في اليوم السابع عشر من شهر تشرين الأول، عام ألف وتسعمائة وثلاثة وأربعين، استقبلت عائلة النوري النابلسية الفلسطينية العربية، طفلاً جديداً رأى نور الحياة، فأخذ من جوّ أسرته المتواضعة، مبادئ الإسلام الحنيف، والأخلاق العربية الحميدة، ثم التحق بمدارس مدينة نابلس العريقة، تلميذاً نبيهاً، وطالباً مجتهداً، في فروع المعرفة المختلفة، وخاصة اللغة العربية.
قُدَّرَ لباحثنا، رغم عُسر حال أسرته، أن يلتحق بركب طلبة العلم، الذي رسى به على شاطئ القاهرة،، فتلقفته جامعة عريقة، تخرجت فيها كوكبة من علماء الأمة المعاصرين، الذين تركوا بصمتهم في الحياة العلمية، من أمثال، صاحب الظلال، سيد قطب، ود. إبراهيم أنيس، ود. كمال بشر، ود. عبد الصبور شاهين، ود. تمام حسّان، ود. رمضان عبد التواب، رحمهم الله، وغيرهم كثير، إنها منارة مصر، كلية دار العلوم، في جامعة القاهرة”، التي تخرج فيها الباحثُ النوري حاملاً الدرجة العلمية الأولى، “الليسانس” في اللغة العربية والعلوم الإسلامية، 1966م، بتقدير جيد جداً مع مرتبة الشرف، وكان لهذه الكلية دور كبير في صقل موهبته، وزيادة مورثه العلمي واللغوي.
لم يقف قطارُ التحصيل العلمي، الذي أقل طالب العلم النوري، بتوفيق من الله وعنايته، عند محطة الليسانس، فانتقل بعدها إلى مرحلة لدراسات العليا، التي كانت مرحلة تغيُّر كبير في رحلة طلبه للعلم، فحصل عام (1979م)، على شهادة الماجستير، في علم اللغة والدراسات الساميّة والشرقيّة، من كلية دار العلوم، في جامعة القاهرة، أيضاً، بتقدير ممتاز، بإشراف العالم والمفكر المعروف أ.د. عبد الصبور شاهين، ثم يممّ وجهه في العام نفسه للتسجيل في مرحلة الدكتوراه التي حصل عليها عام (1982م)، في العلوم اللغوية، من كلية الآداب، في جامعة عين شمس، في القاهرة، بتقدير ممتاز مع مرتبة الشرف الأولى، بإشراف العالم المحقق أ.د. رمضان عبد التواب.
استقبلت مدارس مدينة نابلس تلميذها النابه، فعمل في سلك التعليم الثانوي، والاشراف التربوي، والجامعي المتوسط (معهد المعلمين) التابع لجامعة النجاح الوطنية، فترة من الزمن، ثم فتحت جامعة النجاح الوطنية، ذراعيها للمعلم المبدع، فكان من أوائل الذين عملوا في جامعة النجاح الوطنية، عند افتتاحها عام (1977-1978م)، فأصبح مُدرساً فيها، وقام بتأسيس قسم اللغة العربية، وكان أول رئيس له، وبسبب تفوقه العلمي، والأدائي، تنقل الأستاذ النوري، ليصبح عميداً لكلية الآداب في هذه الجامعة، ثم عميداً للبحث العلمي مرتين، إضافة إلى ترؤسه تحرير مجلة النجاح للأبحاث بفرعيها: العلوم الإنسانية، والعلوم الطبيعية.
ذاع صيت الباحث النوري، وانتشر، لتستقبله جامعات عربية، وأخرى أجنبية، مستفيدةً من علمه الغزير، وناقلاً منها أبرز جوانب الحكمة أنّى وجدت؛ ففي العام (1988م) انتدبته جامعة النجاح الوطنية، ليكون أستاذاً زائراً إلى جامعة (وسكنسن / ملواكي University of Wisconsin-Madison) في الولايات المتحدة الأمريكية، فقام هناك، بتأسيس قسم للغة العربية فيها، واضطلع بتدريس مساقي اللغة العربية، والعلوم اللغوية في تلك الجامعة، وألقى عدداً من المحاضرات العامة التي تناول فيها بعض قضايا اللغة العربية، وعلومها.
وفي صيف عام(1991م)، وصيف عام(1996م)، قام باحثنا بزيارتين علميتين لبعض الجامعات الألمانية، فالتقى بعض المستشرقين، أمثال فيشر، وكانت بينهما حلقات علمية مختلفة، حول اللغة العربية، وعلومها، وفي صيف عام (1993م) قام الباحثُ، بزيارة علمية لجامعة مانشستر في بريطانيا، التقى فيها عدداً من المستشرقين أمثال: بيستون، حيث تدارس معه، ومع غيره من اللغويين، بعض القضايا اللغوية.
وعندما أراد الفلسطينيون أن يستقلوا بمنهاج تعليمي تربوي، يُدرَّسُ لأبنائهم، أُختير الأستاذ النوري، ليكون أحد أعضاء الفريق الوطني الفلسطيني لوضع الخطوط العريضة لمنهاج اللغة العربية وآدابها، وكان نائباً لرئيس الفريق الوطني، إضافة إلى تأليفه بعض الكتب في المنهاج، وتحكيم بعضها الآخر.
مُنحت جائزة أديب العربية محمد أسعاف النشاشيبي في مجال الأبحاث الاسلامية والعربية، بمرتبتها الأولى، للباحث النوري، لجهوده في خدمة اللغة العربية، وتراثها العريق، وعندما تمّ تشكيل مجمع اللغة العربية الفلسطيني، عام (1995م)، تم اختيار النوري، نائباً لرئيس هذا المجمع، وإضافة إلى ذلك، فإن عدداً من الجامعات في داخل الوطن وخارجه، توكل للأستاذ النوري، ترقية أعضاء هيئة التدريس لديها الى رتبة أستاذ مشارك، ورتبة أستاذ، إضافة إلى تحكيمه، عدداً كبيراً من الأبحاث التي تنشرها مجلات علمية مرموقة، وإلى جانب ذلك، فإنه يقوم بالإشراف على رسائل الماجستير، والمشاركة في مناقشة رسائل اخرى في جامعات الوطن، على امتداده الجغرافي، أو جامعات عربية، مختلفة.
هذه نبذة سريعة موجزة، حاولنا فيها، بإيجاز، تسليط الضوء على مراحل حياة هذا الباحث. وسنحاول في الحلقات القادمة، عرض أبرز الجهود العلمية اللغوية التي قام بها الأستاذ النوري.