رؤية الائتلاف: لمشروع القانون التنظيمي للمجلس الوطني للغات والثقافة المغربية

1٬151

ما نخشاه هو أن نُخلف الموعد مرة أخرى مع التاريخ.

” قراءة في مشروع القانون التنظيمي للمجلس الوطني للغات والثقافة المغربية”

الأربعاء  05 يوليوز 2017م بمجلس المستشارين

 حضرات السادة والسيدات،

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته،

يسعدني في البداية باسم الائتلاف الوطني من اجل اللغة العربية مؤسساتِ وشخصياتِ وجمعياتِ أن أتوجه بالشكر الجزيل للإخوة في فريق العدالة والتنمية على فتح هذا المجال للتداول في مشروع قانون المجلس الوطني للغات والثقافة المغربية، وعلى الشراكة الرائدة مع المجتمع المدني بغية قراءة واقعية لمشروع وضع لإنهاء الاختلالات التي تطبع قضايا الهوية والثقافة بالمغرب، ولأننا نؤمن بأن قضايا الهوية وما يتناسل منها من إشكالات، ليست شأنا مؤسساتيا محضا بل هي قضية مجتمع، وعلاج مظاهر التجاذب والاختلال ينبغي أن تكون بمشاركة الفعاليات الحية للمجتمع قبل مؤسسات الدولة التي من المفروض أن تأخذ مخرجات النقاش الهوياتي وليس رسمه. لذلك آمن الائتلاف الوطني من أجل اللغة العربية منذ انطلاقته بالمشترك المغربي وبقيمة الوحدة والائتلاف ضد قيم الاستئصال والتشظي وعمل منذ أن كان فكرة على تشبيك كل المؤمنين بجوهرية العربية في الانتماء الوطني الواحد المتعدد. ومن ثمة كان الائتلاف الوطني من أجل اللغة العربية من أولى الهيئات المدنية، ومنذ تعيين الحكومة السابقة، التي قدمت للهيئات المعنية (رئاسة الحكومة، مجلسي النواب والمستشارين، وزارة الثقافة…) مذكرة تتضمن تصوره لهيئات المجلس وصلاحياته وفق المقاربة الدستورية الجديدة، وبعد مشاركته في الاستشارات العديدة التي نظمتها وزارة الثقافة “عينت” لجنة لصياغة مشروع القانون أقصي الائتلاف، بمعنى إقصاء هيئة تضم أكثر من مائتي مؤسسة وجمعية مدنية وحثية، بالرغم من أنه كان من أوائل الهيئات المشاركة في لائحة الوزارة. وبالرغم من ذلك شارك الائتلاف بإيجابية في الاستشارات التي عقدتها اللجنة  كممثل وحيد عن اللغة العربية بحضور هيئات متعددة ممثلة للغات وثقافات أخرى. كل هذا لنقول بأن الخلل لا يكون فجائيا بقدر ما يكون هيكليا.

فمن المعروف أن مجالس الحكامة، وبالرغم من الطابع الاستشاري ، فإنها تعتبر إطارا مؤسساتيا يندرج ضمن آليات توسيع المشاركة وإفساح المجال للمجتمع من أجل المشاركة في تدبير الشأن العمومي، فضلا عن ذلك فإن هذا النوع من المؤسسات من المفترض أن يوفر مناخا للحوار والتداول في قضايا مفصلية ويساهم بشكل فعال في إنضاج القرارات الإستراتيجية ذات الصلة بمجالات اختصاصاته. لذا يمكن أن نلاحظ على المشروع الذي بين أيدينا العديد من الملاحظات: لكن في البداية ومن باب الإنصاف ينبغي أن نؤكد بأن نص المشروع تضمن إيجابيات عديدة ينبغي الإشادة بها، بل يمكن القول ومن خلال حضورنا ومتابعتنا لأشغال اللجنة، أن النص الذي بين أيدينا أفضل مما كان يطبخ في دواليب اللجنة خاصة في التعامل مع العبرية والفرنسية. ويمكن أن نقارن بين خطاب رئيس اللجنة في افتتاح اللقاء التشاوري والنص لنلاحظ الفرق وتميز الأخير.

