الحكمة والبلاغة في الخط المغربي

إن الأشكال الخطية المغربية بجمالياتها الرائقة قد تتحول إلى فن بلاغي دقيق، فقد ساعد البحث في الحرف نفسه من داخله، والبحث في علاقة الحرف بالحروف الأخرى، وتشكيل مجموعة من الروابط بين الحروف والكلمات والجمل والنصوص على تشييد صرح فني جمالي بلاغي بمقومات ومواصفات خاصة بالمجال الحروفي، يدخل في سياق التحليل النقدي من حيث البناء والتكوين شكلا ومضمونا. باعتبار أن الخط المغربي مؤلف من شكل ومضمون، من شكل يشكل الفن ومن مضمون يشكل الحكمة وإبداع يشكل البلاغة. وهو صورة لكل نفس تواقة للجمال. فالأشكال الخطية هي فن جمالي بني على ثقافة حروفية بمناهج تطرح طرائق متنوعة في التعامل مع هذه الأشكال بصريا.‏ باستحضار الحس الجمالي والثقافة الحروفية والذوق الفني والمضامين ذات الحكم البالغة. فهي وإن كانت تتشكل من خلال أشياء فنية محضة مثل الألوان وحركات الحروف مثلا، فهي تكشف عن وجودها الضمني والجمالي الحقيقي الذي يعلو عن الذاتية والموضوعية.

وتعتبر الأشكال الخطية دالة على معاني وتعد بلاغة وثقافة ولغة وحكمة، تتجسد فيها كل العوالم التي تنبجس في الخطاب البصري بانعكاسه المطلق على الثقافة الحروفية البصرية. فالناظر إلى الأشكال الخطية الجمالية المغربية يجد فيها انطباعا وإحساسا يقارب به الوعي المعرفي والجمالي الذي يغذي جمالية الأشكال الخطية فيسعى إلى تأويل التمظهرات الخطية ومقاربة فنيتها من حيث خطاباتها الجمالية والبلاغية ومن حيث تجليات الخطاب البصري أيضا في هذا المنجز الجمالي الفني ومن حيث المضامين المتشبعة بالحكم.

إن الأشكال الخطية بحروفها المتوالفة والمتصلة والمتشابكة التي تغلب عليها وحدة القياس والاتزان والتراص والدقة، لتتمتع بالخصوصية الجمالية وخصوصية المضامين الحكيمة التي تصدر في نطاق الوعي الجمالي والوعي بمضامين النصوص التي تحتضن الممارسة الخطية بإبداعاتها وأشكالها الفنية، بمقاربة جمالية لأهم الظواهر الجمالية التي يتحرك في خضمها الفضاء الحروفي شكلا ومضمونا فتتجلى الحكمة والبلاغة، وهي تشكل صورة حروفية تتحقق لغويا ودلاليا. فالأشكال الحروفية تتسم بخصائصها الهندسية المتنوعة، والحروف بكل مقوماتها الجمالية تتسم بطابع المطاوعة والسلاسة من استدارات وتناغم وحركيات وسكنات وكتل وتركيبات واسترسالات وتدويرات وأساليب موسيقية وتناسق شكلي وتناغم مع الإيمالات وأنصاف الاستدارات والتقويسات والإخفاءات الحرفية وطبائع الألوان وما إلى ذلك من الأشكال المتعددة، وكل ذلك ينصهر في تأليفات نوعية تصنع أشكال خطية جمالية تتمتع بالعديد من القيم الدلالية والجماليات البصرية. لذلك فالحرف يجعل من الفضاء نبضا للتعبير الحقيقي، وبذلك يضحى نتاج أسلوب قوامه يتجاوز حدود الشكل العادي إلى التأصيل لتأسيس منحى خطيا فريدا بأفق بعيد ينحت مسارا مختلفا بأشكال تعبيرية تصنع سلطة دلالية مائزة تعمق البعد الإبداعي لثقافة القيم الحروفية والجمالية الملتصقة بالمنحى البصري والتي تغني الصورة الخطية وتغذي التشكيلات المتنوعة التي يعد الحرف أحد مفرداتها الناطقة بالحكمة والبلاغة.

د. محمد البندوري

التعليقات (0)
إضافة تعليق