يرى عبد القادر الفاسي الفهري، خبير اللسانيات الدولي، أن المغرب لا يزال في حاجة إلى خطوات لاستكمال استقلاله اللغوي والثقافي، معتبرا أن النقاش اللغوي لم ينقطع ولن ينقطع في أي بلد من البلدان لكونه حساسا ومرتبطا بجوانب ثقافية واقتصادية وسياسية وإستراتيجية، مضيفا أن الدول المتقدمة لها ثوابت متمثلة في اللغة الرسمية الوطنية التي تكون “سيدة على أرضها”.
وقال الفاسي الفهري، ضيف مركز هسبريس للدراسات والإعلام والذي سلط الأضواء على عدد من الجوانب العلمية والمعرفية حول القضية اللغوية بالمغرب، إنه من غير المعقول أن تكون اللغة الأجنبية هي اللغة التي يشتغل بها داخل الأطر والمؤسسات، لافتا بالمقابل إلى أن دولا أوروبية وعلى الرغم من الاختلافات الحاصلة بينها، فإن هناك مشتركا بينها متمثلا في “مبدأ الترابية حيث إن اللغة الرسمية سيدة على ترابها والفرص تتاح أكبر لمن يتقن اللغة الرسمية المعيارية المعتمدة”، على حد قوله.
ويرى المدير السابق لمجلة “أبحاث لسانية” أن السنوات الأخيرة عرفت بعض التراجع داخل هذه الدول، ليكون المطلوب من المرشح إتقان لغته الرسمية الوطنية واللغة الإنجليزية أو الأمريكية، باعتبارها لغة العولمة والعلم والتكنولوجيا؛ ذلك أن انتصار أمريكا في الحربين العالميتين الأولى والثانية جعلها تفرض نفسها، بالإضافة إلى التجارة الدولية والهجرة التي جعلت هذه اللغة تبرز كلغة العولمة أو اللغة الحرة التي تمكن من التفاهم بين كل سكان العالم ولا تكاد تنازعها في هذا الدور أي لغة من اللغات.
وعرّج المتحدث موضحا اللغة العربية ليست هي اللغة التي تتيح فرص الشغل بالمملكة، مفيدا بأن السياسة جعلت من إتقان اللغة العربية ليس شرطا في التوظيف واحتلال المناصب العليا والحصول على فرص للشغل داخل الشركات وغيرها بل أحيانا يكون العكس.
واعتبر الرئيس المؤسس لجمعية اللسانيات في المغرب أن النقاش الإيديولوجي أضر باللغة، واصفا إياه بـ” المليء بالأوهام حول خصائص اللغة”، لافتا إلى أن أطرافا تنسب صورا محددة عن لغة معينة قصد استغلالها لحساباتها الضيقة، مشيرا إلى أن اللغة الفرنسية في المغرب كثيرا ما تستغل للقيام بوظائف احتكارية لنخب ترى فيها مصلحتها.
وذَكّر صاحب كتاب “السياسة اللغوية في البلاد العربية: بحثا عن بيئة طبيعية، عادلة، ديموقراطية، وناجعة”، ما كتبه جاك أطالي، الاقتصادي والأكاديمي الفرنسي، في تقريره حول الفرنكوفونية، حين قال “إن المطلوب من القائمين عليها أن يستعملوا أشخاصا في هذه الدول ممن تكون مصالحهم الشخصية مرتبطة أساسا بنشر اللغة الفرنسية داخلها”.
وأفاد عالم اللسانيات المغربي بأن السياسة المتبعة في المغرب عند تعيين شخص فرنكوفوني غالبا ما يكون مدعوما من لدن جماعة غير الجهات الوطنية؛ وهو “ما يعطي انطباعا بأن الفرنسية استعمالها لأغراض سياسية واقتصادية”، يقول المتحدث متابعا “ما جعل أطالي يعيب على المغرب وكندا استعمالهما للغة الفرنسية لكسب مصالح اقتصادية داخل إفريقيا ومناطق أخرى دون أن تستفيد من ذلك فرنسا”.
وخلص عبد القادر الفاسي الفهري إلى أن الخطة الإسترتيجية لإصلاح التعليم بالمغرب تتبنى نفحة فرنكوفونية غير معتدلة، مستدلا على كلامه بكون اللغة الفرنسية تدخل ابتداء من الروض خلال التعليم الابتدائي المبكر؛ ما يجعلها لغة من المهد إلى اللحد، متسائلا “هل كل المغاربة لهم المصلحة وفرص لنيل هذا النوع من الخطط؟” قبل أن يجيب: “أشك في ذلك”، خاتما كلامه بالقول: “أتفهم أن تكون العربية والأمازيغية لغتين إجباريتين؛ لكن ما لا أفهمه أن تكون لغة أجنبية إجبارية، خاصة من الروض، وهي أمور يجب أن يعاد التفكير فيها”.