في سنوات عمره الثمانين يستميت شيخ الحقوقيين بالمغرب عبد الرحمن بنعمرو في التصدي لما يسميها الإهانات التي تتعرض لها اللغة العربية، ولا يكتفي بالأقوال بل ديدنه أفعال تستعين بالقانون لإحقاق حق لغة أقرها الدستور لكن واقع الحال يفرض أمرا آخر.
خلال هذا العام رفع بنعمرو دعوى قضائية ضد إدارة الضرائب ووزارة الاقتصاد ورئاسة الحكومة بعدما فوجئ وهو بصدد التصريح وأداء المستحقات الضريبية المتعلقة به بأن جميع المطبوعات مكتوبة باللغة الفرنسية وحدها، وأمام رفض المسؤولين في الإدارة المعنية استخراجها باللغة العربية لجأ إلى القضاء.
القضية التي استمرت ثلاثة أشهر في ردهات المحاكم وآزرته فيها التنسيقية الوطنية للغة العربية والجمعية المغربية لحماية اللغة العربية انتهت في يونيو/حزيران الماضي بحكم ابتدائي لصالح بنعمرو اعتبر استمرار العمل بالوثائق المحررة باللغة الفرنسية يتضمن انتهاكا لمقتضيات الدستور وخرقا للقانون وعملا مناقضا لمبادئ دولة الحق والقانون، مما يشكل عملا غير مشروع، وفق ما جاء في الحكم القضائي الذي اطلعت عليه الجزيرة نت.
لم تكن تلك القضية الوحيدة التي رفعها بنعمرو ضد الدولة لنفس السبب، بل سبقتها دعاوى قضائية تواترت منذ أزيد من عشرين سنة ضد مؤسسات عمومية أخرى.
وإلى جانب نضاله القانوني في المحاكم يناضل بنعمرو ضمن التنسيقية الوطنية للغة العربية، فهو لا يستسيغ المد الفرنكفوني الذي توغل في الحياة اليومية والإدارية والاقتصادية بعد ستين عاما على الاستقلال، وبلهجة يمتزج فيها الغضب بالأسى يقول للجزيرة نت “كل الدول إنما تقدمت بلغتها، والدولة التي لا تحمي لغتها ليست وطنية”.
نشر الوعي
التنسيقية هي تكتل لسبع جمعيات تعمل من أجل نشر الوعي في صفوف المواطنين لاستعمال لغة الضاد ودعوتهم إلى التمسك بلغتهم ورفض التعامل مع وثائق بلغات أجنبية.
ووضعت التنسيقية اللمسات الأخيرة على مشروع قانون خاص باللغة العربية يتضمن بنودا تلزم الدولة بتحمل مسؤوليتها في الحفاظ على لغة البلاد وترتيب جزاءات على غير الملتزمين باحترامها، وتستعد للتواصل مع الفرق البرلمانية بشأن هذا المشروع.
وقبل أسابيع قدم الفريق البرلماني لحزب العدالة والتنمية الذي يقود التحالف الحكومي مقترح قانون لمجلس النواب يقضي بحماية وتطوير تنمية استعمال اللغة العربية، وتمت إحالته إلى لجنة التعليم والثقافة والاتصال، وينص المقترح على تنمية استعمال اللغة العربية في التعليم والإعلام والحياة العامة والإدارة والتجارة الداخلية وجميع الخدمات العمومية وفي علاقات الشغل، ويضع عقوبات وغرامات مالية في حق المخالفين للقانون.
قانون حماية اللغة العربية هو مطلب دعت له الحركة المدنية وناضلت من أجل إخراجه إلى الوجود، ورغم أن المجتمع المدني المدافع عن اللغة العربية حديث النشأة نسبيا فإن أدواره تطورت في الآونة الأخيرة.
وقال رئيس الائتلاف الوطني من أجل اللغة العربية -الذي يضم مئتي جمعية- فؤاد بوعلي إن تخلي الدولة عن مسؤوليتها في حماية اللغة الوطنية دفع المجتمع المدني للانخراط بقوة في التوعية والترافع واقتراح البدائل ومواجهة مبادرات تهميشها.
أنشطة أكاديمية
ويعمل الائتلاف -حسب بوعلي- على نشر الوعي بتنظيم أنشطة أكاديمية وعلمية وفنية وثقافية موجهة لمختلف الفئات العمرية، بالإضافة إلى التواصل مع الهيئات السياسية والنقابية والجهات الحكومية.
وبفضل مجهودات المجتمع المدني تنامى استعمال اللغة العربية تدريجيا، ومن ثماره اقتحام لغة الضاد مجالات كانت حكرا على اللغة الفرنسية، إذ نوقشت 12 أطروحة في الطب باللغة العربية خلال السنتين الأخيرتين، وفي الرياضيات والهندسة لأول مرة.
وتطورت نسبة المغاربة الذين يستخدمون اللغة العربية في موقع التواصل الاجتماعي فيسبوك من 32% إلى أكثر من 69% بين 2014 و2016 مزيحة اللغة الفرنسية من الصدارة.
ويرى بوعلي أن للمجتمع المدني دورا أساسيا في مقاومة الزحف الفرنكفوني وتصحيح المسار الخاطئ الذي تنتهجه الدولة، وأضاف أنه رغم هذا العمل المتواصل فإننا “لا نقول إننا حققنا الكثير لكننا في الطريق الصحيح الذي سيوصلنا إلى الهدف”.
إنها معركة كما يصفها شيخ الحقوقيين عبد الرحمن بنعمرو وهب لها حياته، ما مضى منها وما هو آت، ويأمل أن تحمل أجيال شابة المشعل، معركة ينبغي أن يتحمل المسؤولية فيها المثقفون والنقابات والأحزاب ومجتمع المدنيين من أجل بناء وعي شعبي معتز بلغته، فالشعب الذي لا يحمي لغته لا يستحق الحرية والديمقراطية، وفق تعبير بنعمرو.
الجزيرة نت