مجمع اللغة العربية في القاهرة على عتبة مرحلة مجهولة

اختيار الناقد صلاح فضل (1938) قائماً بأعمال رئيس مجمع اللغة العربية في القاهرة، بقرار حكومي، يعد أمراً غير مسبوق في تاريخ هذا الصرح العلمي الذي أُسس في ثلاثينيات القرن الماضي. وقد جاء هذا القرار الذي أصدره وزير التعليم العالي المصري، بعد مرور شهر على انتخابات جرت في 19 أكتوبر (تشرين الأول) الماضي على منصب رئيس المجمع، تنافس فيها رئيسه منذ 2012 حسن الشافعي مع صلاح فضل، وفاز الأول بفارق ثمانية أصوات، لكن الوزير رفض رفع تلك النتيجة إلى رئيس الجمهورية ليقرها، بحسب ما ينص عليه قانون المجمع، الذي يعد مؤسسة علمية “مستقلة”، يحظى من يترأسه بصلاحيات وزير، ويعد عميد الأدب العربي طه حسين أشهر من تولى هذا المنصب، ولم يسبق أن فقده من تولاه إلا بوفاته.   

ومنذ أن تولى حسن الشافعي (مواليد 1930) منصب رئيس مجمع اللغة العربية في القاهرة بالانتخاب قبل نحو ثماني سنوات، لم يتوقف الجدل بشأن انتمائه إلى مؤسسة الأزهر، باعتباره عضواً في هيئة كبار علمائه، إلى جانب عمله أستاذاً في كلية دار العلوم في جامعة القاهرة، فضلاً عما يشاع عن صلة وطيدة تربطه بجماعة “الإخوان المسلمين”، التي يرى البعض أن تمكنها من الوصول إلى الحكم في مصر في 2012 هو من أهم العوامل التي دفعت إلى انتخابه رئيساً لمجمع القاهرة، ثم توليه كذلك رئاسة اتحاد مجامع اللغة العربية.

والشافعي عُين مندوباً عن مؤسسة الأزهر في لجنة الدستور المصري عام 2012. وكان له موقف مخالف لمؤسسة الأزهر في أعقاب الإطاحة بالرئيس السابق محمد مرسي، فقد أدان فض “اعتصامي رابعة والنهضة” في تموز (يوليو) 2013، وأصدر بياناً اختتمه بقوله “اللهم إني أبرأ إليك مما حدث، وأستنكره من كل قلبي”.

 حسن الشافعي خارج الرئاسة (اندبندنت عربية)

اعتُقل سنة 1954 وهو في الفرقة الثانية بكلية دار العلوم، حيث قضى في السجن ست سنوات. وفي 1963 عُين ضمن هيئة التدريس في قسم الفلسفة الإسلامية في كلية دار العلوم، وكان قد أنهى في السنة نفسها دراسته في كلية أصول الدين. وفي العام التالي اعتقل مجدداً بسبب انتمائه لجماعة الإخوان المسلمين، وقضى في السجن أربع سنوات. وبعد حصوله على الماجستير عام 1969، ابتعث للحصول على الدكتوراه من جامعة لندن، وحصل على عضوية مجمع اللغة العربية في القاهرة عام 1994، وسبق له أن تولى رئاسة الجامعة الإسلامية في باكستان حتى العام 2004.

وفي ظل ذلك الجدل أصدر رئيس جامعة القاهرة السابق جابر نصار قراراً بإنهاء خدمة الشافعي، إلا أن الأخير طعن في ذلك القرار وصدر حكم لمجلس الدولة بتاريخ 18 كانون الثاني (يناير) 2020 بإلغائه، ثم وافق عميد كلية دار العلوم في 5 مارس (آذار) الماضي على تنفيذ هذا الحكم، وقبل ذلك بنحو شهر جرت انتخابات لرئاسة مجمع اللغة العربية في القاهرة، دخلها الشافعي منفرداً وحصل على 27 صوتاً من إجمالي 32 صوتاً، لكن وزير التعليم العالي خالد عبد الغفار رفض اعتماد تلك النتيجة، بسبب عدم تسجيل احتساب صوت أحد الأعضاء رغم حضوره الانتخابات وتصويته، واشترط أن يحضر ممثلون من الوزارة إعادة تلك الانتخابات “لضمان نزاهتها”، لكن المكتب التنفيذي للمجمع رفض هذا الشرط، ومن ثم امتنع الوزير مجدداً عن اعتماد نتيجتها وقرر تعيين صلاح فضل قائماً بأعمال رئيس المجمع لحين إجراء انتخابات تراقبها الوزارة.

