لغتنا ومواقع التواصل!

542

عبدالرحمن الصارف

إن تعبير بعض الأفاضل عن بعض الأمور الدينية التي تجول بخاطره باللغة العربية الفصحى يدل على شيء ويوضح أشياء: يدل على أن اللغة الفصحى جزء من ثقافتنا الدينية فعلا وأن هذا منطبع في أذهان الناس وأن ثقافتنا منبثقة من تعاليم ديننا وتطبيقنا لفروعه وأصوله عبر قرون وليست منبثقه من قومية معينة أو حضارة قطر بعينه.

وتوضح طبيعة الصراع في مرحلة من المراحل التي حاول فيها بعض الدخلاء والمولدين أن يخرجو اللغه العربية الفصحى من المعادلة الثقافية ويدخلوا العامية أو اللغات الأجنبية مكانها والذي سيمهد بطبيعة الحال للانقطاع بيننا وبين ثقافتنا الأصلية التي امتدت لقرون كان العرب المسلمون فيها أسياد العالم علما وعملا مما سيجعلنا دمى في يد الثقافات الغالبة نتأرجح في مهب رياحها الهوجاء يمينا وشمالا فلا نسعى لتنمية ولا لنهضة ولا لاستعادة أمجاد، إذ الوشائج بيننا وبين تاريخ أمتنا وعلمها وثقافتها قد انقطع بانقطاع حبل اللغة العربية الفصحى.

قد تقرأ السطر مرات ومرات لتفهم كيف تتركب هذه الجملة ثم لتفهم معناها فتحس بأنك تقرأ ترجمة حرفية لقطعة كتبت باللغة الإنكليزية فتدرك القدر الذي هبطت به اللغة العربية.

ولا أنكر أنهم نجحوا في خطتهم إلى حد كبير في تذويب اللغة العربية من خلال وسائل يطول المقام بذكرها وبذكر آثارها ونتائجها على الأمة في وضعها الحالي ولمن يحب أن يقرأ في هذا الموضوع أن يرجع لكتابات الاستاذ محمود شاكر وكتاب تاريخ الدعوة الى العامية ففيهما الشفاء إن شاء الله. لكن الذي يلفت الانتباه فعلا أن هذه الكتابات التي صورتها عربية تحمل بين جوانحها قلبا أجنبيا دخيلا فلا تخلوا من قدر كبير من الاستغلاق والاستشكال في الفهم.

قد تقرأ السطر مرات ومرات لتفهم كيف تتركب هذه الجملة ثم لتفهم معناها فتحس بأنك تقرأ ترجمة حرفية لقطعة كتبت باللغة الإنكليزية فتدرك القدر الذي هبطت به اللغة العربية من لغة للشعر والأدب والبلاغة والبيان إلى لغة يستمد كاتبها قواعد مشوهة وضعت أساسا للترجمة من لغة أخرى ليكتب بها لغته فلا هو أفلح في استيعاب هذه القواعد ولا طبقها كما هي ولا حافظ على أصالة لغته وطريقتها الجميلة المتفرده في التعبير عما في وجدانه فيا للأسف.

هذا كله بالإضافة إلى ما في الكلام من السطحية ورطانة الأجانب وتعريب بعض الألفاظ بطريقة قبيحة مستنكرة، وهذا لفقره وقلة علمه بألفاظ لغته وتراكيبها، وأيضا فإن الكلام ينضح بما فيه من جهل بقواعد الإعراب و الإملاء وغيرها. ثم إذا كتب هذا الشخص بلغة أجنبية تجد فيها من الضبط والإحكام ما الله به عليم إذ لو أخطأ في هذه اللغة لفضحه الجميع ولبانت سوأته وظهر جهله وتفاصحه فيا للعجب ويا للمفارقة!

دعنا لا نتباكى كثيرا وكأننا قد بلغنا الغاية في اللغة فكلنا شرب ويشرب من هذا الإناء المسموم الذي سقته لنا أجيال من العملاء والجهلاء ممن يسمون النخبة أو المفكرين الذين إذا انتخبوا لنا الأسوأ من الأفكار وإذا فكروا لم يفكروا بما يبني بل بما يهدم فلا تركونا وشأننا ولا نهضوا بنا علميا وعمليا وتكنولوجيا.

علينا أن نعيد دراسة لغتنا وتوسيع استعمالها في كل الميادين وأن نقرأ بها تراثنا لنعلم حقيقتنا التي جهلناها، وقدرنا الذي لا نعرفه.

لا أعني بكلامي هذا التقعر في اللغة واستخدام الغريب الوحشي منها فحتى العرب الأقحاح (الخلص) كانوا يبغضون هذا فكيف وقد اتسعت رقعة غريب اللغة اتساعلا مخيفا بل يجب أن نعيد النظر في تراثنا الأدبي الحافل بالبدائع، الحافل بالاستقلال والعزة والأنفة من كل دخيل مشوه.

علينا أن نعيد دراسة لغتنا وتوسيع استعمالها في كل الميادين وأن نقرأ بها تراثنا لنعلم حقيقتنا التي جهلناها، وقدرنا الذي لا نعرفه، فإذا اتصل الماضي بالحاضر أمكن البناء واتصلت الوشائج واستحكم البنيان، فالذي لا تاريخ له لا حاضر له ولا مستقبل.

إن دورنا في إعادة بناء اللغة في عقولنا ووجداننا وألسنتنا في هذا الوقت مهم وسهل فإن مواقع التواصل توفر لنا الفرصة الكاملة لنشر ثقافتنا الأصيلة بلغتنا العربية الفصحى فهلا تعلمنا لغتنا وأظهرنا محاسنها وتنافسنا في هذا بدل أن نكتب كتابات تزيد الجرح عمقا والبون اتساعا.

قد يعجبك ايضا المزيد عن المؤلف

تعليقات