1 ـــ هوية المجلس توافقية:

فيما يخص قراءة المشروع وعلاقته بالفصل الخامس للدستور، نتصور أن هوية المجلس الوطني للغات والثقافة المغربية كهيئة دستورية من مخرجات الديمقراطية التشاركية والتوافق الوطني الذي ساد صياغة النص الدستوري، ومن ثمة فهو ينبغي أن يكون توافقيا، بين الأطياف الهوياتية والسياسية وليس قانونا يفرض على المجتمع.

2 ــ غاية المجلس التنسيق والحماية:  ما دور المجلس؟ وما غرض المشرع بالنص على هذا المجلس؟ هل هو إحساس دفين بالحاجة إلى توزيع تكاملي بين اللغات والمكونات الثقافية الأخرى أم هو حل لمعضلة اجتماعية بدأت تفرض نفسها على المجتمع وتهدد تماسكه الاجتماعي وتغدو مع الوقت مشكلة سياسية؟

  • إن وعي المشرع بالفوضى اللغوية/الهوياتية التي عاشها المغرب منذ الاستقلال ومازالت آثارها بادية في الواقع اللساني، يبدو أنه المفسر الأساس للتنصيص الدستوري على المؤسسة. ففي هذا الواقع كان من المفروض إنشاء هيئة لغوية عليا تهتم بالتوزيع الوظيفي للغات في المغرب وتجيب عن إشكالات لغوية بحتة فشل المجلس الأعلى للتعليم في 2010في الخروج من ندوته حول”تدريس اللغات وتعلمها“برؤية استراتيجية للمستقبل اللغوي للمغاربة. فالفكرة جميلة إن قصد بها ضبط الفوضى اللغوية والصراعات الهوياتية من خلال فتح حوار حقيقي وجدي وعلمي يروم التنسيق بين الكيانات اللسانية والتوزيع العادل لها بشكل يجنبنا التجاذب والصراع الذي لن يستفيد منه المغربي التائه بين واقع هيمنة اللغات الأجنبية وحديث عن لغات الهوية.
  • وكان النص الدستوري أكثر وضوحا حين جعل أهم وظائفه السهر على”انسجام السياسة اللغوية والثقافية الوطنية”. لذلك أتى النص واضحا في تحديد مكوناته التي هي” كل المؤسسات المعنية بهذهالمجالات، ويحدد قانون تنظيمي صلاحياته وتركيبته وكيفيات سيره”. وهو إحساس بضرورة إشراك الأكاديميين والمؤسسات المختصة في المجال الثقافي واللغوي. قد لا نحتاج لتأويل النص الدستوري لنفهم أن الأمر محاولة لخلق نوع من التوازن بين كل الكيانات اللسانية. وإذا كان الأمر معقولا فيما يخص اللغات الوطنية وتدبير مجالها الاستعمالي، فإن إدماج اللهجات قد يزيد من التشرذم الهوياتي. والتجارب العالمية تشهد بأن المقصود بالضبط اللساني من خلال إنشاء مجلس وطني أو أعلى ليس اللهجات وإنما اللغات الوطنية الناشئة عن تكوين الدولة السياسي والإثني.

لهذه الاعتبارات يمكن التأكيد أن صياغة المشروع قد أخلت بجملة من المبادئ المؤسسة للنص الدستوري ولسياق التنصيص عليها ولروح التوافق الوطني التي حكمت دستور 2011:

1ـ تغييب متعمد للمجتمع المدني وانحراف في المقصد الرئيس من المجلس:إن وجود هذه المؤسسة هو استجابة لإشكالات التجاذب الهوياتي التي يعيشها المجتمع المغربي والتي تؤذن بالتشظي الهوياتي. فأهم وظائفه هو الجدولة الوظيفية للغات وتحديد المجالات الاستعمالية لكل مكون لسني. لكن الأهم هو جعل المؤسسة فضاء للنقاش والتواصل بين الفرقاء الهوياتيين وهو ما لن يتحقق في التشكيلة المقترحة. فجعل المؤسسة تجميعا لمؤسسات مختلفة يغيب فاعلا رئيسا في النقاش الهوياتي هو المجتمع المدني الذي حوصر من خلال الحصص الممنوحة له.

