كيف نحمي اللغة العربية ونسترد فجرها الجديد؟

1٬017

تستأثر اللغة العربية هذه الأيام بموقع وطني لافت، تأسيسا على ما تطرحه جهود بعض منظمات المجتمع المدني وبعض الباحثين في مجالات الاشتغال الألسني واللغوي، من أجل اختراق لوبيات الفرنكوفونية، وتذليل الصعاب نحو تمكين أحد أهم أسس الحفاظ على الهوية اللغوية والثقافية، من استعادة المبادرة وتصحيح مسار التصلب والجمود الذي أصاب الساسة في بلادنا، ومن يحاول التشكيك في قدرة لغة الأمة ومرجعها الدستوري والكياني، في الوفاء بالتزامات التنمية والعصرنة والحياة العامة والاقتصاد والتعليم والإدارة والإعلام.

وقد أضحت حالات الانتقال الفج والعشوائي من ممارسة النقد والتعتيم تجاه رؤية اللغة مدارا للانفعال والتفاعل إلى خطر الاصطفاف والعصابية والتخوين وتدني الإحساس بالوحدة الوطنية وجها من أوجه المؤامرة وتمجيد الأخطاء وتقليب المواجع كلما تعمق البحث عن مخارج لتصحيح ما يؤول باطلا وقصرا على الفهوم الهابطة من درج ملاءة الدستور وانضباطه، في العبارة التي تخط حدود التوجيه والاستحقاق، حيث تتأسس فقرة الاعتراف بالعبارة الواضحة التي تقول في الفصل الخامس: “تظل اللغة العربية اللغة الرسمية للدولة”، وبالارتفاع نفسه في إثبات القصد بتأكيد حماية اللغة العربية من قبل الدولة وتطويرها وتنمية استعمالها. من ثمة، فالإقرار بدسترة اللغة العربية هي تزكية وإقرار بواقع لغوي وبرأسمال لا ينضب وسيرورة لا تتعثر ولا تخفو، بالحقيقة العلمية ذاتها التي يرتقيها منظر السوق اللغوية بيير بورديو الذي يؤسس حقيقة وجود السوق اللغوية بفرضية إنتاج الخطاب الموجه حسب بنى التلقي القادرة على التقييم والتقدير والوقوف على السعر المحدد.

إن حقيقة تعيين النقاش في حتمية تنزيل مكتسبات دسترة اللغة العربية، خصوصا بعد تقديم مشروع أجرأة وتنفيذ عناصر الترسيم وعدم تفريغ محتوياته، هو الأمل الكفيل بإعادة اللحمة وتفكيك أحلام المتربصين الداعين إلى فرنسة التعليم وتجاوز مطبات التخلف الاقتصادي والتنموي بالحسم في تأكيد التبعية اللغوية والاحتفاظ بالوصاية الكاذبة الدليلة. ومشروع قانون حماية وتطوير تنمية استعمال اللغة العربية هو يندرج في سياق تداعيات الانجرار خلف مؤامرات المندسين في تلابيب خرافة استحداث لهجة الدارجة ضمن عملية إصلاح جذري للغة التدريس. الشيء الذي استدعى عاجلا حث الدولة في المشروع إياه على حماية اللغة العربية وتطويرها، والحفاظ على سلامتها كتابة ونطقا، وصيانتها من كل التأثيرات الأجنبية والمغامرات غير المحسوبة.

ويعتبر الائتلاف الوطني من أجل اللغة العربية من أهم المنظمات المدنية المغربية الساعية إلى التنسيق بين مختلف الفاعلين والمؤمنين بدور العربية في ترسيخ الانتماء الحضاري والديني للشعب المغربي، وتعبيرها عن لحمته الاجتماعية والثقافية، وقدرتها على نقله نحو مجتمع المعرفة المنشود. ويسعى الائتلاف بالأساس إلى خدمة العربية ضمن المقاربة الدستورية وفي نطاق التوافق الوطني الذي أنجز سياسة لغوية تعتز بالعربية التي يضعها الدستور ضمن أهم ركائز البناء الهوياتي والثقافي والحضاري ، وكذا تثمين الإنجاز الوطني للأمازيغية التي تعتبر “رصيدا مشتركا لجميع المغاربة” وتقدمه شريكا لتجسيد هذا التوافق وترجمته في المجلس الوطني للغات والثقافة المغربية، الذي سيحدث للقيام أساسا بحماية وتطوير اللغتين الرسميتين العربية والأمازيغية، ومختلف التعبيرات الثقافية المغربية، تراثا أصيلا وإبداعا معاصرا.

وخلال مرحلة مهمة من عمر الائتلاف اللغوي أسهمت الحركية اليقظة والممتدة عبر الأوراش العلمية والأكاديمية المفتوحة، والحضور السلس والفاعل في بؤر الجدل والنقاش المحتدم، في الانوجاد بقوة وتأثير عميق في الفعاليات والأنشطة الثقافية والتحسيسية المنتجة للمبادرات والآليات الخطابية الحاسمة، في مجالات البيداغوجيا والكفايات وإصدار التوصيات، من أجل تنزيل الدستور وإقرار سياسة لغوية فعالة ومحكمة وإشراك المجتمع المدني في إطار التشاركية الديمقراطية الكفيلة بتفعيل مقتضيات المبادرات الشعبية في مجال التشريع والرقابة في مجال السياسة اللغوية، وتحفيز الباحثين الشباب على البحث العلمي في تخصصات لها علاقة باللغة العربية، وتطبيق القوانين والمناشير المتعلقة بالطابع الرسمي، والعمل على استصدار القوانين التي تحمي اللغة العربية من التجاوزات المشينة وعلى إحداث مؤسسات متخصصة لتدبير شؤونها.

وفي الوقت نفسه كانت مسؤولية الائتلاف الوطني من أجل اللغة العربية مدفوعة لإحداث مقاصد لتحرير منطق حماية لغة الضاد من الكوابح، داعيا ـ أي الائتلاف ـ إلى الحماية الشاملة والملمة بكل تفاصيل الإدماج والتعايش والتوطين، فدعت إلى رصد التجاوزات والخروقات للطابع الرسمي في الإدارة والتعليم والاقتصاد والإعلام ومختلف مجالات الحياة العامة، والكشف عن المسؤولين عنها وتفعيل التدابير القانونية لإنهائها، ووضع آليات لمراقبة التزامات الدولة بحماية اللغة العربية باعتبارها لغة رسمية، وتعزيز وحماية العربية في الوطن مع ما يتبع ذلك من خطوات قانونية ومدنية، والتنسيق والتعاون والشراكة بين مختلف الفاعلين في مجال الدفاع عن العربية من باحثين وجمعيات ومؤسسات غير حكومية.

إن التئام استراتيجية التدافع باتجاه تحويل مطلب تكريس دسترة اللغة العربية في الحياة الوطنية، من قبل الائتلاف وغيره من المنظمات الأخرى، سيمكن من تحقيق فجوة استعادة المصير الحضاري، الذي يتجاسر بالهوية اللغوية والثقافية، بالانتماء وقيمه الخالصة، حيث لا حضارة دون هوية، ولا أمة دون جدور. طبعا هذا لا يجزأ سمو التعدد الثقافي والتبادل والتلاقح الحضاري، وكذلك اللغات في تواصلها واتصالها ونفادها لنظائر وتخوم الشعوب.

مصــطفى غَــلْمَـان

قد يعجبك ايضا المزيد عن المؤلف

تعليقات