ليـــــل مراكـــــش بقلم: سيدي محمد الزعيم

عند أفول الشمس يخيم الظلام على المدينة الحمراء، معلنا عن فصل جديد من مسرحية الأيام الخاضعة للتقسيم الفيزيائي المتحكم في جهاز الحياة والذي ضبطه على مقياس دقيق يماهي الطبيعة البشرية.

تلبس مراكش ثوبها الأسود وكأنها تداري ذنوب ساكنيها وتستر تهجد متصوفيها،لتدخل في حكاية جديدة رافعة الستار لعشاق الانفتاح على الملذات المسجونين في قفص العادات والتقاليد والمتورطين بسمة التناقض الخاصة بالليل والنهار.

فترى كل ما لا تستطيع احتماله وترى بالمقابل كل ما تستطيعاحتماله وأنت تتنقل بين أحيائها وأزقتها مستكشفا الخبايا التي تكتنفها،كل شيء في هذه المدينة محكوم بالتناقض قد تجد الأغنياء المترفين والفقراء المهمشين، وقد تجد المثقفين المنفتحين كما تجد المثقفين المنغلقين والخاضعين لسطلة المجتمع والمتملقين للمال وقد تجد العفيفات كما تجد عاملات الجنس.

هذه العوالم المتناقضة في ليل الحمراء تقودك الى سؤال يفرض نفسه­­’ أي اتجاه لهذه المدينة؟

لتجيب على لسان أسوارها وبنيانها ” انا البطن التي تسع كل الخطايا ”

وفي خضم رحلتك الاستكشافية تتبدى لك معالم الحيرة والقلق تعلو وجوه كل المارين بك، وكأنها تشي لك بسر وبصوت خافت قلقي وحيرتي سببه الرئيس فلسفة المدينة المتناقضة. والتي لا تستطيع حتى أن تعترف لذاتها بأنها السبب الحقيقي لحيرتنا وقلقنا.

ليأتي الجواب كرة أخرى على لسان حال مآثرها التاريخية، وارثها الضارب فيعمق التاريخ حضارتها المترامية الأطراف وصيتها الممتد من المحيط الى الخليج ومن اقصى أوروبا الى أدنى أمريكا وأنها باقية ما بقيت الحياة وبقي الانسان، وكأنها تقدم أقراص فاتح الشهية لمستكشفيها للغوص بنهم في اكتشافها.

هذه الشخصية الجاذبة للمدينة هي سر من بين أسرارها الكثيرة وما دمت فيها فأنت اخترت الاكتشاف صديقا وعندما تغادرها فأنت تشتاق لصديقك.

هذه المدينة تسكن بينك وبين مخاوفك تنتشلك من براثين اليأس والحزن لترميك في جنان الفرح والسرور.هكذا اذن تنتهي كتاباتي وتبقى الحمراء شامخة تدعوني لاكتشافها ثانية لاستحضر قول أبو نواس ”كلام الليل يمحوه الصباح” وكأنه قصد هذه المدينة دون سواها، وآمن بتناقضها وفلسفتها معترفا بأنه عندما ينجلي الضوء يسدل الليل ستاره الأسود مواريا ذنوب ساكنيها ومحافظا على حسنات زائريها

التعليقات (0)
إضافة تعليق