الرباط/ محمد عبد الصمد/ الأناضول
قال “فؤاد بوعلي”، رئيس “الائتلاف الوطني من أجل اللغة العربية” (غير حكومي) في المغرب، إنه “للمرة الأولى في المغرب يصبح النقاش حول اللغة العربية، اليوم، جزء من النقاش العمومي، وتصبح اللغة العربية قضية مجتمعية”، بعد أن كانت “قضية نخبوية”.
وعلى مدار اليوم الجمعة وغدا ينعقد في المغرب “المؤتمر الوطني الرابع للغة العربية”، وهو يأتي، وفق “بوعلي” خلال مقابلة مع الأناضول، “في سياق النقاش العمومي حول قضايا الهوية واللغة العربية”.
“بوعلي”، الحاصل على الدكتوراة في اللسانيات، أوضح أنه “تم اختيار موضوع (اللغة العربية والإعلام الواقع والرهانات) للمؤتمر، في محاولة لمقاربة واقع اللغة العربية والهوية المغربية داخل الإعلام الوطني، وكذلك مناقشة واستشراف مستقبل هذا الواقع، في ظل الهجمة المنظمة والمحكَمة ضد العربية ومقومات الهوية الوطنية.. فبلا بد من وضع إطار مرجعي يوحد بين مختلف الهيئات والمؤسسات الإعلامية بالمغرب، وجعله بداية لتعاون حقيقي للنهوض باللغة الرسمية للوطن”.
** عهد الصحافة الوطنيةمؤتمر اللغة العربية، حسب رئيسه “بوعلي”، عضو مجلس “مركز الدراسات والبحوث الإنسانية والاجتماعية”، “يجمع نخبة من الأساتذة الأكاديميين والخبراء في اللغة والإعلام، بجانب مهنيين في المجال، من صحفيين ومدراء مؤسسات إعلامية، وسيكون أهم مُخرج (نتيجة) من مخرجات المؤتمر هو توقيع المشاركين فيه على ميثاق (عهد الصحافة الوطنية)”.
وأردف أن “هذه المبادرة تأتي في سياق الترافع حول (الدفاع عن) قضية اللغة العربية، وحث كل الأطياف السياسية والفكرية على الانضمام إلى هذه المسيرة المراد أن تكون مسيرة وطنية”.
وردا على سؤال بشأن إن كانت هذه التحركات المكثفة حول قضية اللغة العربية هي دليل على قصور المؤسسات والتشريعات الرسمية، أجاب “بوعلي” بقوله: “ليس بالضرورة.. لكننا نقول إن النقاش حول اللغة العربية كان دائما نقاشا نخبويا”.
وأوضح أن “هذا النقاش النخبوي كانت تتقاسمه أطراف ثلاثة، هي علماء الدين والوعاظ، ثم رجالات الحركة الوطنية والسياسيين، وأخيرا الأكاديميون في الجامعات. لكن اليوم، وللمرة الأولى، يصبح النقاش حول اللغة جزءا من النقاش العمومي والمجتمعي، وتصبح قضية اللغة العربية قضية مجتمعية”.
وتابع أن “الائتلاف الوطني من أجل اللغة العربية من خلال هذه المحطة ومحطات أخرى ومن خلال توجيه مختلف الفئات والمسؤولين إلى احترام النص الدستوري، والتنزيل (التطبيق) السليم لسياسة لغوية مندمجة، يستهدف جعل المجتمع طرفا في المعادلة، وليس ميدانا لاختبار مختلف الأطروحات التي تدبر دائما في الكواليس. فالمجتمع الآن أصبح طرفا فاعلا وجزءا من الترافع حول اللغة العربية”.
وتنص المادة الخامسة من الدستور المغربي على أنه: “تظل العربية اللغة الرسمية للدولة. وتعمل الدولة على حمايتها وتطويرها، وتنمية استعمالها”.
** دور خطير للإعلام
وبالنسبة إلى تسليط المؤتمر الوطني الرابع الضوء على دور الإعلام في قضية اللغة العربية، شدد “بوعلي”، وهو صاحب مؤلفات منها “مقاربات في المسألة اللغوية بالمغرب” و”الظاهرة اللغوية وتأسيس الوضع العربي”، على أن “الإعلام يلعب دورا خطير، وهو ما تأكد أكثر بعد أحداث الربيع العربي (ثورات شعبية بدأت أواخر عام 2010)، الذي أثبت فيه الإعلام أنه ليس السلطة الرابعة، وإنما السلطة الأولى، ومن بين السلطات الأساسية داخل المجتمع التي يمكنها أن تغير، ما يجعلنا نطمئن إلى أنه كما غيّر السلوك السياسي، يستطيع أن يغير السلوك اللغوي”.
