أدباء بـ”سبعة رجال” يناقشون إشكالات اللغة العربية
أجمع أدباء وشعراء ونقاد على ضرورة العناية باللغة والقيم العربية، مشيرين إلى أن أدباء وفقهاء وفلاسفة أبدعوا بهذه الوسيلة التعبيرية، منددين بالهجمة القوية عليهما، وموجهين انتقادات شديدة اللهجة إلى الأخطاء اللغوية التي ترتكب خلال تقديم نشرات الأخبار بالقناتين المغربيتين.
وأكد المتدخلون في ندوة علمية، نظمت مساء أمس الجمعة بمدينة سبعة رجال حول موضوع “اللغة العربية والإبداع الفني.. بين الهوية والحداثة، على وجوب التمييز بين الفرنسية وبين الفرنكوفونية؛ فالأولى لغة كباقي اللغات، أما الثانية فهي استعمار يسعى إلى اجتثاث كل القيم المغربية، مشيرين إلى أن الممثل المغربي الراحل محمدا حسن الجندي حورب لأنه كان يحمل قيم “تمغربيت”.
عبد الكريم برشيد أبرز أن للغة العربية ربا يحميها، وهي ملك لشعوب كثيرة في العالم، باعتبارها تستوعب الفكر الإنساني، فبها نقل الفكر اليوناني إلى الغرب، مشيرا إلى أنها توجد في عامتينا، وفي صلواتنا وقيمنا الفكرية والأخلاقية، منبها إلى أن أفضل المسرحيات هي التي كتبت باللغة العربية.
وميز عميد المسرح الاحتفالي بين الفرنسية كلغة وبين الفرنكوفونية كسياسة استعمارية حاولت محو ذاكرة المغاربة وقيمهم الأخلاقية، مسجلا دور إنتاجات الفنان محمد حسن الجندي؛ لأنه كان صاحب قضية واضحة في المسرح، اسمها الأخلاق، التي أسهمت بشكل كبير في تصوره لتطوير اللغة العربية، باستعماله لغة تخاطب الجميع، من خلال وسائل إعلامية، ساعدت على المحافظة على لغة الضاد.
وركزت الشاعرة والأستاذة الجامعية مالكة العاصمي على أهمية العناية باللغة العربية، لافتة إلى الاستعمال غير السليم لها في الإعلام المغربي، حيث تكثر الأخطاء؛ وهو ما يستدعي الحذر في تداول بعض المصطلحات والأساليب، والاعتماد على أمهات المعاجم، خلال تحضير أية مادة إعلامية، وتمحيص المفردات المستعملة، وهذا دور يقوم به المصحح اللغوي.
وقدمت المتدخلة نفسها مثالا للمصطلحات التي تحتاج إلى تمحيص وتدقيق، كالحراك بالحاء مفتوحة، والمقاصة على وزن تفاعل؛ لأن العملية في تبادل بين طرفين، فيه عطاء وأخذ، على حد قول العاصمي.
وفي هذا الإطار، طمأن الكاتب والإعلامي الطاهر الطويل الحاضرين على مستقبل اللغة العربية، مشيرا إلى أن لا خوف عليها من عملية المثاقفة، باعتبار أن هذه الأخيرة حتمية لا مفر منها، يفرضها التفاعل الحضاري بين الأمم والشعوب، والتطور الذي تعرفه باستمرار وسائل الاتصال، علاوة على الثورة التكنولوجية التي تطال المعمور.
وأكد الطويل أن اللغة العربية قادرة على العيش معنا؛ لأنها شكلت عبر العصور حاملا للفكر الإنساني وكانت صلة وصل بين الحضارات والثقافات، مشيرا إلى أن الاستلاب اللغوي يكرس نوعا من التبعية للآخر (الغرب)، بدءا من اللغة (خاصة الفرنسية والإنجليزية)، ومرورا بالآداب والفنون والبحوث المكتوبة بهاتين اللغتين، وصولا إلى تكريس نوع من التفكير والثقافة لدى مستعمليهما.
أحمد زهير قال إن اللغة عند الفنان محمد حسن الجندي لم تكن وسيلة للتواصل، بل هي التعبير والمفكر فيه؛ لأنه يتفاعل معها، ولأنها ساكنته وهي ساكنته، مضيفا أن اللغة عند الفنان الراحل “مطواعة في فصيحها وعاميتها، لأنه استعمل الدارجة الأقرب إلى اللغة العربية”.
وأضاف المتحدث ذاته أن الجندي كان حريصا على اللغة العربية، بمقاماتها وطاقاتها، وتميز بذاكرة مسرحية خصبة، ونزعة وطنية وقومية ناهضت كل الطقوس المتخلفة، وحملت قيما فنية وإنسانية.
وقارب عبد الله المعاوي إشكال “أهمية اللغة العربية في صياغة النص المسرحي”، ليشير إلى مساهمة الجنس المسرحي في علم الجمال، وبين أن اللغة العربية في الجنس المسرحي بالمغرب كانت لغة تحرر من الاستعمار.
أما إسماعيل هموني، فقد سلط الضوء على استعمالات اللغة العربية عند المتصوفة، معتمدا في تحليله على ابن عربي، الذي تقوم لغته على ركنين أساسيين، هما القرآن ومدونة شعر العرب، منبها إلى أن نص هذا الفيلسوف، الذي نحث لغة خاصة به، يصعب قياسها بمقاييس البلاغة والبيان والبديع المتعارف عليه، لأنها لغة الكشف الصوفي.
وبهذه المناسبة، تناول إبراهيم فكاني الشعر العربي المعاصر بين سلطة التقليد ووهم التحديث، حيث أشار إلى أن طموح المبدع قد يكون إقليميا أو عالميا، مؤكدا أن الناقد يجب عليه أن يتوجه في بحثه إلى الكشف عن الغموض في التجارب الشعرية.
يذكر أن هذه الندوة نظمت من لدن كل من مركز عناية والائتلاف الوطني من أجل اللغة العربية وبتعاون مع اتحاد كتاب المغرب فرع مراكش، بمناسبة حفل تأبين الراحل محمد حسن الجندي.
تعليقات