الرباط ـ «القدس العربي»: من أهم الأحداث الثقافية التي ميزت المغرب خلال 2018، عدم تمكن اتحاد كتاب المغرب من استكمال أعمال مؤتمره التاسع عشر في طنجة، بسبب نقاش حاد انفجر خلال الجلسة الافتتاحية، وكذا السجال القوي الذي حدث نتيجة صدور كتب مدرسية تحتوي على مفردات من العامية المغربية، علاوة على تنظيم مجموعة من التظاهرات والمهرجانات الثقافية والفنية.
مؤتمر الكتاب.. إلى أجل غير مسمى
ما إن انطلقت الجلسة الافتتاحية لمؤتمر اتحاد الكتاب في طنجة، حتى فاجأ الشاعر حسن نجمي (الرئيس الأسبق للاتحاد) المنظمين والمؤتمِرين بطلبه الحديث في إطار «نقطة نظام». صعد إلى الخشبة، وأمسك الميكروفون، وشرع في توجيه انتقادات حادة إلى عبد الرحيم العلام شخصيا، تتعلق بأمور تسيير الاتحاد إداريا وماليا. ورغم محاولات العلام الرد على تلك الانتقادات، فإنه لم يتمكن من مواصلة كلمته وإسماع صوته. ومما زاد الطين بلة، صعود الكاتبة ليلى الشافعي هي الأخرى إلى الخشبة، ومحاولتها شرح ملابسات مشكلتها مع الرئيس الحالي للاتحاد. وكان المكتب التنفيذي اتخذ في حقها قرار «الطرد» من هذه المنظمة الثقافية، بعد نشرها مجموعة من الاتهامات الأخلاقية والمالية الموجهة إلى عبد الرحيم العلام، ما حدا بهذا الأخير إلى رفع دعوى قضائية ضدها، وهكذا تحولت قاعة المؤتمر إلى فوضى عارمة، لم تنته إلا بعد الوصول إلى اتفاق يقضي بتشكيل لجنة تحضيرية مهمتها الإعداد لمؤتمر استثنائي يُعقد في وقت لاحق متى تهيأت الظروف المناسبة لذلك.
ودخل اتحاد الأدباء والكتاب العرب على الخط، حيث نشر بيانا قال فيه إنه «ينظر بقلق لما حدث في المؤتمر العام الأخـير في المغرب، فيما يرتبط بالإجراءات بتولى لجنة تسيير الأعمال وقانونيتها، خصوصا أنها تضم الأعضاء الذين أسقطهم المؤتمر العام الأخير».
كما أعلن أنه قرر تجميد عضوية الكاتب المغربي عبد الرحيم العلام، النائب الأول لاتحاد الأدباء والكتاب العرب، «لما قام به من مخالفات قانونية ولائحية واعتداءات بالقول على رئيس اتحاد كتاب العرب الشاعر حبيب الصايغ، وعدد من رؤساء اتحادات عربية أخرى». ولم يتأخر العلام في الرد، حيث نشر بيانا أوضح فيه أن قرار اتحاد الأدباء والكتاب العرب تجميد العضوية «تم بشكل فوضوي وعشوائي وبقرار غير قانوني»، مذكرا بأنه سبق لاتحاد كتاب المغرب أن رفض وشجب «التجاوزات والخروقات والانتهاكات القانونية والمالية الصارخة وللقرارات الخرقاء والجائرة التي اتخذها الأمين العام الحالي في حق اتحاد كتاب المغرب»، وعزا العلام ذلك إلى رغبة في الانتقام من المغرب، «للأسباب المعروفة لدى الرأي العام»، في إشارة إلى موقف الحياد الذي اتخذته الرباط من الأزمة الخليجية الحالية.
سبق لاتحاد كتاب المغرب أن رفض وشجب التجاوزات والخروقات والانتهاكات القانونية والمالية الصارخة وللقرارات الخرقاء والجائرة التي اتخذها الأمين العام الحالي في حق اتحاد كتاب المغرب.
دعاة العامية.. فرنكفونيون!
