د. خالد حسين أحمد أبو عمشة
ليس من المبالغة القول بأن مهارة القراءة هي الأساس الذي تقوم عليه عملية تعليم العربية للناطقين بغيرها، ومنها يتم الانطلاق نحو المهارات الأخرى: المحادثة والكتابة والاستماع. وتعدّ مع قرينتها مهارة الاستماع من المهارات الاستقبالية في اللغة التي تستدعي إجراء عمليات عقلية عليا من أجل الفهم والإفهام. وهي -أي عملية القراءة- عملية معرفية معقدة تقوم على فك تشفير الرموز المكتوبة من أجل الحصول على الفهم. وتتطلب عملية القراءة ممارسة وجهودا مستمرة. والقراءة جزء حيوي في حياتنا بحيث تتيح لنا فهم العالم من حولنا والتواصل معه. والقارئ الجيد هو الذي يوظف البنية الصرفية والدلالية والتركيبية والسياق في التعرّف إلى المعنى وإدراكه. وللقراءة فوائد عديدة في حياتنا، فهي السبيل للتواصل الإنساني والاندماج في المجتمع، فضلاً عن أهميتها في تنمية الفكر والوعي لدى الفرد ناهيك عن دورها في اكتشاف الأشياء الجديدة من حولنا، ولها إسهام كذلك في تطوير مهارات التخيل.
والقراءات أنواع، أهمها وأشهرها:
- القراءة السريعة التي تستهدف الفكرة الرئيسية والأفكار الثانوية في النص.
- القراءة المسحية التي تستهدف معلومات محددة بعينها.
- القراءة الموسعة التي تستهدف النصوص الطويلة للفهم العام والمتعة.
- القراءة المكثفة التي تستهدف النصوص القصيرة لمعلومات مفصلة للحصول على فهم دقيق.
ومن الباحثين مَن يجعلها في نوعين: القراءة التحليلية والقراءة التخمينية.
أمّا أسس اختيار النّص، فأبرزها:
- أن يتسمّ بالأصليّة، أي أن يكون مكتوباً في مبتدئه لأبناء اللغة.
- أن تكون لغته مناسبة لمستوى الطلبة بحيث يكون نصاً متحدياً لا نصّاً صادماً.
- أن يكون ممتعاً فيه جاذبيته، يحمل فكرة ممتعة وتُحبّ قراءته.
- أن يكون مناسباً من حيث الطول والقصر بناء على المستوى.
- أن يكون غنيًا بالكلمات والتراكيب التي يمكن أن تخمّن أو تكتشف ضمن المفردات من قبل الدارسين.
- أن يكون مثيراً للنّقاش ويمكن استثماره في المحادثة.
ومن الأسئلة الملحة في تدريس القراءة: متى يجب أن تقدّم المفردات الجديدة قبل نص القراءة أو بعده، أيهما أنفع وأجدى وأفضل في مجال تعليم العربية للناطقين بغيرها تقديمها على النص أم تأخيرها؟ وقد كنت ذكرت في مقالة منشورة على مدونتي على الجزيرة بعنوان “نظريات تموضع المفردات الجديدة في مناهج العربية للناطقين بغيرها”، وهي على النحو الآتي:
المدرسة الأولى: جمع المفردات والتعبيرات الجديدة في بداية الوحدة الدراسية أو الدرس الجديد. وتظهر عادة في ثلاث صور:
- الأولى: تسرد في بداية الدّرس أو الوحدة الدراسية على شكل قوائم، على الطالب أن يستخرج معانيها من المعاجم اللغوية أو بمساعدة المدرس.
- الثانية: تسرد في بداية الوحدة الدراسية أو الدرس الجديد مشفوعة بشرح لها باللغة العربية وفي بعض الأحيان بالصور إذا كانت مادية محسوسة.
- الثالثة: تسرد في قائمة وفي مقابلها معانيها بلغة أخرى بحسب مكان الكتاب وانتشاره.
وهي إمّا أن تظهر مجتمعة في بداية الوحدة، أو موزعة قبيل بداية كل درس من دروس الوحدة: قائمة لنص القراءة، وأخرى لنص الاستماع، وثالثة للثقافة وهكذا.
