‎‫ مع المواطنين بمختلف شرائحهم؟ قبل أن يستدرك “إنه للأسف الشديد، وبكل بساطة تجاهل لهوية المواطن‎ ‎‫المغربي ولغتيه الرسميتين”.

فؤاد بوعلي رئيس الائتلاف الوطني من أجل اللغة العربية، أكد أن التواصل باللغة الفرنسية من طرف المسؤولين الحكوميين وصل إلى مستوى “لا يمكن القبول به أو تبريره”، لافتا إلى أنه مؤخرا طلعت إحدى المؤسسات الرسمية بمنشور ( في إشارة إلى دورية وزير الصحة المتعلقة بتدابير الوقاية من المتحور الجديد لكورونا) موجه لمواطنين مغاربة في المغرب بلغة فرنسا.

هيمنة الفرنسية

وتزامناً مع تواتر تهميش مراسلات رسمية للغة العربية مقابل هيمنة استعمال الفرنسية في عز الأزمة الصامتة بين الرباط وباريس، شدد بوعلي ضمن تصريح لـ “مدار21” على أنه لا يمكن قبول تجاهل وإقصاء اللغة الرسمية للمغرب من طرف المسؤولين الحكوميين الذين يفترض فيهم التطبيق العملي للدستور بدل الإمعان في خرقه.

وذكر بوعلي في هذا الصدد، بالجلسات الرسمية التي عقدت بين مسؤولين حكوميين مغاربة لمناقشة قضية تهم المغاربة وتستخدم فيه لغة غريبة عن المغاربة، وزاد مستنكرا: “الأنكى أن هؤلاء يستعملون لغة دولة تنافسنا في مجالنا الاستراتيجي وتحاربنا علانية في مصالحنا”.

وتابع متسائلا: ” فكيف تريد ممن يفكر ويتواصل بلغة الغير أن يدافع عنك ضد هذا الغير؟  قبل أن يستدرك: قد يبحث المؤيدون لهذه الحكومة عن حجج لتبرير هذه السلوكات لكن الأكيد أن معجم المبررات لن يسعفهم للدفاع عن أخطاء تبين عدم وعي المسؤولين عن تدبير الشأن العام بأهمية استعمال اللغة الرسمية في السيادة الوطنية”.

ويرى رئيس الفريق الاستقلالي نور الدين مضيان، أن إصرار العديد من المسؤولين وتماديهم في استعمال ‎ ‎‫اللغة الفرنسية وتغييب اللغتين الدستوريتين لبلادنا، “يشكل في حد ذاته خللا في التواصل‎ ‎‫ين الإدارة والمرتفقين.”

السيادة الوطنية

ودعا مضيان رئيس الحكومة، إلى إلزام استعمال اللغة العربية كلغة‎ ‎‫ رسمية من قبل الإدارات والمؤسسات العمومية، مسجلا أن هذا الاستعمال لم يعد يجد أساسه ‎ فقط في مقتضيات الفصل الخامس من الدستور، وإنما أيضا في الحكم القضائي الصادر عن‎ إدارية الرباط بعدم مشروعية استعمال اللغة الفرنسية من قبل الإدارة المغربية، والذي قضت محكمة‎ الاستئناف بتأييده‎.

ويرى رئيس الائتلاف الوطني من أجل اللغة العربية، أن استعمال اللغة الرسمية لا يتوقف عند حدود الاستقلال السياسي والاقتصادي، ومفردات القانون والحدود، بل إن المدخل الثقافي ـــ اللغوي هو التعبير الرمزي والفكري عن هذا الاستقلال، مجددا مطالب الائتلاف بوضع حد لما أسماها بـ”الفوضى اللغوية”، من خلال سياسة لغوية وهوياتية واضحة المعالم تحفظ للغة الرسمية مكانتها التداولية والاعتبارية”.

وسجل بو علي أن هذه “الفوضى” تجد تمثلها الأكبر “في هذه الممارسات التي يقترفها أناس من المفروض أنهم وضعوا في مكانهم لحماية الدستور وتنفيذه”، مشددا على من أن أهم معالم ذلك، الحرص على التمكين للغة الوطنية وحماية هوية المغاربة، قبل أن يضيف “لكن الذي يقع مع كامل الأسف عكس ذلك بالمطلق”.

وأشار رئيس الائتلاف الوطني من أجل اللغة العربية إلى أنه “يكفي أن تطالع الصفحات الرسمية لرئاسة الحكومة في منصات التواصل الاجتماعي فستجد اللغة المستعملة فرنسية أو عامية”، مردفا “وهذا يعني أن المقصود هو تهميش وتحجيم اللغة العربية.. وهذه هي القصة باختصار”.

عن موقع مدار 21

قد يعجبك ايضا المزيد عن المؤلف

تعليقات