مع انطلاق الموسم الدراسي الجديد في المغرب، فوجئ الكثيرون بوجود كلمات من العامية المغربية في كتب تعليمية للأقسام الابتدائية، وهو ما أثار ردود فعل قوية في المجتمع المغربي، انتقلت من منتديات التواصل الاجتماعي الافتراضية إلى وسائل الإعلام المكتوبة والسمعية البصرية، إذ اعتُبرت العملية هجمة شرسة على اللغة العربية ومحاولة لتسطيح التلاميذ وإضعاف مستواهم المعرفي، من منطلق أن تلك الكلمات القلائل المُستقاة من العامية المغربية ليست سوى محاولة لجس نبض المجتمع المغربي، حول مدى تقبل الأمر أو رفضه، من أجل تغيير الكتب المدرسية وإدراج العامية فيها بشكل كلي. بينما قلل آخرون من الموضوع، مُعتبرين أن إدخال بضع كلمات لا يستدعي كل هذه الزوبعة. وذكر مسؤول في وزارة التعليم أن استعمال مفردات عامية أملته «مبررات بيداغوجية». كما أن عضوا في «المجلس الأعلى للتعليم»، هو نور الدين عيوش، عبّر عن ابتهاجه بهذه المبادرة، واعتبرها خطوة ستتلوها خطوات أخرى لاعتماد الدارجة في المدرسة المغربية. والواقع أن هذا العضو يقدم نفسه كـ»عراب» لهذا المشروع أو المخطط، ويُوصَف بكونه مُقربًا من الدوائر العليا، مع العلم أنه من أنصار الفرنكفونية كتوجه وسياسة ومخطط، وهو كذلك من الفاعلين في الاقتصاد والقروض الصغرى وسوق الإعلانات التي فرض فيها استعمال العامية. وتوجهت سهام النقد إلى نور الدين عيوش، بالقول إنه يعادي العربية الفصحى، لأنه لا يفهمها، ويدعي الدفاع عن الدارجة (التي لا يفهمها هي كذلك) ليجعلها مطية للإجهاز على لغة الضاد، فاللغة المستعملة عند ذلك «العراب» هي الفرنسية، بها يفكر ويتحدث مع المقربين منه، وبها يتعامل مع رجال المال والأعمال.
أنشطة ثقافية متنوعة
بغض النظر عن هذه السجالات، تميز المشهد الثقافي في المغرب بتنظيم العديد من الفعاليات الشعرية من طرف دار الشعر في تطوان، ودار الشعر في مراكش (وهما مؤسستان أحدثتا من طرف وزارة الثقافة والاتصال المغربية، بشراكة مع دائرة الثقافة والإعلام في إمارة الشارقة). كما نفذ «بيت الشعر في المغرب» (جمعية مستقلة) برنامجا ثقافيا مكثفا طيلة السنة، شمل تنظيم أمسيات شعرية، وندوات فكرية وحفلات تكريم وإصدار دواوين ومجلة «البيت»، وتنظيم جائزة «الأركانة العالمية للشعر» التي منحت هذه السنة إلى الشاعر اللبْناني وديع سعادة، اعترافا بمنجزه الشعري المتفرد «الذي أسهم، بجماليتِه العالية، في إحداث انعطافةٍ في مسار قصِيدة النثر العربية وفتحها على أفقٍ كوني يحتفي بالشخصي والإنساني والحياتي.» كما جاء في بلاغ لبيت الشعر. وشهدت مدينة الدار البيضاء إقامة الدورة الـ 24 للمعرض الدولي للنشر والكتاب، التي استضافت جمهورية مصر العربية ضيف شرف، وتضمن برنامجها أربعة عشر نشاطاً في اليوم، ومشاركة حوالي 350 متدخلا من الباحثين والمبدعين من المغرب وخارجه، في العديد من الندوات والليالي الشعرية واللقاءات المباشرة حول تجاربهم الإبداعية، والاحتفاء بأسماء إبداعية وبحثية متميزة، سواء الذين ما زالوا يواصلون إنتاجهم الأدبي والفكري، أو الذين رحلوا عن الدنيا، بالإضافة إلى العديد من الفقرات الثابتة المهداة إلى الكتاب، وإلى الحوار مع جغرافيات ثقافية أخرى.