المدرسة الثانية: وضع المفردات والتعبيرات بعد النص مباشرة، وهي كذلك قد تخرج وفق صور ثلاث:
- تسرد بعد الدّرس أو الوحدة الدراسية على شكل قوائم، على الطالب أن يستخرج معانيها من المعاجم اللغوية أو بمساعدة المدرس أو من السياق الذي وردت فيه.
- تسرد بعد الوحدة الدراسية أو الدرس الجديد مشفوعة بشرح لها باللغة العربية وفي بعض الأحيان بالصور إذا كانت مادية محسوسة أو في الجملة التي وردت فيها.
- تسرد في قائمة وفي مقابلها معانيها بلغة أخرى بحسب مكان الكتاب وانتشاره.
المدرسة الثالثة: وهي المدرسة التي لا تضع المفردات قبل النص الأساسي للوحدة ولا بعده، بل تظهر هذه الكلمات بلون مختلف أو بصورة تبرزها عن باقي المفردات، ويتم التدريب عليها وإكسابها دون أن ترد في قائمة خاصة قبل النص الأساسي أو بعده.
هذا من حيث الترتيب أّما من حيث فلسفة التدريس، فهناك مذهبان شائعان في الميدان:
- الأول: يقوم المدرس بتدريس المفردات التي تقع في بداية النص أو بعده في الفصل ثم يسير بشكل مطرد في نص القراءة والتدريبات وهكذا.
- الثاني: يضع هذا المذهب مسؤولية دراسة المفردات الجديدة على كاهل المتعلم وتقتصر مهمة المعلم في توفير فرص التعرض والإنتاج للمفردات عبر التمارين الميكانيكية في البيت والتفاعلية في الصف، قبل الدخول في عالم النص وتحليله ودراسته، حتى يكون المتعلم متسلحاً بمعرفة المفردات وإلا سيبقى معتمداً على مدرسه وقاموسه في شرح المفردات، وبالتالي فقدان حس المتعة في دراسة النص وتحليله، والعمق في المحادثة والاستمرار فيها.
وأميل شخصياً إلى المذهب الثاني، وفي الوقت ذاته يمكن أن يكون المذهب الأول صالحاً إذا كان البرنامج يحتوي على عدد ساعات إضافية بحيث يقوم المدرس بتدريس المفردات ومعانيها في الفصل لكن بشرط أن يعطي الفرصة بعد ذلك إلى المتعلم كي يعود للبيت ويستعد للنص القرائي وتدريباته ويحفظ المفردات. وعليه لا يصلح في هذا المذهب تدريس المفردات والنص في اليوم ذاته. أنى للمتعلم أن يكتسب المفردات بعد التعرض لها لمرة واحدة أو مرتين وهي قد تكون بالعشرات؟ يحتاج المتعلم لأكثر من عشر مرات من التعرض للمفردة الواحدة لكي يتمكن من اكتسابها والقدرة على إعادة إنتاجها.
ومن مبادئ تدريس نص القراءة:
- توظيف الصور المرتبطة بموضوع نص القراءة التي تساعد على استدعاء أكبر قدر من المفردات والتراكيب اللغوية التي تساعد على مناقشة الموضوع والتعمق فيه، وعمل عنقدة للمفردات ذات الصلة والعلاقة.
- استثمار معرفة المتعلّم السابقة بالعالم حيث إنها توفر أرضية مناسبة ونافعة في تطوير الحوار والمناقشة حول النص، وتدفع المتعلم نحو مزيد من التفاعل.
- وينبغي عدم استعمال القاموس في القراءات الأولى حيث إن استخدامه يعزز الاتكالية وتثبيط اكتساب الاستراتيجيات التي تتحقق بعيداً عن استخدام القاموس، والسماح بدلا من ذلك للمتعلمين بتوظيف خبرتهم السابقة ومفرداتهم ذات العلاقة في فهم الفكرة العامة فضلاً عن تنشيط وتفعيل استراتيجيات الوزن والجذر والسياق في فهم النص.
