ذ. سلام أورحمة: باحث من المغرب
لا نستطيع أن نقف مكتوفي اللسان ونحن نتأمل الأحداث التي تميز بها المغرب في أيامنا الحاضرة، وبصفة خاصة مستقبل منظومة التربية والتكوين الذي يلوح في الأفق غامضا مظلما كئيبا إذا لم يتم تكثيف الجهود والإسراع في إصلاح مساره الحالي قبل فوات الأوان، فالمتأمل في بعض مواد القانون الإطار الخاص بمنظومة التربية والتكوين رقم 51.17يكتشف فيه مستقبلا غامضا لا يبعث على الرضا.
المدخل الأول يتعلق بلغة التدريس، فالمتأمل للقانون الإطار يجده ينصعلى تأكيد مبدأ التناوب اللغويباعتباره مقاربة بيداغوجية وخيارا تربويا يستثمر في التعليم المزدوج أو متعدد اللغات، بهدف تنويع لغات التدريس، جاء في المادة 31 منه “إعمال مبدأ التناوب من خلال تدريس بعض المواد ولاسيما العلمية والتقنية منها أو بعض المضامين أوالمجزوءات في بعض المواد بلغة أو لغات أجنبية”، كما ينص على جملة أهداف يهمنا منها ما يتعلق بتحديد الأهداف الأساس لسياسة الدولة واختياراتها الاستراتيجية لإصلاح منظومة التربية والتكوين والبحث العلمي، وذلك على أساس تحقيق الإنصاف وتكافؤ الفرص، والجودة، والارتقاء بالفرد والمجتمع.
فأي إصلاح نريد في ظل اعتماد لغة الآخر لغة للتدريس؟ وأي إنصاف نبحث عنه في ظل تقزيم دور اللغة العربية وعدم إعطائها المكانة التي تستحقها؟ وأي جودة، وعن أي ارتقاء نبحث عنه بغير اللغة الرسمية للبلاد، بل، أيّ تعليم نريد، وبأيّ لغة؟ هل نريد تعليما ذا جودة ينقل بلدنا من درك التخلف إلى عِلِيّ التقدم؟ أم أنّ المراد تقطيع الوقت، لإبقاء الوضع على ماهو عليه من خلال مشاريع منذرة للرداءة والفشل؟
نحن لا ننكر أهمية تعليم وتعلم اللغات لما لها من أهمية كبيرة في الانفتاح على الآخر، ويكون ذلك باعتماد اللغة باعتبارها لغة مُدَرَّسَة وليس لغة للتدريس، وشتان بين الأولى والثانية، ومن ثمة فإننا ندعو إلى ضرورة مراجعة الحسابات والعدول عن هذا القرار بالرجوع إلى المنبع الأول للتدريس من خلال اعتماد اللغة الرسمية للبلاد لغة للتدريس.
المدخل الثاني يتعلق بمجانية التعليم، ولا بد من الإشارة هاهنا إلى الدور الهام الذي ينبغي أن تقوم به منظومة التربية والتكوين في ضمان الحق في التربية للجميع، وتنشئة الأجيال الصاعدة، وتكوين مواطنات ومواطني الغد، وتحقيق أهداف التنمية الشاملة والمستدامة، إلا أنّ المادة 45 من القانون الإطار تنص إقرار أداء رسوم التسجيل بمؤسسات التربية والتكوين، إذ جاء في المادة “إعمالا لمبادئ الإنصاف وتكافؤ الفرص، يتم بكيفية تدريجية إقرار أداء الأسر الميسورة لرسوم تسجيل أبنائها بمؤسسات التربية والتكوين بالقطاع العام، ولاسيما بمؤسسات التعليم العالي في مرحلة أولى، وبمؤسسات التعليم الثانوي التأهيلي في مرحلة ثانية، وذلك وفق المعايير والشروط والكيفيات المحددة بنص تنظيمي”
مادة ظاهر في عموميتها أنها تضع حدا لمجانية التعليم، ونكتفي هنا بالإشارة إلى خطورة القرار والذي قد يؤدي إلى الهدر المدرسي نتيجة لعدم القدرة على تأدية رسوم التسجيل، وبالتالي فإن الأمر يستدعي ضمان الحق في التعليم لجميع المتعلمين بغض النظر عن وضعيتهم المادية ضمانا لتكافؤ الفرص وعملا بمبدأ التربية والتعليم للجميع، تماشيا مع روح الفصل 31 من الدستور المغربي الذي ينص على تعمل الدولة والمؤسسات العمومية والجماعات الترابية، على تعبئة كل الوسائل المتاحة، لتيسير أسباب استفادة المواطنات والمواطنين، على قدم المساواة، من الحق فيالحصول على تعليم عصري ميسر الولوج وذي جودة.
