خبراء يدقّقون في عالميّة اللغة العربية وخلودها وعلاقتها بالهوية

604

عبد الواحد استيتو من طنجة

في إطار الاحتفال باليوم العالمي للغة العربية، نظمت مبادرة “القراءة للجميع”، بشراكة مع فرع طنجة من الجمعية المغربية لحماية اللغة العربية، بنادي ابن بطوطة الثقافي في “عاضمة البوغاز”، لقاء ثقافيا تناول موضوعيْ “اللغة العربية من العالمية إلى الخلود” و”اللغة والهوية”.

وفي هذا الصدد، استحضر عبد اللطيف الوهابي الباحث في علم اللسانيات والثقافة الشعبية، في مداخلته، اللحظات التاريخية التي وصلت فيها اللغة العربية إلى العالمية، موضحا أن الفترة الأولى كانت منذ 40 قرنا، عندما هاجرت أقوام عربية كالأكّاديين والأشوريين والبابليين والفينيقيين، من موطنها الأول، لظروف مختلفة على رأسها قساوة المناخ، لتنتقل إلى مواطن أخرى، وتنقل معها لغتها بالتالي.

أما الفترة الثانية، يضيف المتحدث، فهي مرحلة الفتوحات الإسلامية في العهد الأموي، والتي وصلت أصقاعا بعيدة واسعة من حيث المساحة وكثرة السكان، خولت لها الاتصال المباشر مع جميع اللغات التي كانت قبلها، باسطةً هيمنتها عليها لعدة أسباب؛ على رأسها العامل الديني، حيث كان همّ الشعوب التي دخلت في الإسلام تعلّم اللغة لإقامة شعائر الدين وتلاوة كتاب الله.

وأضاف الوهابي أن العامل الثاني لهذه الهيمنة كان حضاريا بامتياز، حيث إن اللغة العربية جاءت تحمل معها فكرا جديدا غيّر وجه الكرة الأرضية آنذاك، لأن العرب في تعاملهم مع باقي الشعوب أعطوا الدليل على عظمة الأمة بسلوكهم الحضاري بعد أن غيّر الإسلام جاهليتهم إلى حضارة وإنسانية.

وواصل المتحدث سرده لمراحل انتشار اللغة العربية معتبرا أن العهد العباسي كان ثالث هذه المراحل، بسبب النهضة العلمية الرهيبة التي حدثت آنذاك بعد أن بلغ الإنتاج العلمي أوجه، فكان لزاما على كل شخص يريد الدخول في خانة العلماء تعلم اللغة العربية، لأن العلوم كانت عربية أو تم تعريبها، بحسب الوهابي دائما.

أما عن المقومات التي تسمح للغة العربية بأن تكون عالمية، فلخصها المتحدث في كون عدد متحدثيها يبلغ 400 مليون شخص، بمن فيهم الأجانب الذين تعلموها لأسباب دينية، وكذا كونها لغة رسمية في الأمم المتحدة، كما أنها رابع لغة عالمية، إضافة إلى صمودها رغم النكسات والمؤامرات، وأخيرا وجود إنتاج فكري محترم في الساحة العالمية باللغة العربية، مؤكدا أنها خالدة بخلود كتاب الله وبحفظ الله له، حيث “لا يمكن أن نفرق بين القرآن واللغة العربية”.

من جانبه، أكد الدكتور محمد نافع العشيري، رئيس فرع طنجة للجمعية المغربية لحماية اللغة العربية، أن مسألة الهوية عموما ظهرت بقوة مؤخرا نتيجة ظاهرة العولمة المهدِّدة لانقراض الهويات، والساعية إلى نمط عالمي تفرض فيه الثقافات الكبرى نفسها على ثقافات أصغر وأضعف، مما جعل مسألة الهوية تصبح مطلبا حقوقيا واجتماعيا ملحّا.

وعن تدخل اللغة في تشكيل الهوية، قال العشيري إن علماء النفس أشاروا إلى أن مفهوم “الأنا” لا يبدأ عند الطفل إلا بتعلمه لنسق الضمائر، وعلى رأسها قوله “أنا” حين يبدأ الإحساس بذاته، كما أنها، بحسب العشيري دائما، هي التي تحدد الأدوار الاجتماعية وتوزعها داخل الأسرة والمجتمع، “فالأب يقول عبارات ليس من حق الابن استعمالها، وهكذا”.

وأضاف العشيري أن اللغة هي التي تخلق التعاطف الروحي الذي هو جوهر الهوية الجماعية، مشيرا إلى نظرية “البوليفوني” التي تحدث عنها “ديبو”، والتي “تعني أن المتكلم يتلفظ بأصوات متعددة بما فيها صوت المخاطَب، وصوته هو وصوت الجهة التي يمثلها، وهكذا”.

وختم المتحدث مداخلته بما اعتبره نقطة متفرّدة للغة العربية، وهي أن من يتعلم اللغة العربية يكتسب معها رؤيا مختلفة عن العالم، نظرا لحمولتها الكبيرة ولخصائصها التركيبية والنحوية، بل وحتى مخارج حروفها.

قد يعجبك ايضا المزيد عن المؤلف

تعليقات