- والقراءة في مفهومنا العام هي القراءة الفاهمة وليست القراءة الجاهرة، حيث تنسجم الأولى مع كون القراءة عموماً من المهارات الاستقبالية وليست الإنتاجية، ولا تعدو القراءة الجاهرة لدي أكثر من تدريب ميكانيكي على الأداء الصوتي وربما ممارسة الإعراب على نهايات الكلمات. وعليه يجب ألا يكون درس القراءة عبارة عن قراءة جاهرة للمتعلمين. ويجزئ أن يقوم بعض المتعلمين بقراءة فقرة أو سطور أو أن يقوم المتعلمون بتسجيل فقرة في البيت وإرسالها للمعلم عبر وسائل التواصل الاجتماعي أو التقنيات الحديثة.
- أن يكون للاستراتجيات القرائية مكانها في تعليم الدارسين القراءة وتعويدهم على ذلك، والمراوحة بين القراءة التحليلية التي تبدأ من البيت وتتعدد وتنتهي في الفصل، وبين التخمينية التي تبدأ وتنتهي في الفصول الدراسية.
تدريس القراءة من الكليات إلى الجزئيات أو من الجزئيات إلى الكليات
حظي مُصْطلحا Top down processing و bottom up processing في تدريس مهارة القراءة بترجمات مختلفة، منها الانتقال من العام إلى الخاص ومن الخاص إلى العام، أو الانتقال من التفاصيل إلى العموميات والانتقال من العموميات إلى التفاصيل، أو الانتقال من الكليات إلى الجزئيات والانتقال من الجزئيات إلى الكليات، أو الانتقال من الأعلى إلى الأسفل أو الانتقال من الأسفل إلى الأعلى، أقول أولاً لا مشاحة في الاصطلاح، المهم هو إدارك الفكرة والسير على منوالها.
إنّ الانتقال من الكليات إلى الجزئيات في تدريس نص القراءة يروم توظيف ذكاء المتعلم و خبرته في فهم النص في حين تسعى استراتيجية الانتقال من الجزئيات إلى الكليات من تمكين المتعلم من جمع أكبر عدد من التفاصيل لتساعد في بناء الكل، فإدراك الرموز والحروف ومقاطع الكلمة، والكلمات نفسها ودلالاتها تساعد في تحقيق الفهم العام و الإدراك من مجموع الأجزاء. ويمكن تشبيه الانتقال من الجزئيات إلى الكليات كعالِم يحمل عدسة مُكبِّرة أو مجهرا يتفحص كل التفاصيل الدقيقة لظاهرة ما، بينما يمكن تشبيه استراتيجية التدريس من الكليات إلى الجزئيات بعين نسر ترى الأرض والطبيعة من الأعلى.
وتوصلت بعض الدراسات التي أجريت مؤخراً أن الجمع بين الإستراتيجيتين المذكورتين سابقا أو ما أطلقوا عليه اسم “القراءة التفاعلية” تكاد تكون الحل الأمثل في نجاح العملية التعليمية لأهمية كلتا المنهجيتين ودورهما الفعال في اكتساب اللغة.
استراتيجية SQ3R في تدريس مهارة القراءة
هذه استراتيجية فعّالة أيضاً في تدريس نص القراءة في مجال تعليم العربية للناطقين بغيرها، وهي استراتيجية تتكون من سلسلة من الإجراءات و العمليات المهمة التي أخذت اسمها من عملياتها، وهي تتكوّن من خمس مراحل:
- أولاً : (Survey) والمقصود بذلك أن يلقي الطالب نظرة عامة، و يُجري قراءة مسحية للحصول على الفكرة العامة من النص.
- ثانياً: (Questions) بحيث يسأل الطالب أسئلة تتعلق بالنص و بما يريد أن يعرفه عنه.
- ثالثاً: (Read) و المقصود بذلك أن يقرأ الطالب النص بحثاً عن إجابات للأسئلة التي طرحها.
- رابعاً: (Recite) و المراد بذلك أن يناقش الطالب أبرز الأفكار التي استخلصها من النص سواء بشكل شفهي أو كتابي.
