أعجميةٌ عربية!!

530

نور عجيب 

تنفست رئتاي هواء الأرض، ودمي ولحمي أعجمي، لكني بعد مروري الأعوام إذا بلساني يتكلم العربية بطلاقة!! وذلك لأن أسرتي كانت تقطن في مدينة عربية، تربيتُ بين أصالة العروبة ومفاهيمها، حتى أني كُنتُ لا أفهم من لغتي شيئاً إلا القليل ولا أجيد الكلام بها!!
لا أنسى أبداً عندما كنت في الثالث الابتدائي، قال لي معلمي وقتها كلمة لم أفهمها وقلتُ له: بأنني سمعتها في لغة كذا (اقصد لغتي الأم)! حينها ضحك معلمي ضحكة ساخرة، وقال: أيوجد في هذا الكون أحد لا يجيد لغته؟! شاركته الضحك وقلتُ بأني تربيتُ بينكم ولا أعرف لغتي! كنت أعلم تماماً بأن هذا العذر لا يكفي، لكن ليس لدي عذر غيره.

أنا أغبطُ كل عربي على وجه الأرض لأن لغته يحبها الله ورسوله. لا أعلم لماذا يتعمد بعض العرب في تمييع لغتهم أو هجرها أو مزجها بلغات أخرى؟!

رغم أن والدي كانا يجيدان لغتي الأم تماماً، لكني لم أعلم إلى الآن، ما الذي كان يمنعهما من تعليمي إياها ؟!! بعدها تعمقتُ بالعربية وأصبحتُ اقرأ كثيراً، وكان أول إنجاز لي أني أتممت قراءة كتاب الفقه للائمة الأربعة (رحمهم الله). وبعدها البداية والنهاية.. هذا كله وأنا لم أتجاوز الأربعة عشرة من عمري، غرقت بالقراءة ، حيث أنني قرأتُ أعلام الكتب العربية لأساطين العلماء.

عندها بدأت أفهم لغتي وأحفظ بعض الكلمات منها لأن بعض أقاربي صاروا يترددون علينا كثيراً. بعدها اضطررنا لمغادرة المدينة التي ولدتُ فيها. ذهبنا حينها لمدينة فيها أنأس كثير من بني جلدتي. اضطررت أن اتعلَّم لغتي كمل لو كانت ليست بلغتي!!

إنه لأمر مضحك أن تتعلم ما يجب أن تعلمه لغيرك، لكن حكمة فوق كل شيء. كان ما يصبرني على ذلك دائماً أن هناك من أعلام الأمة الإسلامية من ليسوا بعرب ولكن أجادوا العربية ولم يجيدوا لغاتهم الأم!! كُنتُ متشوقة لأن أعرف ما هي الحكمة في ذلك!! ولكني حينما خالطت أبناء جلدتي علمتها! أدركتُ بأن الله (عزّ وجلّ) ما كتب ذلك لي إلا ليسهل أمراً آخر..

فأنا الآن لا أحتاج ترجمانا ليفسر لي القرآن، أو ليشرح لي كتب التفاسير، ولا أحتاج مجهوداً كبيراً لفهم أحاديث الرسول ( صَلِّ الله عليه وسلم ). أنا اليوم أتقنُ العربية وأجيد لغتي الأم (وإن كنت أحتاج أن أتعمق بها أكثر). ولكن أصبحتُ أحب العربية أكثر من بعض العرب.. فهي لغة خير من خلق الله محمد (صَلِّى الله عليه وسلم). وقبل أن تكون لغة محمد فهي لغة أهل الجنة..

إنه لأمر مضحك أن تتعلم ما يجب أن تعلمه لغيرك، لكن حكمة الله  فوق كل شيء. كان ما يصبرني على ذلك دائماً أن هناك من أعلام الأمة الإسلامية من ليسوا بعرب.

أنا أغبطُ كل عربي على وجه الأرض لأن لغته يحبها الله ورسوله. لا أعلم لماذا يتعمد بعض العرب في تمييع لغتهم أو هجرها أو مزجها بلغات أخرى؟! نعم، جميل جداً أن أتعلَّم لغات أخرى جديدة ولكن ليس على حساب لغتي، بل أتعلمها ليزداد علمي..

لذا أقول دوماً: أن اللغة العربية هي لغة الفكر والمنطق! لأن من يتعلمها تتوسع مداركه! لكثرة مترادفاتها .. تحياتي لكل من أدرك جمال لغته وحافظ عليها.. ولا أزيد على ما قاله شوقي: “إن الذي ملأ اللغات محاسنا جعل الجمال وسره في الضادِ”.

قد يعجبك ايضا المزيد عن المؤلف

تعليقات