في مدينة تطوان، أقيمت الدورة العشرون لمهرجان المسرح المغربي، التي تميزت بمنح الجائزة الكبرى للمسرحية الحسانية «الخالفة» من تأليف علي مسدور وإخراج أمين ناسور.
وكثفت «شبكة المقاهي الثقافية في المغرب» من لقاءاتها التي احتفت بمجموعة من الفنانين والمبدعين، من خلال تنظيم لقاءات مباشرة لهم مع الجمهور، في فضاءات المقاهي. كما شهدت مدينة وجدة تنظيم العديد من الفعاليات بمناسبة اختيارها عاصمة للثقافة العربية، واحتضنت مدينة الرباط مناظرة حول وضعية الفنون التشكيلية في المغرب.
وفي مدينة تطوان، أقيمت الدورة العشرون لمهرجان المسرح المغربي، التي تميزت بمنح الجائزة الكبرى للمسرحية الحسانية «الخالفة» من تأليف علي مسدور وإخراج أمين ناسور. وتميزت هذه المسرحية بالاشتغال على الموروث الثقافي الحساني للصحراء المغربية، من حكاية شعبية وشعر، كما تم استحضار خصوصية الصحراء في وضع السينوغرافيا وتصميم الملابس. واحتضنت مدينة مراكش الدورة الأولى لمهرجان هواة المسرح التي نظمتها وزارة الثقافة والاتصال بالتعاون مع الهيئة العربية للمسرح. وفي مدينة الرباط أقيم مهرجان المعاهد المسرحية، كما احتضنت مدينة طنجة الدورة الـ14 للمهرجان الدولي للفنون المشهدية.
على مستوى الفن السابع، أقيم العديد من المهرجانات في مجموعة من المدن المغربية، التي تميزت بإضفاء الطابع الإفريقي على مجملها. كما شهدت مدينة مراكش عودة مهرجانها المسرحي العالمي بعد توقفه عام 2017. واحتفاء باليوم العالمي للغة العربية، نظم الائتلاف الوطني من أجل اللغة العربية أسبوع لغة الضاد، الذي تميز بإقامة العديد من الندوات والورش والمحاضرات، من ضمنها محاضرة بنسالم حميش في موضوع «اللغة العربية بين مناوئيها وراعيها».
جوائز… وجوائز
جرى تسليم جائزة المغرب للكتاب برسم سنة 2018، ففي فئة الشعر، فاز صلاح بوسريف عن ديوانه «رفات جلجامش»، بينما آلت جائزة السرد إلى عبد المجيد سباطة عن روايته «ساعة الصفر، وكانت جائزة العلوم الاجتماعية من نصيب أحمد شراك عن كتابه «سوسيولوجيا الربيع العربي»، فيما تسلم الجائزة محمد الناصري عن كتابه «رغبات المدينة»، الصادر باللغة الفرنسية، ضمن صنف العلوم الإنسانية. وبخصوص فئة الدراسات الأدبية واللغوية والفنية، تسلم الجائزة مناصفة خالد بلقاسم عن كتابه «مرايا القراءة» وأحمد الشارفي عن كتابه «اللغة واللهجة». وفي ما يتعلق بصنف الترجمة، تسلم الجائزة مناصفة عزيز لمتاوي عن ترجمة كتاب «نظرية الأجناس الأدبية» لجان ماري شايفر، وسناء الشعيري عن ترجمة رواية «العاشق الياباني» لإيزابيل ألليندي. وضمن صنف الكتاب الموجه للطفل والشباب، تسلم الجائزة جمال بوطيب عن كتابه «حور تشرب الشاي مع القمر»، وخديجة بوكا عن كتابها «سكوت! نحن نلعب». وبخصوص صنف الإبداع الأدبي الأمازيغي، تسلم الجائزة عياد ألحيان، عن كتابه «سا إيغورا دار إيلليس ن تافوكت»، وفاضمة فراس عن كتابها «أسكوتي ن تلكاوت».
ودعت الساحة الثقافية المغربية القاص والروائي رشيد الشباري مدير نشر مجلة «الصقيلة» الثقافية المتخصصة ورئيس «الراصد الوطني للنشر والقراءة» (رونق المغرب).