- خامساً : (Review) قيّم ما توصلت إليه و ما استفدت منه ، و اجعل منه مرجعا موثوقاً للمدى البعيد.
و بالطبع فإن هذه الاستراتيجية ليس بالضرورة أن تناسب كل المستويات اللغوية والنصوص القرائية، و لكن يمكن النظر إليها على أنّها طريقة أخرى لتدريس القراءة والتنويع فيه.
ويمكن تقسيم خطوات تقديم درس القراءة إلى:
ما قبل القراءة
القراءة
ما بعد القراءة
مثال تطبيقي على تدريس نص تحليلي: (يبدأ العمل عليه من البيت وينتقل إلى الفصل)
خطوات معالجة النّص القرائي
ما قبل القراءة (في البيت):
- يقوم المتعلم بالاطلاع على النص وقراءته محاولا الإجابة عن سؤال أو اثنين كلف بهما، يجبران المتعلم على قراءة النص كاملاً، وللمتعلم كامل الحرية في قراءته لأي عدد شاء مستخدماً القاموس أو بدونه. كأن يكون السؤال: هات نهاية أخرى لهذه القصة. على الرغم من كون الواجب التحضيري للنص سؤالا واحداً، إلا أنه يجبر المتعلم على قراءة النص كاملاً ليأتي ببديل مناسب.
القراءة
-
- الإحماء: ويكون عبر طرح بعض الأسئلة ذات العلاقة التي تقود إلى الموضوع ولا تكون حوله مباشرة أو عبر مجموعة من الصور التي تقود إليه.
- الانتقال من العام إلى الخاص: فهم الأفكار الكليّة والجزئيّة قبل التّحليل
- استثمار الصور والفيديو والشّخصيات والأحداث الموجودة في النص
- استخدام الأسئلة النّاقدة
- طرح فرضيّات ومناقشتها (حول الزمان والمكان والشخصيات)
- الوقوف عند المفردات والتّراكيب وتوسيعها
ما بعد القراءة
- استثمار النّص: النّشاط الإبداعي (إعادة إنتاج النّص محادثةً وكتابةً) في موقف شبيه كمقابلة أو إجراء ندوة أو مؤتمر أو موقف تمثيلي إلخ.
مثال تطبيقي على تدريس نص تخميني (صفي):
يهدف تدريس هذا النص دون سابق اطلاع من المتعلمين عليه من أجل تسليحهم بالاستراتيجيات، استراتيجيات التنبؤ والتخمين والاكتشاف موظفين السياق والجذر وغيرهما في فهم المعنى، فضلاً عن كونه يخلق التّحدي لدى المتعلمين، ويقوي مستوى الطالب بالقراءة دون القاموس، ويقيس درجة تقدّم الطلبة، ناهيك عن تعزيز الدّافعية لدى الطّالب بقراءة نصوص أصليّة. ولعل أبرز ميزة له هو إضفاء المتعة والنّشاط للصّفوف.
ما قبل القراءة
- الاستحواذ على اهتمام الدارسين عبر عرض صور أو فيديو أو مجموعة أسئلة تقود لموضوع نص القراءة دون التصريح بذلك من أجل:
- استدعاء الكلمات والتعابير المتعلقة بالنّص وكتابتها على اللوح وعنقدتها حتى تساهم في مناقشة فكرة النص وموضوعه.
القراءة
- البدء بالعنوان وطلب توقعات الطلبة (بناء سيناريوهات) وتوسيعها.
- اعتبار النص جزءاً واحداً أو تقسيمه إلى أجزاء حسب طوله.
- استخراج الأفكار الرئيسية ومناقشتها في مجموعات ثنائية بعد قراءة واحدة أو اثنتين حسب ما يقتضيه النص.
- عرض الأفكار من المجموعات ومناقشتها.
- استخلاص الأفكار الثانوية ومناقشة التفاصيل والوصول إليها.
- السؤال عن الكلمات التراكيب والمفردات غير الواضحة واستخدام استراتيجيات الاكتشاف والتخمين.