نظم “صالون العربية” الذي يسهر عليه الائتلاف الوطني من أجل اللغة العربية في موضوع :”عربيتي التي أحيا بها والسياسة اللغوية في المغرب”من تأطير الدكتور عبد القادر الفاسي الفهري بقاعة الندوات بالمعهد العالي للإعلام والاتصال بالرباط . افتتح الدكتور عبد القادر الفاسي الفهري -رئيس جمعية اللسانيات وعضو مبادرات وطنية وعربية ودولية وأستاذ محاضر بجامعة محمد الخامس- مداخلته بعد الديباجة باستنكار مفاده أن اللغة العربية ليست لغة ميتة مادام يتكلمها أكثر من 500 مليون ناطق عبر العالم، أي نصف مليار ناطق بالعربية. ليست لغة ميتة وهي الرابعة في الاستعمال بالعالم والأوفر حظا من حيث التداول بالشبكة العنكبوتية بعد الإنجليزية والصينية والإسبانية لتأتي اللغة الفرنسية بالمرتبة العاشرة. فاللغة العربية لغة تعبيرية ولغة صحافة متميزة بشهادة كبار العلماء عبر العالم بعكس ما تسوقه الأبواق الكاذبة. أشار د.عبد القادر الفهري الفاسي لجون جاك بيرك وكتابه “Les arabes” الصادر سنة 1973م، كتب فيه فصلا عن اللغة العربية بصفتها نموذجا لسانيا يجد ذاته وهي آخر شيء يحتفظ به العرب وسيسترجعون من خلاله ما فاتهم ولو مع وجود كل الاختلالات السياسية والاقتصادية والاجتماعية القائمة. فهذه اللغة الحية والقوية إذا! ماذا تحتاج لتحيا بنا و نحيا بها ؟! يتساءل ليجيب أنها ستحيا باللغويين واللسانيين وبالعلماء وكل المخلصين لأوطانهم، فاللغة وطن ولم تكن يوما لغة قومية وإنما مثلها مثل الإسلام فهي لغة من ينطق بها، فسيبويه والفراهيدي وابن ماجة ليسوا عربا والناطقون بالعربية ليسوا قوميين. فمليار ونصف مليار من المسلمين؛ للعربية عندهم مكانة القرآن وهذا لا يوجد بأي لغة أخرى من لغات العالم . فكيف إذا -يتساءل المحاضر- أن أحيا بها و تحيا بي؟! فكيف أحيا هذه اللغة التي سيقت إليها الأكاذيب من قبيل أنها ميتة ولغة قديمة وكلاسيكية ولا تواكب روح العصر وليست لغة علم وعمل و امتهان؟! كيف نعيد للغة بريقها ونتصدى للأضاليل والأكاذيب التي تروج ضد لغتنا العربية ؟! أين اللسانيين واللغوين ليردوا الفضل للغة؟ أين القانون المسخر لخدمة اللغة العربية؟! فحسبه ثمة عقوق لغوي وارد يجعل المنتسبين لها لا يبرونها ولا يخدمونها . تحدث عن النقاش بين العامية والفصيحة والدارجة وعده مبنيا على سوء فهم بل جهر بأنه يعود لنية غير حسنة ومبيتة تكيل باللغة العربية. فقضية “ديكلوسي” أو الازدواجية اللسانية كانت مفهوما منتشرا لكنه تزوج ، فاللغة ليست ذات مستويات بل فيها “نوعات” وهي ترجمة لكلمة “فيرايتي” التي لا تعني بتاتا الازدواجية وإنما نوعات، فسعيد بدوي كتب في الثمانينات كتابا أسماه “مستويات العربية في مصر” لكنه ككثيرين يتكلمون عن اللغة ولا يعرفون ماهيتها ولا طبيعتها. لذلك يحيلنا د.عبد القادر الفاسي الفهري على مصطلح “النوعة” الذي يتبناه كمفهوم جديد ونوعات اللغة العربية حسبه خمسة وهي : نوعة معيارية ونوعة شعبية وثالثة وسيطة بين الفصيحة والعامية ورابعة نوعة متخصصة وخامسة نوعة غير قطرية أو نوعة متعددة المراكز بالإضافة إلى نوعات مهجورة يمكن إعادة إحيائها. النوعة المعيارية تتحكم فيها معياريا المؤسسة المنوط بها معيرة هذه اللغة كالمجمع اللغوي أو الأكاديمي التي يكون عملها علميا أو فنيا فقط، أما السياسة اللغوية فهي مسؤولية الدولة، فلكل بلد سياسته الوطنية والترابية التي تختلف عن سياسة حتى دول الجوار ولو مع وجود بعض التوافقات ،لأنها ببساطة تملك معيرة مختلفة . وهناك النوعة العامية وتسمى الشعبية كذلك وهي لغة اليومي والتخاطب الشغهي ولغة التراث والمروي والمحكي. وهنا أشار عبد القادر الفاسي الفهري إلى أن العامية ليست واحدة فعامية فاس ليس هي عامية مكناس أو مراكش، ويجيب على الداعين لتوحيد العامية وهي جز لا يتجزء من التراث والتي يسهر عليها الدستور، فليس من مصلحة التراث توحيد العاميات؛ فهي سر من أسرار التراث المغربي وغناه فإذا ما تم توحيدها فإننا نقتله ونعدمه. هذا عن النوعة العامية أما النوعة الوسيطة فيوحي بذلك اسمها لأنها بين الفصيحة والعامية وهي لغة درجت عليها وسائل الإعلام فجاءت بمنزلة بين المنزلتين، بنحو عامي شعبي ونحو عربي فصيح، إلا أنه لاتوجد عامية تعبر عن ما يمكن أن نعبر عنه بالفصيح لذلك فلا يعرف اللغة الوسيطة إلا من له دراية بالفصيحة. أما النوعة المتخصصة فتشمل كل النوعات التقنية والعلمية ولها صلة بالعلوم، كما أن لكل علم أو تخصص لغته ومصطلحاته ومفرداته.