أما المدخل الثالث فيتعلق بطريقة التوظيف، تقول المادة 38 من القانون الإطار ” علاوة على الشروط النظامية المطلوبة لولوج مهن التدريس والتكوين والتأطير والتدبير والتفتيش بالقطاع العام، يشترط لممارسة أي مهنة من المهن المذكورة الاستجابة للمعايير والمؤهلات المحددة في الدلائل المرجعية …ويتعين من أجل تمكين منظومة التربية والتكوين والبحث العلمي من الموارد البشرية المؤهلة والاستجابة لحاجياتها من الأطر تنويع طرق التوظيف والتشغيل لولوج مختلف الفئات المهنية، بما فيها آلية التعاقد”
ولا يخفى على المجتمع المغربي ما خلفه هذا النوع من التوظيف من أجواء الاحتجاج والتي لا تزال قائمة إلى حدود كتابة هذه الأسطر رفضا لهذا النمط من التوظيف الذي تم العمل به في صفوف هيئة التدريس منذ سنة 2016 ، نظرا لما خلفه ويخلفه من وضعية متأزمة غير مستقرة نفسيا واجتماعيا وماديا، وهذه دعوة موجهة إلى ضرورة مراجعة الحسابات والاهتمام بالموظفين ولفت الانتباه إليهم من خلال توفير الشروط لهم حتى يتسنى لهم القيام بمهاهم على أكمل وجه، والشروط التي أتقصدها في هذا المقام هي تحقيق الاستقرار الاجتماعي والنفسي وكذا المادي لهم، كونهم صناع المستقبل أمام تحديات العالم، وخير وسيلة هو الرجوع بالنظام التعليمي إلى حالته الأولى الذي يضمن لهم صفة الدوام والاستقرار، وليكن في علمنا أن كل إصلاح لابد أن يمر على المربي، على المدرس الذي يبني مع متعلميه المعارف، ولهذا ينبغي أن يوجه المزيد من الاهتمام به باعتباره حجر الزاوية في كل بناء مجتمعي، وعليه يتوقف لا نوع التعليم المدرسي فقط بل كذلك ما هو أهم بكثير من ذلك لأنه يتجاوز قاعة الدرس لينسحب على العملية التربوية برمتها، ونحن نتقصد بذلك قدرة المدرس على إيقاظ الطاقات الذهنية للمتعلم وحثه على مواصلة التعلم مدى اليوم الدراسي كله، مدى الأيام، بل مدى الحياة.
فحينما يفطن الإنسان إلى وجه القصور المبثوثة في القانون الإطار من خلال المداخيل التي أشرنا إليها، فإنه لا يلبث أن يدركه مستوى المستقبل الغامض، واليأس وفقدان الأمل، ويشعر بأن أجيال الشباب الحالية والقادمة بلا أمل وبلا مستقبل، ولذلك فإن المرحلة تقتضي منا التدبر العميق للعواقب التي سنجنيها، والوقت لم يفتنا بعد لنتجنب مايحس به الشباب من إحباط وخيبة الأمل، وفتح آفاق جديدة وصنع أحلام وآمال جديدة تحقيقا للتنمية المنشودة، وهذه الأخيرة هي العمل الرائع والرسالة السامية التي ينبغي أن نعمل جاهدين كل من موقعه وفي مجال تخصصه أن نعمل على تأديتها وتحقيقها.