واقع تعليم اللغة العربية للناطقين بغيرها في المغرب

1٬236

سكينة علوي

تعرف جامعاتنا المغربية انفتاحا على مختلف العلوم والفنون وكل ما يتعلق بالآداب المحلية والوطنية منها أو العالمية، مما يسمح للطالب بأن ينهل من المعرفة ويصبح قادرا على الاندماج في العالم في مختلف بقاعه، الأدب الإنجليزي والإسباني والفرنسي والعربي، كلها تخصصات تجعل الطالب مؤهلا ليكون بعد التخرج أستاذا في المادة التي يحبها.

 بعد التخرج من الجامعة تضمن المملكة المغربية لخريجي جامعاتها الالتحاق بمراكز التكوين التابعة للمدارس العليا لتكوين وتأهيل الأساتذة، ويستمر هذا التكوين سنة كاملة يتلقى فيها الطالب دروسا مكثفة حول علم النفس وعلوم التربية والديداكتيك والإدارة الصفية وطبعا الاستزادة والتعمق في المادة المتخصص فيها، وهكذا يكون مشروع الأستاذ قائما بعد أن يجري امتحانا نهائيا يكلل بشهادة تثبت فاعلية المكون وحسن عطائه المعرفي والمهني، ولأن المغرب لا يزال متشبثا بالأعراف والتقاليد وسيطرة الفكر الجمعي، فالمهنة المفضلة عند جملة من المغاربة هي مهنة أستاذ، مهنة يُوصي بها الآباء والأهل والأقرباء، فأن تكون أستاذا معناه أنك شخص فاعل وفعال في مجتمعك، ولنكون صريحين مع بعضنا البعض، فالتعليم عند الطبقات الشعبية ما هو إلا مهنة مريحة تضمن لصاحبها العيش الكريم والاستفادة من جميع الامتيازات التي يوفرها قطاع التعليم ووزارة التربية الوطنية والتكوين المهني من ضمان اجتماعي وتقاعد ونفقات أخرى مختلفة.

وهكذا فالتعليم هو الدجاجة التي تبيض ذهبا، لكن ما فتئ الأمر يتغير بتغير الوزراء وتعاقب المسؤولين الجدد سواء أكان لهم علاقة بالقطاع أم لا، نذكر على سبيل المثال: السيد الوفا والسيد حصاد والسيد الداودي وغيرهم، لتتحول هذه المهنة من مهنة الراحة والاستجمام -كما يصفها البعيدون عن المجال- إلى مهنة المتاعب، خصوصا ما عرفته السنوات الأخيرة من إضرابات واحتجاجات في القطاع، وتحديدا مسألة الأساتذة المتدربين والأساتذة المتعاقدين والأساتذة الذي ينتمون إلى التربية غير النظامية والمعطلين الحاملين للشهادات العليا الذين يطالبون بمناصب في وزارات متنوعة على رأسها وزارة التربية والتعليم.

هذا من الناحية العامة، أما من الناحية الخاصة دعونا نتفق أجمعين على قضية أصبحت تفرض نفسها وبقوة في الساحة المغربية، ألا وهي تعليم اللغة العربية وتعلمها، إذ كما هو معلوم فالمغرب عانى من مخاض عسير مع الازدواجية اللغوية في المدارس، سواء تعلق الأمر بالعاميات أو باللغة الفرنسية التي نتجت عن استعمار فرنسي ضرب مختلف القطاعات والوزارات وجعل من الفرنسية اللغة الرسمية الأولى التي يجب التعامل بها إداريا وورقيا، لتصبح اللغة العربية في عداد اللغات التي تحتضر في عقر دارها، فتراجعت مكانة اللغة العربية في التعليم والإعلام وغيرها من القطاعات الحيوية للبلاد، لتأتي بعدها فترة الدفاع عن اللغة العربية ومحاولة رد الاعتبار لها، فناضلت وما زالت مختلف الهيئات والمنظمات والجمعيات تُكابد من أجل ترسيخ القيم الوطنية والتشبث بالهوية المغربية وإعادة الوهج إلى اللغة العربية، وعلى رأسها نذكر: الائتلاف الوطني للغة العربية الذي يحاول جهد أيمانه أن يجعل اللغة العربية اللغة المحورية في البلاد انتهاجا بالدستور المغربي الذي يقول برسمية اللغة العربية إلى جانب اللغة الأمازيغية طبعا.

ونذكر مؤخرا اللقاء الرسمي مع السيد رئيس الحكومة للدفاع عن حضور اللغة العربية في المقررات التعليمية بعد تصريح السيد حصاد الوزير السابق للتربية والتعليم في جعل المقررات تدرس باللغة الفرنسية لا غير واستبعاد اللغة العربية لأنها لا تلبي المطالب حسب رأيه. وبينما هناك أناس يحاربون اللغة العربية ويسهرون على إضعافها وتهميشها هناك مَن ينميها ويطورها ويجعلها عابرة للقارات والحدود الجغرافية، ويجعل تعلّم العربية هدفا وحلما قريب التحقق لأولئك الذين يحجون من بقاع العالم المختلفة ويتحملون عناء السفر والنفقات الدراسية والشخصية ليعرفوا جمالية اللغة ويستمتعوا باستعمالها، إنه مجال تعليم اللغة العربية للناطقين بغيرها الذي نشط في السنوات الأخيرة في المملكة المغربية، وذلك نظرا لجملة من الأسباب على رأسها الاستقرار السياسي والأمني بالبلاد، وهذا ما فقدته الدول الرائدة سابقا في تعليم اللغة العربية، إضافة إلى الانفتاح الثقافي واللغوي الذي يزخر به المغرب نظرا لموقعه الإستراتيجي وقربه من ثقافات متنوعة: أفريقية شرقية عربية أوروبية.