 فالبادي أن الذي شغل ذهن واضعي النص هو تحجيم دور المجتمع المدني الذي له إسهام كبير في النقاش العمومي، بل هو العامل الرئيس وراء حضور المؤسسة في النص الدستوري. ومن ثمة سنكون أمام مؤسسة تنضاف إلى المؤسسات الأخرى دون أثر حقيقي في الواقع المجتمعي. كما أن الطاغي على المجتمع المدني المنتقى في المشروع هو الجانب البحثي، مما يعيد السؤال حول هوية المجلس هل هي بحثية علمية أم هي مؤسسة جامعة للنقاش المجتمعي؟. كما أن غياب تمثيلية حقيقية للمجتمع المدني سيدفع إلى اجترار التجاذب الهوياتي بإشكالاته ومخاطره دون تأثير لوجود المجلس من عدمه.

2 ـــثنائيات ملغومة، لغة رسمية/ لهجة، لغة وطنية / لغة أجنبية، الثقافة الوطنية/ التعبيرات الثقافية: حين الحديث عن وظائف المجلس يشير الدستور إلى “حماية وتنمية اللغات العربية والأمازيغية، ومختلف التعبيرات الثقافية المغربية، تراثا وإبداعا أصيلا”. لكن البنية التنظيمية لمشروع القانون تتحدث عن خمس مؤسسات لها نفس الوجود الاعتباري والمادي تشكل العمود الفقري للمجلس وهي: أكاديمية محمد السادس للغة العربية، والمعهد الملكي للثقافة الأمازيغية، الهيئة الخاصة بالحسانية واللهجات والتعبيرات الثقافية المغربية، والهيئة الخاصة بالتنمية الثقافية وحفظ التراث، والهيئة الخاصة بتنمية استعمال اللغات الأجنبية.  لذا نعتقد أن المساواة في التنظيم تعني المساواة في الفضاء الاستعمالي.

أ ــ التعبيرات الثقافية مكون رئيس في اللغة العربية: لعل وجود هيئة خاصة بالحسانية والتعبيرات الثقافية الأخرى يطرح إشكالات حقيقية حول المقصود بها. فالمعروف أن الحسانية واللهجات المختلفة هي بنات شرعية للغة العربية التي تضمها باعتبارها استعمالات عامية للعربية، وليست لغات مستقلة. فهل هذا انتصار للداعين “للغة المغربية” وفرض اللهجات في التعليم والإدارة؟ فالتجارب العالمية تشهد بأن المقصود بالضبط اللساني من خلال إنشاء مجلس وطني أو أعلى ليس اللهجات وإنما اللغات الوطنية الناشئة عن تكوين الدولة السياسي والإثني. لكن مشروع القانون يصر على عدم التوقف عند اللغات الرسمية ليدرج اللهجات المختلفة مما “يلغم” النقاش ويفتحه على احتمالات عديدة.

ب ــ ما علاقة مجلس وطني باللغات الأجنبية؟. إن تخصيص هيئة مستقلة للغات الأجنبية يعني أن الأمر أعمق من مجرد تطبيق لمفهوم الانفتاح أو اللغات الأكثر تداولا كما نص الدستور، ولكن الأمر يتعلق بمحاولة وطننة الفرنسية كما تم تداوله في لجنة الصياغة وفي الاستشارات التي حضرها الائتلاف من خلال استعمال لفظ المغربية لوصف الثقافة وليس اللغات. فقد دعت بعض الأطراف إلى اعتبار الفرنسية لغة وطنية حتى يصدق على المجلس وسمه بالمجلس الوطني للغات والثقافةالمغربية ، في تفسير أن النعت هنا يعود على اللغات والثقافة في آن واحد. لذا نعتقد أن وجود الهيئة التفاف على الدستور وفرض للغة الأجنبية في دواليب التخطيط اللغوي. فالمجال الوحيد لتدبير حضور اللغات الأجنبية هو المجال التربوي من خلال المجلس الأعلى للتربية والتكوين والبحث العلمي الذي حسم في خطته الاستراتيجية الأمر والتي يتم الالتفاف عليها الآن.