وموضحا، تابع: “نتذكر دور الإعلام في النهوض باللغة العربية الفصحى وانتشارها وجعلها قريبة من المتلقي. نتذكر برامج مثل (لغتنا الجميلة) لفاروق شوشة (شاعر مصري/ 1936 – 2016)، وبرامج أخرى مماثلة في قنوات عربية، وهو ما يدل على دور الإعلام وقدرته على أن يحقق لنا نهوضا حقيقيا. فالمسألة مرتبطة بوجود إعلام قوي يمكنه تسهيل عملية النهوض اللغوي المنشود”.
وزاد بقوله: “نتصور أن تكتل المنابر الإعلامية داخل مسار واحد، وهو مسار الإيمان بجوهرية العربية في الانتماء الوطني والحضاري، ورفض كل نزوع تغريبي وفرانكفوني وأي محاولة لتشظي الهوية، هو الحل”.
والمدخل إلى ذلك، وفق “بوعلي”، هو “إيجاد إعلام هادف يخدم سلوكا لغويا رصينا؛ فلا يمكن أن نمايز بين المضمون والآلة الحاملة له. فإذا كانت اللغة رصينة وهادفة وأقرب إلى الاعتدال منها إلى السخافة، فسنكون أمام مضمون رصين يقدم المعلومة ويربي الوعي والذوق لدى المواطن المغربي”.
وعن غياب مثل تلك البرامج المهتمة باللغة العربية عن الإعلام المغربي قال “بوعلي” إنه “في المغرب كان يراد لنا أن نعتقد أن قضية اللغة العربية هي قضية محسومة. محسومة انطلاقا من الانتماء الحضاري والديني، لكن في الوقت نفسه كانت اللوبيات المتحكمة في الاقتصاد والسياسة والإعلام تخطط لقطع أواصر المجتمع وفصل المواطن المغربي عن انتمائه العربي والإسلامي وعن لغته”.
** صراع بين منظومات قيميةإلى أبعد من ذلك ذهب رئيس “الائتلاف الوطني من أجل اللغة العربية” بالقول إن “الإعلام كما هو موجود، وكما هو مقدم لنا في المغرب في جزء كبير منه، هو إعلام مضاد للغة العربية ويحاربها ويعمل على تهميشها. فهناك قنوات تُموّل من دافعي الضرائب المغاربة، ورغم ذلك فهي تصر يوميا على فرض اللهجة العامية، وعلى دبلجة المسلسلات الأجنبية بقيم مناهضة للقيم المغربية وبلهجة عامية، كل ذلك لفرض نموذج قيمي بديل”.وانطلاقا من كل ذلك، يؤمن “بوعلي” بأن “إشكالية اللغة والإعلام ليست مسألة آلة ناقلة للمعلومة، بل قضية صراع بين منظومات قيمية.. وأي محاولة للقفز على اللغة العربية أو تحجيم دورها في الإعلام العمومي أو الخاص، ستؤدي لا محالة إلى فرض منظومات قيمية بديلة، وهو ما لا يقبله المغاربة قطعا”.
** تيارات مختلفة ولغة واحدةوإذا كانت التهمة الأكثر جاهزية، التي يتهم بها المدافعون عن العربية هي تهمة الأدلجة وتحول خطاب الدفاع عن العربية إلا إيديولوجية قائمة بذاتها، فإن “رئيس الائتلاف الوطني من أجل اللغة العربية” اعتبر أنه “لا توجد في ذلك أية منقصة، خاصة إذا كانت الإيديولوجية تعني إيديولوجية الإنتماء للوطن والأمة”.
وأوضح “بوعلي” أنه “إذا كانت الإيديولوجية هي الانتماء إلى الوطن وإلى قيمه وتراكمات المجتمع وتوافقاته، فأعتقد أننا إيديولوجيون حتى النخاع. وإذا كانت الإيديولوجية هي الحفاظ على لغة الأمة وعقيدتها، فنحن كذلك إيديولوجيون”.غير أنه استدرك: “لكن إذ كان يقصد بالأدلجة ربط الدفاع عن اللغة العربية بتيار سياسي أو ديني أو إثني، فأعتقد أن تجربتنا في الائتلاف الوطني أثبتت أنه محضن لكل التيارات، وأن ما يجمع الناس تحت سقفه هو دفاعهم عن العربية. فهم يختلفون في توجهاتهم وانتماءاتهم ومرجعياتهم الفكرية والسياسية، لكنهم يؤمنون بقضية العربية ويجتمعون تحت شمس العربية وظل الائتلاف”.
وختم “بوعلي” بالتشديد على أن “قضية اللغة العربية هي قضية كل المجتمع، وقضية كل المواطنين، الذين يؤمنون أن وجود العربية هي جزء أساسي من وجود هذا الوطن، ونهاية العربية يعني نهاية هذا المشترك الوطني”. –