تتعدد المراكز اللغوية التي تستقبل الطلاب الأجانب وتوفر لهم برامج تعليمية غنية ومتنوعة، سواء تعلق الأمر بالتعليم داخل الصف والذي يُشرف عليه أساتذة تلقوا تكوينا خاصا للتمكن من التواصل مع هذه الفئة -سنفصّل في هذا الخصوص فيما سيأتي مستقبلا من مقالات- أو الأنشطة الثقافية التي قد تكون إما في المركز المستقبل أو الانفتاح على فضاءات أخرى كجمعيات أو منظمات أو دور رعاية أو فضاءات ترفيهية وغيرها، وتختلف هذه الأنشطة من مركز لآخر لكن هدفها واحد استخدام ما تعلمه الطالب من موفور لغوي. بنقرة فأرة في محرك البحث سيجد الباحث جملة من المراكز التي تفتح أبوابها لاستقبال الطالب وتوفر خدماتها المتنوعة من تعليم وأنشطة ثقافية وترفيهية وسكن.

 

نحن بحاجة إلى تكوينات مكثفة في كيفية تعليم العربية للناطقين بغيرها وإلى تغطية إعلامية ناضجة تبرز امتيازات هذا المجال ومتابعات أكاديمية وبحثية مثمرة

مواقع التواصل

وإن من بين الأمور المهمة التي تشكل نقطة محورية في تعلم اللغة والثقافة العربية هو تمكن الطالب من العيش مع أسر مغربية مستضيفة، تجعله في قلب الحياة اليومية للمواطن العربي المغربي من لباس وطعام وأسلوب عيش، فترتبط عملية التعلم بالواقع المعيش، فلا تبقى اللغة العربية حبيسة عملية التعلم المملة التي تدعو إلى نفور الطالب، خصوصا إذا كان الطالب يتعلم العربية من أجل هدف يستدعي منه الحصول على وثيقة تُثبت إتقانه للغة المدروسة من أجل عمل أو وظيفة ودراسة في الجامعة، ومن خلال تجربتي الشخصية في التدريس في هذا المجال فيمكن القول إن الطالب كلما استمتع بتعلمه للغة جديدة كان ترسّخ هذه اللغة في ذهنه وحياته أقوى وأفضل، ويصبح هذا الطالب صوت العربية عند رجوعه إلى بلده، فكلما استمتع بما يفعله خلال تجربته في الدراسة بالمغرب أحب اللغة، وعندما تُحَب اللغة فإنها تعيش وتزهر وتثمر.

ولهذا الازدهار والإقبال على تعلم العربية بالمغرب تحرص المملكة المغربية على تطوير وتشجيع هذا المجال الحيوي وذلك بإحداث مراكز جامعية تُعنى بتعليم العربية في الجامعات، ونذكر على سبيل المثال جامعة محمد الخامس التي افتتحت المركز الجامعي لتعليم اللغة العربية للناطقين يوم 25 (يوليو/تموز) 2016، والمركز الآن يعرف نشاطا وفعالية في التعليم إذ عقد شراكة مع كلية ميدلبوري (Middlebury College)، وقبلها -أي جامعة محمد الخامس- كانت ولا تزال جامعة الأخوين تستقبل طلابا أجانب هدفهم تعلم العربية إما لأغراض عامة أو خاصة، وتُشرف على تكوين أساتذة خاصين بهذا المجال ليكون أكثر مردودية وتطورا في السنوات القادمة.

إن مجال تعليم اللغة العربية في المغرب بالرغم مما قلناه سلفا حول نشاطه وديناميته فإنه ما يزال لا يُلاقي إقبالا واسعا سواء من طرف الجامعات أو الموارد البشرية، ويحتاج إلى مزيد من البذل والعطاء، فنحن بحاجة إلى تكوينات مكثفة في كيفية تعليم العربية للناطقين بغيرها، وإلى تغطية إعلامية ناضجة تُبرز امتيازات هذا المجال، ومتابعات أكاديمية وبحثية مثمرة، وأيضا تحسين ظروف العاملين بالقطاع وتحفيزهم على الابتكار والخلق والعطاء والعمل بروح الفريق، وتضافر جهود المراكز والمعاهد المختصة في محاولة لاستكتاب مناهج وبرامج ناجعة لتعليم اللغة العربية بالمغرب، ولمَ لا، استكتاب كتاب لتعليم اللغة العربية خاص بالمملكة المغربية يُراعي البيئة والثقافة المغربية والعربية على ضوء المعايير العالمية الخاصة بتعليم العربية للناطقين بغيرها.

قد يعجبك ايضا المزيد عن المؤلف

تعليقات