على الصعيد العربي، توج الناقدان المغربيان محمد مشبال وعبد الرحيم وهابي بجائزة كتارا للرواية العربية 2018، في فئة الدراسات والبحوث غير المنشورة. وحاز وهابي الجائزة عن دراسة بعنوان «الاستعارة في الرواية مقاربة في الأنساق والوظائف: (روايات أحلام مستغانمي نموذجا)»، بينما نالها محمد مشبال عن دراسة بعنوان «الرواية والبلاغة ـ نحو مقاربة بلاغية موسعة للرواية العربية». وتسلمت الشاعرة المغربية نسيمة الراوي، والشاعر التونسي محمد العربي، مناصفة، جائزة بلند الحيدري للشعراء العرب الشباب، ضمن فعاليات الدورة الأربعين لموسم أصيلة الثقافي الدولي. وحصل الباحث والفنان المغربي محمد الزبيري على الجائزة الثالثة لمسابقة الشارقة للبحث النقدي التشكيلي عن بحثه «الفن والمجتمع: أسئلة المشهد التشكيلي العربي». وجرى تتويج الطفلة المغربية مريم أمجون بجائزة «تحدي القراءة بالعربي» التي أقيمت في الإمارات العربية المتحدة، بعدما تفوقت التلميذة المغربية على أكثر من عشرة ملايين مشارك من 44 دولة من الوطن العربي والعالم.
وحصل المغرب على أربع جوائز في مهرجان الإسكندرية لسينما بلدان البحر الأبيض المتوسط، إذ فاز فيلم «كيليكيس… دوار البوم» للمخرج عز العرب العلوي المحارزي بجائزة القدس لأفضل إنجاز فني، إضافة لتنويه خاص لتصميم الديكور. ونال فيلم «صمت الفراشات» لحميد باسكيط جائزة أحمد الحضري للعمل الأول أو الثاني. وحصل عثمان أشقرا على جائزة محفوظ عبد الرحمن لأفضل سيناريو عن سيناريو فيلم «ولولة الروح» لعبد الإله الجوهري، وحصلت الممثلة المغربية سعيدة باعدي على جائزة أفضل ممثلة عن دوريها في فيلمي «ولولة الروح» لعبد الإله الجوهري و«صمـــت الفراشات» لحميد باسكيط.
راحلون
فقد المغرب علما من أعلامه هو محمد بنشريفة، المحقق والمؤرخ والأديب الناقد وعضو أكاديمية المملكة المغربية، الذي رحل مخلفا وراءه العديد من الأعمال، فقد حقق أجزاء من كتاب «المدارك» للقاضي عياض و«الذيل والتكملة» لابن عبد الملك المراكشي، وعشرات الأعمال الأخرى عن الشخصيات العلمية والأدبية والفلسفية في الأندلس، كما ترك كتابا موسوعيا من خمسة مجلدات تحت عنوان «تاريخ الأمثال والأزجال في المغرب والأندلس».
وتوفي، أيضا، علي عبد القادر الصقلي الحسيني، الأديب والأستاذ الجامعي الذي اشتهر بالكتابة للأطفال وبالتأليف المدرسي، وهو حاصل على جائزة المغرب الكبرى عام 1991 عن مسرحيته الشعرية «المعركة الكبرى». كما قام بتأليف عشرات الكتب والسلاسل والروايات والدواوين الشعرية في ميداني أدب الأطفال وأدب الكبار. وقد عرف الراحل بكونه مؤلف كلمات النشيد الوطني المغربي.
وودعت الساحة الثقافية المغربية كذلك القاص والروائي والناقد رشيد الشباري مدير نشر مجلة «الصقيلة» الثقافية المتخصصة ورئيس «الراصد الوطني للنشر والقراءة» (رونق المغرب). له مجموعة قصصية بعنوان «ألق المدافن» وأخرى بعنوان «سر من رأى» ومجموعة مسرحية عنوانها «نحن مختلفون»، وهو حائز جائزة التأليف في المسرح المدرسي عام 2005.