«المازني».. ودع الحياة بابتسامة: سمية أحمد
لو كان إنسان يستطيع أن يعرف نفسه معرفتها، لكنت أنا خليقًا بذلك، فما أنفك أدير عيني فيها وأحاول أن أغوص إلى أعماقها. ولكنه مطلب عسير، وأعترف أني كثيرًا ما أفاجأ من نفسي بألغاز تحيرني وتهدم كل ما بنيته من الآراء والنظريات، ومع كثرة الإخفاق وتواليه لا أزال أعتقد أن كل إنسان صورة من غيره، فمن عرف نفسه، فقد عرف الناس جميعًا. ولكنه مثال بعيد كما قلت، غير أن مطلبه على بعده جميل فاتن، وقد صار هذا نهجي في الوصول إلى المعرفة، وهو ليس بأشق ولا بأيسر وأسهل من نهج سواي. ولكل امرئ سبيله، وإذا كانت سبيلي تنأى بي عن الناس، فإنهم معي وفي قلبي، ألم يقل الشاعر: “وفيك انطوى العالم الأكبر”.تلك الكلمات وردت في كتاب أحاديث المازني، وهو عبارة عن مجموعة من الأحاديث الإذاعية الممتعة والمشوقة التي ألقاها المازني على مسامع الناس عبر الأثير، والتي تحل اليوم الأول من أغسطس ذكرى رحيله وميلاده، فقد شاءت المصادفات أن يكون تاريخ مولد المازني هو نفس تاريخ وفاته فقد إبراهيم عبد القادر المازني ولد يوم ١٠ أغسطس عام ١٨٨٩، وتوفي في نفس اليوم من أغسطس عام ١٩٤٩. عرف المازني بأنه الساخر الذي لم يرهب الموت بل ودع الحياة بنفس الابتسامة التي واجه بها الحياة، فقد تميز بأسلوبه المتفرد، وخلف وراءه عشرات المؤلفات التي أسهمت في تشكيل الوجدان، فهو شاعر وروائي ومفكر وكاتب مصري، ويعد من أحد رواد النهضة الأدبية العربية خلال العصر الحديث. حيث استطاع المازني أن يجد لنفسه مكانًا متميزًا بن أقطاب مفكري عصره، وعمل على تأسيس “مدرسة الديوان” مع أقرانه عباس العقاد، وعبد الرحمن شكري، والتي قدمت العديد من المفاهيم والأدبية والنقدية الجديدة. ولد “إبراهيم محمد عبد القادر المازني” في القاهرة عام ١٨٩٠م، ويرجع أصله إلى قرية “كوم مازن” بمحافظة المنوفية. تخرج من مدرسة المعلمين عام ١٩٠٩م، وعمل بالتدريس لكنه ما لبث أن تركه ليعمل بالصحافة، حيث عمل بجريدة الأخبار، وجريدة السياسة الأسبوعية، وجريدة البلاغ، بالإضافة إلى صحف أخرى، كما انتخب عضوًا في كل من مجمع اللغة العربية بالقاهرة والمجمع العلمي العربي بدمشق، وساعده دخوله إلى عالم الصحافة على انتشار كتاباته ومقالاته بين الناس.بدأ حياته الأدبية في كتابة ونظم الشعر، إلا أنه اتجه بعد ذلك إلى الكتابة النثرية واستغرق فيها، فقدم تراثًا غزيرًا من المقالات والقصص والروايات، وعرف بأنه ناقدًا متميزًا، ومترجمًا بارعًا، فترجم من الإنجليزية إلى العربية العديد من الأعمال كالأشعار والروايات والقصص، وقال العقاد عنه: “إنني لم أعرف فيما عرفت من ترجمات للنظم والنثر أديبًا واحدًا يفوق المازني في الترجمة من لغة إلى لغة شعرًا ونثرًا.”وتميز أسلوبه سواء في الكتابة الأدبية أو الشعرية بالسخرية اللاذعة والفكاهة، واتسم بالسلاسة والابتعاد عن التكلف، كما تميزت موضوعاته بالعمق الذي يدل على سعة اطلاعه، ولا ريب في ذلك؛ فقد شملت قراءاته العديد من كتب الأدب العربي القديم، والأدب الإنجليزي أيضًا، بالإضافة إلى قراءته الواسعة في الكتب الفلسفية والاجتماعية. وعمد المازني في مدرسته الأدبية إلى وصف الحياة كما هي، دون إقامة معايير أخلاقية، فكان في بعض كتاباته خارجًا عن التقاليد والأعراف السائدة والمتداولة.قدم المازني العديد من الأعمال الشعرية والنثرية المميزة منها إبراهيم الكاتب، وإبراهيم الثاني – رواياتان، وأحاديث المازني- مجموعة مقالات،وحصاد الهشيم، وخيوط العنكبوت، وديوان المازني، ورحلة الحجاز، وصندوق الدنيا، وعود على بدء، وقبض الريح، والكتاب الأبيض، وقصة حياة، ومن النافذة،و الجديد في الأدب العربي بالاشتراك مع طه حسين وآخرين، وحديث الإذاعة بالاشتراك مع عباس محمود العقاد وآخرين.وله مجموعة من الكتب من بينها حصاد الهشيم “كتاب في النقد”، وقبض الريح، وصندوق الدنيا “كتاب في السياسة والاجتماع”، وخيوط العنكبوت، وإبراهيم الكاتب، وعود على البدء، وفي الطريق، وثلاثة رجال وامرأة، وقصة حياة.
البوابة
تعليقات