المهرولون.. فؤاد بوعلي

1٬072

ما تُفيدُ الهرولَةْ؟

ما تُفيدُ الهَرولة؟

عندما يبقى ضميرُ الشَعبِ حيَّاً

كفَتيلِ القنبلة

نزار قباني

فؤاد بوعلي

قد تبدو الرسالة القوية والثاقبة لرئيس النيابة العامة محمد عبد النباوي في افتتاح أشغال المؤتمر الـ30 لجمعية هيئات المحامين بالمغرب يوم 18أبريل 2019 حين ربط بين  تعريب القضاء سنة 1965 واستكمال السيادة الوطنية في مجال العدل، استثناء في مسار ميسمه الأساس هو سُعَار أصاب مؤسسات الدولة ونخبتها المتسيدة للقرار لمحاولة تأبيد الفرنسة في الواقعين التربوي والسياسي، بعد أن مُكِّن لها في الإعلام والاقتصاد والثقافة. وقد يصعب الاقتناع أن ما يحدث الآن يندرج في الدائرة السيادية للمغرب خاصة مع تدخلات المسؤولين عن المنظمات الفرنكفونية والمراكز الثقافية الفرنسية وتشابه الحالة الوطنية مع نظيرتها في الجوار الإقليمي. إذ لا نعتقد أن المغرب عاش في يوم من الأيام، منذ الاستقلال، هذه الهرولة المكشوفة نحو التمكين للغة موليير، من أجل الوصول إلى “جعل المغرب منطقة مضمونة سياسيـًّا واقتصاديـًّا لصالح الامتيازات الفرنسية واستمرارها ضمن منطق الهيمنة المنتصرة اليوم؛ فمن ينطق بالفرنسية يشتري ما هو فرنسي” حسب تعبير محمد بنيس. ولعل الصورة الأبرز هي دخول مؤسسات الدولة المغربية، الممولة من طرف دافعي الضرائب المغاربة، الذين صوتوا على دستور يمنحهم سيادة لغوية وأمن هوياتي، على خط النقاش التربوي لتخرج عن وظائفها الدستورية ويعمد مسؤولوها إلى التبشير بأهمية التمكين للفرنسية في الفضاء الثقافي المغربي. فبعيدا عن خرجات وزير التعليم المتكررة والمجترة لنفس الحجج اللاعقلانية واللاتربوية والتي لم تعد تقنع موظفي وزارته، فالأحرى إقناع المواطنين، يبدو أن العقل المحرك لمسار الهرولة بأكمله قد أحس بضغط رهيب نتيجة المقاومة الشعبية البادية في وسائل التواصل الاجتماعي واللقاءات العلمية المتكررة وانتقال النقاش إلى فعل مدني مقاوم عابر للتيارات والأحزاب والإيديولوجيات بدأت ملامحه تبدو للعيان، فبدأ في تحريك المؤسسات العمومية التي يفترض فيها التفكير للمغاربة ومستقبلهم والحفاظ على قيمهم وذاكرتهم بدل الانخراط في الانقلاب على قوانين مشتركهم الجمعي. فدون انتظار مخرجات النقاش البرلماني شرعت مديريات التعليم في توقيع المذكرات التي تشرعن الانتقال نحو الفرنسة في هرولة نحو إثبات الولاء للمسار، خاصة بعد تسويق الوهم بأن الأمر يتعلق بقرار سيادي فوقي !!!.والذي يوهمبالانطباع نفسه هو انخراط أكاديمية المملكة المغربية في المنافحة عن الفرنسة من خلال الاحتفاء بمضي ثلاثين سنة على اعتماد خيار الباكالوريا المسماة عنوة “دولية” بلقاء حول موضوع “عربي، فرنسي: طموح مشترك“. وهي فرصة منحت لوزير التعليم للمزيد من التعبئة لمساره المرفوض، ولأمين سر الأكاديمية لتفسير المسار بالتعددية اللغوية والانفتاح على اللغة الفرنسية. وليست المرة الأولى التي تعمل الأكاديمية في شكلها الجديد، باعتبارها أرقى مؤسسة علمية في المملكة، نحو الارتماء في أحضان الثقافة الفرنسية، والتبشير بصناعة جديدة لقيم المغاربة وتاريخهم.لكن المثال الذي يبدو واضحا في مسار الهرولة باسم المؤسسة هو التصريح الذي نشرته إحدى الصحف الناطقة بالفرنسية للسيد جامع بيضا، موقَّعًا بصفته مديرا لأرشيف المغرب، ينافح فيه عن لغة موليير وعن التدريس بها. بل جعل من صفحته على الفايسبوك فضاء للدعوة واقتناص كل من يساندها مما يخرجه عن رشد المسؤولية إلى المشاركة في النقاش العمومي ومحاولة التأثير فيه عبر منصبه المؤسساتي. فكيف استطاع هذا المسؤول استغلال منصبه في الترويج والاصطفاف ضد الدستور بمزاعم أقل ما يقال عنها أنها “شعبوية”؟ ومن الذي أباح له الحديث بصفته ومسؤوليته في قضية بعيدة عن مهمته هي لغة التدريس والتوقيع بصفته المؤسساتية؟ أم هي حرب المواقع في المغرب التي انطلقت بغية جعل المؤسسات العمومية، التي من المفروض أن تكون فضاء للمشترك الوطني، لتصبح فضاء للتجاذب والتأثير في مسار التشريع وعمل المؤسسات الدستورية؟ أم هي طبيعة الهرولة التي تحاول إثبات الولاء وجعل المؤسسة في خدمة الخارج؟

كثيرة هي الأقلام والكيانات الوظيفية، التي سجلت اسمها في مسار الهرولة، باسم البرغماتية تارة، وتارة أخرى باسم الانفتاح، لكن أن يصل الأمر إلى انخراط مؤسسات رسمية في الدفاع عن أطروحة الفرنسة فهذا يعني أننا أمام سُعار أصاب النخبة المتسيدة للقرار، أو ما سمته إحدى الباحثات التونسيات “بأيتام فرنسا”، لمحاولة تأبيد الوجود الفرنسي في الواقع المغربي بشكل يقطع مع مسار المزايلة الذي نافحته عنه الحركة الوطنية ورموز دولة الاستقلال.

قد يعجبك ايضا المزيد عن المؤلف

تعليقات