العنف المدرسي من منظور قيمي
أمين أمكاح – كاتب وباحث
ومن بين أبرز ما يعيق العمل التربوي والتعليمي والإداري في الوسط المدرسي تواجد التصرفات العنيفة والمواقف ذات الطبيعة العدوانية التي تستهدف كل من المتعلم والمدرس والإداري وتجاهل مثل هذه السلوكات وصرف النظر عنها بعدم معالجتها يضاعف من مخاطرها كثيرا.
وتفاعلا مع ما أثير حول ظاهرة العنف بالمدرسة المغربية في الآونة الأخيرة وفي خضم الواقع القيمي القائم والذي يُظهر بشكل كبير مدى تخلخل وظيفة مدرسة اليوم وضعف مردودها التربوي، وإنه لمن المؤسف جدا أن يجد العنف مرتعا له بين جدران المدرسة وفي عمق المؤسسات التربوية، وما ذلك إلا انعكاس لوجود أزمة قيمية حادة، وهذا مؤشر حقيقي على وجود اضطراب في هذه المؤسسة لعدم قيام المدرسة بمهامها التربوية المنوطة بها على الوجه المطلوب
وهذا الواقع السائد في الوسط المدرسي يعكس أزمة قيمية داخل المنظومة التربوية وداخل المجتمع ككل، والذي يغيب فيه أي تقويم للسلوكات السائدة بين مكوناته التي تحتاج أيضا لإعداد قيمي مستمر لتفرز لنا ثقافة مدرسية جديدة تفرض نفسها بنفسها شيئا فشيئا، فالمتعلم والمدرس والإداري في حاجة ماسة إلى إطار قيمي يساعدهم على فهم محيطهم، ولا يتم ذلك إلا من خلال استدماج القيم التربوية التي تؤسس لنسق سلوكي سوي ومتزن.
إن اتساع حجم مظاهر العنف المدرسي المسجل اليوم وتجاوزه العنف ذو البعد الواحد الممارس على المتعلم وحده إلى العنف الثلاثي الأبعاد أي الممارس على كل من المتعلم والمدرس والإداري سواء على شكل استفزاز أو إهانة أو تحرش أو ضرب إلى غير ذلك من الأشكال التي يتخذها العنف باعتباره سلوكا غير سوي يهدف إلى إلحاق الأذى والضرر بالآخر.
واستعمال العنف في الوسط المدرسي بصفة عامة يعني إلحاق الأذى بأعمدة هذه المؤسسة التربوية العتيدة بغية تحقيق غايات شخصية كانت أم جماعية، يعني أن هذا النوع من العنف قد يكون فرديا أو جماعيا، مباشرا أو غير مباشر.
ومما لا شك فيه أن العنف المدرسي هو نوع من الانحطاط في النظام القيمي ومكوناته، يبتدأ من عدم الحياء مرورا بالتهديد ثم الضرب وقد يصل إلى القتل، ويرجع ذلك بشكل كبير إلى إهمال الجانب القيمي في الوسط المدرسي أي قلة الأنشطة المدرسية ذات البعد القيمي أو غيابها التام، فالعنف المدرسي ظاهرة سلوكية منحرفة ناجمة عن انهيار في السلم القيمي وهي متكررة في الوسط المدرسي الذي تعرف فيه انتشارا لا يستهان به، ويبقى خطرها كبير جدا؛ لما يترتب عليها من آثار مدمرة للفرد وللمجتمع.
إن أية محاولة لتشخيص ومعالجة ظاهرة العنف المدرسي لن تأتي بثمارها المنتظرة إلا إذا تم دراسة تداعياتها وانعكاساتها من زوايا متعددة مما يعني ضرورة وجود مقاربة شمولية مندمجة لمعالجة هذه الظاهرة، وبالخصوص أنه جرت العادة في تناول العنف المدرسي ومعالجته إغفال البعد القيمي رغم كونه محورا أساسيا في العملية التربوية بالوسط المدرسي.