ج ـــ وجود هيئتين تختصان بالمسألة الثقافية يلف النص بغموض بين. ويتعلق الأمر بإحداث الهيئة الخاصة بالحسانية واللهجات والتعبيرات الثقافية المغربية، والهيئة الخاصة بالتنمية الثقافية وحفظ التراث. فما المقصود بالتعبيرات الثقافية الأخرى إذن؟ إنه التفاف آخر من لجنة الصياغة، التي دار داخلها نفاش محتدم حضرنا بعض جولاته، بغية إدراج العبرية لغة مغربية. فالمفروض أن تكون هناك هيئة خاصة بالتنمية الثقافية تهتم بالتعبيرات الرمزية للثقافة المغربية وتنميتها، وليس تخصيص هيئة للتعبيرات الثقافية لنجد أنفسنا امام مسار تطبيعي مع العبرية بعد أن تدوول اعتراف الدستور بالدياسبورا المغربية في “الكيان الصهيوني”.

3 ــالإدماج المؤسساتي : لعل إدماج أكاديمية محمد السادس للغة العربية والمعهد الملكي للثقافة الأمازيغية في بنية المجلس ومساواتهما بباقي الهيئات الأخرى يحتاج إلى مراجعة. فمنذ أن بشر الميثاق الوطني للتربية والتكوين بإحداثها في بحر موسم 2000-2001 وأعناق المهتمين مشرئبة نحو هذه المؤسسة التي من المنتظر أن تعد إطارا مرجعيا يهتم بالعربية وينسق بين مختلف الباحثين في الشأن اللغوي ويمثل لغة الضاد في الهيئات المختصة وطنيا ودوليا. لذا فأهم مداخل الإصلاح اللغوي هو أجراة أكاديمية اللغة العربية وتوفير الإطار القانوني والمالي والبشري لنجاحها. لكن الصيغة التي وردت في مشروع القانون تفرغ الظهير المؤسس من فحواه بعد أن عطلت أجرأتها لأزيد من عقد من الزمن ودون أن تمنح لها إمكانية الوجود. فوجودها بصلاحيات مقلصة وبمساواة بغيرها من المؤسسات يجعلها غير قادرة على العمل العلمي الجاد المنوط بمؤسسة للغة الرسمية. ووجود المؤسسة باستقلالية يمنحها إمكانيات الاشتغال العلمي والبحثي. لأن دور المجلس ليس البحث العلمي وإنما التنسيق مع المؤسسات العلمية. وما قلناه عن الأكاديمية يصدق على المعهد الملكي للثقافة الأمازيغية الذي قطع اشواطا مهمة في  تأهيل اللغة الأمازيغية.

4 ــ موقع الثقافة العربية في المجلس: كل الاختصاصات المخولة لأكاديمية محمد السادس تنحصر في البحث اللغوي، في تغييب تام لحضور الثقافة العربية، عكس الاختصاصات الممنوحة للمعهد الملكي للثقافة  الأمازيغية وباقي الهيئات. لذا فالأصل أن تغدو الأكاديمية عنوان الانتماء العربي الإسلامي للمغربي بحمولته الثقافية والحضارية، كأحد أبعاد الهوية الوطنية الواردة في الدستور.

5ـــ  غياب المؤسسات الدينية والمؤسسات المهتمة بمغاربة العالم: من حيث المؤسسات الممثلة في المجلس نلاحظ غياب حضور المؤسسات الدينية التي يمثل وجودها قيمة مضافة للمجال اللغوي.

باختصار، إن المشروع المقترح لا يروم التأسيس لفضاء مجتمعي جديد يوازي الصبغة التوافقية التي بني عليه النص الدستوري، وإنما يريد إفراغ هذه المؤسسة من كل إمكانيات التأثير في النقاش العمومي وجعلها مجرد هيئة للاقتراح العلمي، مما سيجعلنا أمام تجاذب هوياتي آخر ويؤجل الحسم في قضايا الهوية واللغة إلى أجل غير معلن.

قد يعجبك ايضا المزيد عن المؤلف

تعليقات