بوكوس: انقراضُ اللغات الأمّ يهدد بموت التراث الّلسني للبشرية

771

هسبريس – محمد الراجي

احتفل المعهد الملكي للثقافة الأمازيغية، مساء أمس الجمعة، باليوم العالمي للغة الأم، وسط استمرار انقراض مئات اللغات في مختلف بقاع العالم، حسب بيانات الأمم المتحدة.

واختار المعهد شعارا لتخليد اليوم العالمي للغة الأم هذه السنة “نحو مستقبل مُستدام بفضل التعلم متعدد اللغات”.

المعهد الملكي للثقافة الأمازيغية هو المؤسسة الوحيدة التي تحتفل باليوم العالمي للغة الأم على المستوى الوطني، حسب عميد المعهد، أحمد بوكوس، الذي أشار إلى أنَّ عددا من متكلمي اللغات الأم من إفريقيا وآسيا وأوروبا حضروا إلى المعهد، للالتقاء فيما بينهم.

وعدَّ عميد المعهد الملكي للثقافة الأمازيغية، في تصريح لهسبريس، انقراض عدد من اللغات الأمّ بشكل مطّرد كل سنة، حسب ما تؤكّده بيانات منظمة اليونسكو، “موتَ قسْطٍ وافر من التراث الّلسْني للبشرية”.

وعن وضعية اللغة الأمازيغية في المغرب، قالَ بوكوس إنها كانتْ تُصنّف ضمن اللغات المهدَّدة، مشيرا إلى “أنّه على أرض الواقع هناك عدد من اللهجات، أو التعابير اللغوية المحلية، بعضها اندثر، أو على الأقل تموت حاليا، مثل بعض لهجات المغرب الشرقي، التي ماتَ بعْضها”، مضيفا “الناسْ تّْعْرّبات وتخلت عن لغتها الأولى”.

وعزا عميد المعهد الملكي للثقافة الأمازيغية انقراض اللهجات المحلية، في مختلف بقاع العالم، إلى “مُزاحمة اللغات القوية لها”، موضحا أنّ اللغات التي لديها السلطة الرمزية الكافية لفرض نفسها في المعاملات الاجتماعية وغيرها من المجالات المختلفة هي التي تفرض نفسها على المتكلمين، أو العكس، يفرضها المتكلمون بها في محيطهم”.

السبب الثاني الذي يرى بوكوس أنه يؤدّي إلى انقراض اللغات هو تغييبها عن مجال التداول في وسائل الإعلام، وفي السينما والمسرح والأعمال الأدبية، ولا يتمّ التكلم بها بشكل يومي؛ مُبرزا أنَّ بعض الأوجُه من الأمازيغية في المغرب مهدّدة بدورها.

وفي هذا الإطار، أشار بوكوس إلى أنّ المعهد الملكي للثقافة الأمازيغية يعمل للحفاظ على هذه التعابير، من خلال تدوين الموروث الثقافي الشفهي المنطوق بها، مثل الأشعار والأمثال والألغاز.. وغيرها من التمظهرات الثقافية المحلية، ويتمّ طبعها ونشرها والتعريف بها.

وفيما يولي المعهد الملكي للثقافة الأمازيغية أهميّة كبرى لوضع قواعد اللغة المعيار، التي يجري التدريس بها، نفى بوكوس أن يكون الهدف من صوغِ هذه اللغة هو القضاء على اللهجات المحلية، كما يروّج البعض، مشيرا إلى أنّ الباحثين يأخذون من هذه اللهجات المحلية ومن البنيات المشتركة بينها، والتي تشكل الأساس البنيوي للغة المعيار.

وأضاف أنَّ اللغة المعيار هي تطعيمُ المُشترك بين اللهجات بما هو جديد، وهو المعجم التقني والمصطلحي الذي لا يوجد في أية لهجة من هذه اللهجات، مثل المصطلحات الحديثة، موضحا “هذا الإبداع المعجمي يغني اللغة الأمازيغية، وهو ضرورة لضمان الديمومة لها، فإذا لم نكن نعرف الهاتف أو الحاسوب وغيرها من المصطلحات التقنية الجديدة باللغة الأمازيغية، فهذا معناه أننا سنقترض هذه المصطلحات من لغات أخرى، وهذا يؤدي بالضرورة إلى استضعاف اللغة الأمازيغية”.

من جهة أخرى، أقرَّ بوكوس بأنّ الأرقام التي تصدرها المندوبية السامية للتخطيط، والتي تؤكّد أن غالبية المغاربة يتحدثون الدارجة، تعكس الواقع، قائلا “مهما تكون الانتقادات التي نوجهها إلى نتائج إحصاء المندوبية السامية للتخطيط، لا بد أن نقر بأن غالبية المغاربة يتواصلون بالدارجة”، معتبرا أنّ الوضعية “هي نتاج صيرورة لقرون، كان فيها احتكاك وأخْذ وعطاء بين الناطقين بالأمازيغية والناطقين بالعربية، أنتجت لغة تواصل هي الدارجة”.

وذهب بوكوس إلى القول “إذا كانت الدارجة أداة تواصل بامتياز في المغرب فهذا يقوّيها؛ ولكنه في المقابل يضعف الأمازيغية”، مُستعرضا جُملة من العوامل التي أدّتْ إلى توسّع نطاق استعمال الدارجة، مثل الهجرة، وتغييبها خلال العقود الماضية عن وسائل الإعلام.. إلخ.

وأبْدى العميد تفاؤله بمستقبل الأمازيغية في المغرب، قائلا: “نعتقد أن هذه الفرصة المعطاة للأمازيغية كلغة رسمية منصوص عليها في الدستور، وإدراجها في المنظومة التربوية، والمدِّ المتصاعد الذي تعرفه الساحة الأمازيغية.. كلُّها عوامل تقوي الأمازيغية، ليس ضد العربية، سواء الفصحى أو الدارجة؛ ولكن تعطي فرصا جديدة لمتكلمي الأمازيغية للتداول بلغتهم”.

قد يعجبك ايضا المزيد عن المؤلف

تعليقات