ينبغي الاهتمام بالتربية القيمية بالدرجة الأولى في الوسط المدرسي، لأنها تسعى إلى تكييف الفرد مع نسقق قيمي قويم يعكس تصورا فكريا سليما وممارسة سلوكية سوية
يتحدث الكثيرون عن ظاهرة العنف المدرسي كأنها وليدة اللحظة في حين أنها متغلغلة في منظومتنا التربوية منذ زمن طويل، إلا أن هذا الزمن الذي نعيشه فيه الآن يسهل فيه نقل هذه الظاهرة وتوثيقها ونشرها على نطاق واسع؛ بمعنى آخر أن ظاهرة العنف المدرسي في السابق كانت معزولة وذلك راجع لأسباب كثيرة أهمها:
– لم يكن العنف المدرسي يبلغ الآذان كثيرا ولم تكن أعين العامة تبصره على نطاق واسع.
– كان العنف المدرسي يتوارى خلف العقوبة المبالغة فيه والتي تعطى لمن أخطأ التصرف ولم يقم بما يجب به أن يكون.
– غياب وسائل الإعلام والتواصل في الزمن الماضي وإن وجدت فأداؤها ضعيف جدا.
– العلاقات المدرسية لم تكن تعرف تدهورا كبيرا كالذي تعرفه الآن بين كل من الإداري والمدرس والمتعلم.
– غياب المتابعة لكل من سطوة الإدارة في مهامها وتعسف المدرس في عمله وتقاعس المتعلم عن أداء واجباته.
كما أنه لم يعد للمدرسة الحظ الوافر من المساهمة في عملية التنمية السلوكية التي كانت تقوم بها إلى جانب الأسرة وباقي المؤسسات الموازية كوسائل الإعلام والتواصل والمجتمع من خلال تثبيت مجمل عناصر الإطار القيمي الذي يحتاجه الفرد لكي يتشرب القيم التربوية ويتطبع معها حفاظا على اتزانه السلوكي.
إضافة إلى ذلك نجد أن الكثير مما يعرض الآن من مواد سمعية بصرية في وسائل الإعلام مضمونها مليء بمظاهر العنف، والتي يوصف فيها العنف الممارس مرئيا على أنه من الشجاعة والبطولة التي يستحق الاقتداء به.
ولإنقاذ ما يمكن إنقاذه ينبغي:
* تجويد الحياة المدرسية قيميا ليصبح الوسط المدرسي قائما على القيم التربوية التي تروم إلى الإصلاح والتهذيب في المرتبة الأولى، أي أن حضور هذا النوع من القيم أمر ضروري لتسهيل عملية الاندماج الفعال في الحياة المدرسية بصفة خاصة وفي المجتمع بصفة عامة، لأن بهذه القيم تمتلك القدرة على ضبط التصرفات والأفعال.
* ضرورة عمل الوزارة الوصية على المنظومة التربوية على بلورة إطار قيمي تزيلي يتجاوز الحلول الترقيعية المؤقتة، والتي تضع فقط الأصبع على الأعراض التي يخلفها العنف المدرسي ولا تقف عند أصل هذه الظاهرة ومعالجتها بطريقة فعالة باستئصالها والتخلص منها وتجنب تكرار حدوثها.
* توفير ترسانة قانونية شاملة ومناسبة تروم بالأساس على حماية جميع الأطراف التي يضمها الوسط المدرسي من العنف بجميع أشكاله، من أجل تدبير فعال لكل التصرفات غير السوية الممكن حدوثها في هذا الوسط، لكي تحقق المدرسة أهدافها المطلوبة منها دون تقصير، وهذا مما سيجعل كل مكونات المدرسة في بيئة تربوية ملائمة، وستسعى بذلك سعيا حثيثا على إنجاح العملية التربوية وتقديم الأفضل.
* حاجة ظاهرة العنف المدرسي إلى دراسات بحثية دقيقة وفعالة، بمعنى أن تشغل حيزا كبيرا عند العاملين والباحثين في القطاع التربوي، للوقوف على كيفية إيقافها في الوسط المدرسي بشكل نهائي لا الوقوف موقف المستسلم أمام أمر الواقع باعتبار أن الظاهرة أصبحت خارج السيطرة.
وفي الآخر ينبغي التأكيد على أنه لا تكفي الحاجة الضاغطة والرغبة الملحة في تغيير الواقع الذي أفرزه العنف المدرسي ما لم تتضافر الجهود جميع الأطراف المتدخلة في المجال التربوي لحماية مدارسنا من هذه الظاهرة وفق مقاربة قيمية فعالة تضم استراتيجيات وخطط بعيدة المدى للحد من استفحال العنف المدرسي والقضاء عليه بشكل نهائي.
تعليقات