لتبقى النوعة القطرية آخر نوعة شملتها مداخلة اللغوي واللساني عبد القادر الفاسي الفهري وهي نوعة تجاوزت الأقطار وملك لكل الفضائيات، لغتها عربية متعددة المراكز ولا تخضع لقطر معين ومفروض فيها أن تجمع بين كل هذه النوعات. هذا وقد أشار إلى أن هذا التشخيص لا يخص اللغة العربية وحدها بل هو تشخيص”Standard” يصدق على لغات أخرى . أما ما يخص الشق الثاني لمداخلته حول السياسة اللغوية فقد حدثنا عن تجربته بالميدان وأحالنا لمحاضرة قيمة بعنوان “السياسة والتخطيط” منشورات مركز الملك عبد العزيز وإلى كتاب سيصدر قريبا حول “العدالة اللغوية”. كماوتحدث عن تجربته الميدانية بعد أن تخلى عن منصبه بجامعة ستانفورد وهي من أحسن الجامعات بالعالم وهو الحاصل على اثنان دكتوراه من جامعة السوربون، تخلى عن كل شيء من أجل شيء واحد ألا وهووالعودة للوطن وخدمة اللغة واللسانيات. تحدث عن ظروف تعيينه كمدير لمعهد التعريب وهو معهد كان متوقفا نشاطه منذ 1982ويعاني المديونية، كما تم تعيينه ولم يخبر به إلا بعد مرور سنتين من تاريخ التعيين، كما سخر وهو يواصل الحديث بأن من أحضر التعيين دركي ليطالبه بالالتحاق فورا وأنه أمر من صاحب الجلالة ليقبل على أساس المصلحة الوطنية في وقت كان يجمع فيه حقائبه و يطلب الإعفاء، استلم المنصب وأعاد لمعهد التعريب الحياة؛ كما صدرت مجلات علمية و فكرية . أما عن مواقفه فيقول أنه قدمها بواضح النهار بالنسبة لقانون اللغات والثقافة الذي اجتمعت له لجنة وطنية ملكية؛ يقول عبد القادر الفاسي الفهري،رغم وجود تجاذبات و تنافرات بالوقت ذاته لم يمنع الأمر من توافقات كان من شأنها خدمة اللغة العربية والثقافة إلا أنه وقع عكس ما كان يرجو ويأمل ،خرجوا بنص فكك أكاديمية محمد السادس والمعهد الأمازيغي وللإشارة فهو يرفض أن تكتب امازبغية او امازيغي بالهمزة بل الأصوب أن تلفظ لمازيغية و لمازيغي. يتصور د.عبد القادر الفاسي الفهري أن هذه المؤسسات علمية وفنية ويجب أن تعمل في حدود اختصاصها وتبتعد عن السياسة والأدلجة، فهي مؤسسات مفروض فيها المساهمة في تماسك المجتمع المغربي. لكن الواقع يعكس أحيانا كثيرة عكس ذلك، فهذه المؤسسات قد تثير نزعات وتذكي نعرات عرقية فتكون بذلك تتناقض بين النص و الممارسة. أما الخطة الإستراتيجية فقد اشتغلت على مشكل ظرفي في حين أنها مشروع تنموي شامل وطالب به الملك محمد السادس، فلا يمكن أن نتصور مشروعا تنمويا في غياب قاعدة ثقافية لغوية لا تدخل المواطن في تطاحن. فالمشروع اللغوي و الثقافي لن تقوم له قائمة في غياب الديمقراطية والعدالة اللغوية والأخلاق العامة، فالمجتمع عنده سواء كان سياسيا أو مدنيا في غياب للقيم لن يرقى.