فزَّاعة انتخابات؟                 

وتزامن ذلك مع تصريح للأمين العام للمجمع عبد الحميد مدكور، بأن ما يتردد عن تحول المجمع إلى “بؤرة إخوانية” هو مجرد فزّاعة انتخابات ولا أساس له، وأن المجمع يدعم أجهزة الدولة وإجراءاتها الإصلاحية. وأوضح أن الخلافات مع وزارة التعليم العالي “إجرائية وتتعلق بالشكل لا المضمون”. وشدد على أنه ليس من حق وزير التعليم العالي التصديق على انتخاب رئيس المجمع، لأن ذلك من صلاحيات رئيس الجمهورية وحده، مشيراً إلى أن ما حدث في 17 فبراير (شباط) الماضي هو أن المجمع عقد جلسة انتخاب الرئيس وحضرها كل أعضاء المجمع وعددهم 32 عضواً، وحصل فيها الشافعي على 27 صوتاً، وكان هو المرشح الوحيد للمنصب، وحين رفعنا الأمر إلى الوزارة، ردت علينا بأن رئيس هيئة مستشاري مجلس الوزراء وجد اختلافاً بين إثبات أسماء الحضور في صدر محضر الجلسة (31 اسماً)، وعددهم بعد فرز الأصوات (32 اسماً)، ثم انتهى إلى عدم صحة إجراء انتخاب رئيس المجمع فتعين لذلك إعادة انتخابه، وقد وقع ذلك الاختلاف نتيجة سهو أدى إلى سقوط اسم العضو محمد سلطان أبو علي، على الرغم من حضوره الجلسة وإدلائه بصوته.

وأضاف مدكور أنه رغم أن هذا الخطأ لا يغير نتيجة الانتخابات، فقد نفذ المجمع قرار مجلس الوزراء، وقرر إعادة جلسة الانتخاب، بينما رفضت الوزارة التصديق على قرار انتخاب نائب رئيس المجمع، لأنه لم يتسن لها التأكد من سلامة الإجراءات. وذكر مدكور أن مجلس المجمع ناقش يوم 5 (أكتوبر) الماضي، المكاتبات المتبادلة مع الوزارة في هذا الشأن وقرر أنه ليس من حقها أن تشترط دعوتها لحضور انتخابات المجمع، طبقاً لنص الدستور في المادة 21 الذي ينص على “تكفل الدولة استقلال الجامعات والمجامع العلمية واللغوية”.

 صلاح فضل عيّن بعد الانتخابات (اندبندنت عربية)

وبدوره أكد عضو هيئة مكتب المجمع عبد الحكيم راضي، أن الانتخابات عبر تاريخه الطويل تخضع لتقاليد وإجراءات قانونية صارمة، منها سرية التصويت، وأن الجلسة لا يحضرها غير ذوي الاختصاص من هيئة التحرير، ضماناً لنزاهة عملية الانتخاب وتطبيقاً للممارسة الديمقراطية السليمة “التي لا ينبغي أن يؤثر فيها إرهاب فكري، ولا حملات تشويه، كتلك التي مورست ضد أعضاء مجلس المجمع من العلماء الأجلاء بتخوينهم ورميهم زوراً باتهامات باطلة”.       

