عبد الغاني بوشوار
إنها لكارثة تاريخية أن يطالب المواطنون الإدارة العمومية أن توفر وثائقها ومنشوراتها باللغة الوطنية التي هي العربية، وكأن المواطنين يرفعون الدعوة ضد السلطات الإستعمارية ويطالبونها بمخاطبة السكان بإحدى لغات أهل البلد.
وعلى خلفية رفع دعوى قضائية ضد الحكومة جراء الأمر القضائي الذي يطالب المديرية الجهوية للضرائب أن توفر مطبوعاتها باللغة العربية أود في هذه العجالة إبداء بعض الملاحظات عسى أن يجد فيها القراء بعض الفائدة.
إن مطالبة استعمال اللغة العربية في مطبوعات جميع الإدارات العمومية واجب دستوي ومبدأ من المفروض على الدولة التي أن تلتزم به وتحترم اللغتين الرسميتين اللتين نص عليها دستور الوطن.ولسوء الحظ مع بالغ الأسف، فإن الذين أقاموا الدعوة لا يضيفون إلى مطلبهم اللغة الأمازيغية التي هي أيضا اللغة الرسمية حسب الدستور. لكن وضعها في الوقت الراهن ما زال قاب قوسين أو أدنى وما زالت النخب تتخبط خبط عشواء في إدارك حيوية هذه اللغة الرسمية الثانية فضلا عن خدمتها واستعمالها في الفضاء العمومي. لكن شأنها شأن أخر قد تطرقنا إليه في عدد من المقالات السابقة.
ولإدراك مكمن كارثة وسخرية هذه الدعوة القضائية يجب اعتبار الوضع الراهن الذي يقود فيه الحزب الإسلامي الحكومة القائمة. وإذا كانت الأمازيغية وتنزيل قوانين ترسيمها واستعمالها في الفضاء العمومي متعثرة وخجولة، فإن الأمر ليس كذلك بالنسبة للعربية، اللغة الرسمية الجميلة التي يتم تدريسها والتدريس بها في مدارسنا ويتقنها معظم المغاربية، فضلا عن دفاع الإسلاميين المستديم عنها وذهاب كثير منهم إلى تقدسيها.
ويمكن سرد بعض فوائدة استعمال اللغة العربية وانتشارها وضرورة،بل واجب، استعمالها من قبل جميع الإدارات العمومية لمخاطبة المواطنين بها، وكتابة جميع وثائقها ومطبوعاتها، فمن تلك الفوائد انتشار اللغة والتمكن منها ويصاحب هذا تقليص استعمال الفرنسية ، إضافة إلى إحراج المتفرنسين من الإداريين مما قد يسبب في دفعهم إلى تعلم لغتهم الرسمية التي يجهلها بعض كبار المسئولين في الدولة.
ومن الفوائد كذلك، انتشار الوعي بضرورة تعليم وتعلم اللغة الإنجليزية والتخطيط لبسطها في المؤسسات التعليمية كلغة استراتيجة لنقل العلوم والتكنولوجيا لوطننا العزيز.تماما كما تفعله فرنسا نفسها وتشجع لغتها عندنا كي ترتبط نخبنا دائما بثقافتها ومحيط مصالحها الإقتصادية والسياسية.
ومن الفوائد أيضا، شعور المواطنين الذين يحبون وطنهم بصدق، بالفخر والإعتزازبالإنتماء إلى وطن مستقل ذو سيادة وكرامة خارج مظلة سيطرة الفرنسيين واستبدادهم وقمعهم.
ومما لا شك فيه،إن الذين يدافعون عن استعمال الفرنسية ويبررون تشبثهم بها ويشهرون سيف الحضارة في وجه المعربين من المغاربة، فإنما يدافعون عن مصالح الإستعمار الفرنسي وارتباط مصالحهم بكابوس الثقافة التي انهالوا منها، وكل ذلك على حساب مصالح ثقافة المغاربة. أليست أم الكوارث أن يبحث المغربي على مترجم لإملاء استمارات الإدارات العمومية وقراءة مطبوعاتها التي يمولها بالضرائب المفروضة عليه لأنها مكتوبة بلغة المستعمر؟ أليست السخرية أن يتم هذا في بلده الذي يعتبر اللغة العربية، لغة القرآن، لغته الرسمية؟ كيف سيكون جوابه للمترجم؟ ربما سيقول له: “ها أنت تنظر، ما زال الإستعمار الفرنسي جاثما على قلوبنا مثل ما يجثم الشيطان على قلوب الناس”. فعلا، إنها كارثة، بل أم الكوارث.
وعلى ضوء هذا، فإنه يضل لزاما ومن حق جميع المواطنين أن يساندوا الدعوة ضذ الحكومة وضد جميع الإدارات العمومية التي ما تزال تستعمل لغة المستعمر في التواصل مع المغاربة الذين سطروا اللغتين العربية والأمازيغية في الدستور كلغتين رسميتين للمغاربة وكل من لا يستطيع التخاطب بها، عليه واجب تعلمها والإجتهاد في المساهمة في ابعاد الفرنسية من الإدارات العمومية لأنها نذكرنا دائما بوجود المستعمر بين أظهرينا ناهيك عن جهل كثير من المغاربة بطبيعتها وما يثيره استعمالها من قبل النخب المسيطرة من عقد وأمراض نفسية لديهم.
لقد مرت ستون سنة على تاريخ ما قيل للمغاربة بأنه يوم الإستقلال والحرية من كابوس الإستعمارونشأت أجيال جديدة من المغاربة لكنهم ما زالوا ينتظرون الإستقلال الحقيقي المبني على تطهيرمخزنه وإدارتة العمومية من مخلفات الإستعمار وثقافته ولغته ليخدم لغاته الرسمية العربية والأمازيغية التي تميزه وتتجلى فيها عبقرية المغاربة الذين يحبون وطنهم بصدق. فالتعريب والتمزيغ واجب وطني بموجب مقتضيات الدستور والحكومة التي لا تستطيع تطبيق الدستور تفقد شرعيتها.”أو راه كتر من ستين عام دازت”وما زال الزائر والمغربي يخال نفسه في مستعمرة فرنيسة. ألا يحين وقت رد الإعتبار وتثمين لغات أعل الوطن؟