أكد الدكتور عبد العزيز بن عثمان التويجري، المدير العام للمنظمة الإسلامية للتربية والعلوم والثقافة –إيسيسكو-، أن مكانة اللغة العربية في السياسة اللغوية الوطنية، رهينة بمدى حرص أهلها والقائمين عليها، من مجالس تشريعية ومؤسسات دستورية ومؤسساتٍ تربوية وثقافية وعلمية واجتماعية ومنظماتِ مجتمع مدني، على التمكين لها حتى تنهض بدورها في دعم التنمية الشاملة المستدامة.
وقال في كلمة له ألقيت بالنيابة في افتتاح المؤتمر الوطني الخامس للغة العربية اليوم في الرباط، الذي يعقد تحت شعار (الخيارات اللغوية للمغرب وتطوير النموذج التنموي)، إنّ مسألة الخيارات اللغوية الوطنية، وإنْ كانت من المسائل التي أثارت، في مختلف الدول العربية، من الجدل الشيءَ الكثير، ونوقشت بإسهابٍ طَوال العقود الماضية، وخاصة في بدايات حقبة التحرر الوطني من الاستعمار، فإنها تظلّ من القضايا التي يتجدّد تناوُلها باستمرار، خاصةً مع ظهور تحدّياتٍ تربوية وثقافية جديدة، رافقت بروزَ ظاهرة العولمة التي تُلغي الحدود التقليدية بين الأمم والشعوب، وتُزيل الحواجز بين الثقافات.
وأشار إلى أن التمكين الحقيقي للغة العربية، حتى تنهضَ بأدوارها التنموية الشاملة، يتطلب بالضرورة، إغناءَ اللغة وتجديدَ مضامينها والارتقاءَ بها، لتؤديَ دورها في الحياة العامة، وتصبح لغةَ المعرفة والعلم والابتكار والإبداع، موضّحاً أن من ضرورات العناية باللغة العربية، تطويرَ مناهج تعليمها ووسائله في مختلف المستويات، وفتحَ المجال أمامها لفرض مكانتها في الأنشطة الفنية والثقافية المتنوّعة وفي الاختصاصات العلمية، والحدَّ في وسائل الإعلام المرئية والمسموعة خاصة، من طغيان العاميات وما شاع فيها من لغة هجينة بين الفصحى والعامية صارت تؤذن بفشوّ الرّطانة وانتشار الإسفاف اللغوي. وقال إن تلك مسؤوليةٌ يتحمّلها أصحابُ القرار والنخبُ الفكرية والأكاديمية والثقافية وأسرةُ التربية والثقافة والإعلام والفنون.
وذكر أن خبرة التاريخ وتجارب الأمم والشعوب، تُـبـيّـن أن الدول المتقدّمة، استندت في إنماء شخصيتها الحضارية وصياغة أنموذجها التنموي، إلى لغاتها الوطنية الجامعة، فأحاطتها بالرّعاية والحماية، وأمدّتها بعناصر التطوير والتجديد، حتى تظلَّ مواكبةً المستجدّات والابتكارات، في مختلف حقول الإنتاج والإبداع الإنساني، مـن تربية وتعليم وثقافة وإعلام وبحث علمي واقتصادٍ ومعلوميات واتصال.
وأوضح أن ليس معنى أن يكون للغة العربية مقامُها المحمودُ في مؤسسات الدولة وخططها التنموية ومنظوماتها الإنتاجية وفي المجتمع، أنْ تُهضَم اللغات الوطنية الأخرى، أو أنْ يُغلَق البابُ أمام اللغات الأجنبية. مبرزاً أن الحفاظ على اللغة العربية للأطفال داخل المجتمع الواحد، عاملٌ مهمّ، وعنصرٌ جوهريّ في تعزيز التماسك والوحدة الوطنية.
وخلص إلى القول : « إن الحصيلة العلمية والتوصيات العملية التي سيخرج بها المؤتمر، جديرةٌ بأن تُـترجم إلى ممارسات عملية، وتُصاغ في قرارات تنفيذية، لتـأخذ سبيلها إلى التطبيق العملي في الواقع المعيش، وذلك حتى يكون للمؤتمر تأثيره الملموس في الحياة العامّة، ويظل قائماً بدوره الاقتراحي للنهوض باللغة العربية في المجالات كافة، والدعوة للعمل على أن نظل أوفياء لهذه اللغة العريقة الجميلة، عارفين قدرها، ومدافعين عنها، وعاملين على النهوض بها، ساعين لإحلالها المكانة اللائقة بها».
وأشاد الدكتور عبد العزيز التويجري في كلمته، بالجهود التي يبذلها الائتلاف الوطني من أجل اللغة العربية الذي نظم المؤتمر، في خدمة اللغة العربية والتمكين لها في المنظومة التربوية الوطنية، وفي النهوض بأدوارها في مختلف مجالات الإنتاج العلمي والثقافي والإبداعي والاجتماعي.