وتباينت ردود الفعل على هذا التطور بين عدد من المثقفين المصريين، بين مؤيد ومعارض، فكتب الشاعر سمير درويش على صفحته على “فيسبوك”، “لو كنتُ محل الدكتور صلاح فضل، لم أكن لأقبل برئاسة المجمع اللغوي بهذه الطريقة، وبصرف النظر عن موقفي الثابت والواضح من الإخوان. لأن فضل عرض نفسه بالفعل على زملائه لينتخبوه ولم يحصل على أصوات كثيرة، فليس لائقا له ولا لهم، أن يكون رئيساً مع ذلك. كما أن قرار وزير التعليم العالي (تعيين) فضل لفترة مؤقتة لحين انتخاب رئيس جديد، ولا يليق بمن عرض نفسه بالانتخاب ولم يوفق أن يقبل مجيئه بالتعيين. وكذلك لأن إقصاء الرئيس المنتخب (أياً كان انتماؤه) مسألة غامضة (بالنسبة إلي على الأقل، وبالنسبة إلى كثيرين أتابعهم) وليس مستحسناً أن يضع المرء نفسه في موضع غامض كهذا من أجل أي شيء”.

وكتب الناقد المترجم سيد إمام أيضاً على “فيسبوك”، “27 من مجموع 32 داعشياً صوتوا لصالح حسن الشافعي تلميذ حسن البنا النجيب. البعض يبكي على الديمقراطية التي أهدرتها السلطة، بعدم السماح لقيادي إخواني خطير برئاسة مجمع الخالدين. أنا مع قرار وزير التعليم العالي وبانتظار تصفية باقي أعضاء الخلية الداعشية التي تحتل المجمع العتيد. الجراحة إجراء خطير، ولكنها قد تكون الحل الأمثل للإبقاء على حياة الجسد السقيم”.

خطة لإعادة الهيكلة

 صلاح فضل الذي حصل على عضوية مجمع اللغة العربية في القاهرة عام 2003، هو أيضاً من خريجي كلية دار العلوم، وكان ضمن أعضاء هيئة التدريس فيها، علماً أن دراسته ما قبل الجامعية كانت في معاهد تابعة للأزهر. وقد حصل على الدكتوراه من جامعة مدريد عام 1972، وبعد عودته عمل أستاذاً في كلية البنات في جامعة الأزهر، ومنذ العام 1979 وحتى الآن يعمل أستاذاً للنقد الأدبي والأدب المقارن في كلية الآداب جامعة عين شمس، وانتدب مستشاراً ثقافياً لمصر ومديراً للمعهد المصري للدراسات الإسلامية في مدريد من 1980 إلى 1985، وقبل ذلك أسس قسم اللغة العربية في جامعة المكسيك عام 1975، وهو حاصل على أرقى جائزة تمنحها الدولة المصرية وهي جائزة النيل في الآداب عام 2018.

ولوحظ أن الصفحة الرسمية لمجمع اللغة العربية على “فيسبوك” نشرت خبر تعيين صلاح فضل قائماً بأعمال رئيس المجمع، كما لوحظ أنه لم يصدر عن حسن الشافعي أي رد فعل تجاه ذلك القرار. ولوحظ أيضاً أن انتخاب عبد الحميد مدكور أميناً عاماً للمجمع في 9 نوفمبر (تشرين الثاني) الجاري، لم  يواجه باعتراض من وزارة التعليم العالي، وحدث الأمر نفسه بالنسبة إلى انتخابات مكتب المجمع لاختيار عضوين من أعضاء المجلس في مكانين شاغرين.

وعقب صدور قرار تعيينه قائماً بأعمال رئيس المجمع، صرح صلاح فضل بأن من مهام منصبه وضع خطة لتطوير المجمع، “بخاصة أن المجمع اتخذ في الفترة الأخيرة، صبغة دينية”، مشيراً إلى أن لديه مشروعات عدة لإعادة هيكلة وتطوير المجمع خلال الفترة المقبلة. وشدد فضل، على أن خطته تهدف إلى إعادة الأدباء والمفكرين مرة أخرى إلى المجمع الذي كان يجتمع فيه طه حسين والعقاد، وكبار المفكرين والمثقفين المصريين، وذلك بعدما أصبح يخلو من الأدباء فى السنوات الأخيرة، ما أدى إلى ضموره.

واختتم صلاح فضل بقوله إنه سيعمل على انفتاح المجمع أكثر على الإعلام، كي يؤدي رسالته الاجتماعية المطلوبة منه، ويكون منبراً للتنوير والفكر والأدب في مصر كما كان في السابق.

علي عطا 

أندبندنت عربية

التعليقات (0)
إضافة تعليق